مع توالي سقطات مشاهير التواصل الاجتماعي والتي كثرت في الآونة الأخرى، باتت الحاجة أكثر إلحاحا نحو الاهتمام بصناعة المحتوى، ليقدم معطيات لائقة.

والمحتوى كما تم الاتفاق على تعريفه يشتمل على النصوص، والمقاطع الصوتية والمرئية، والرسوم البيانية، والرسوم المتحركة، والصور، وهو يشير في العموم إلى المعلومات المتوفرة عبر شبكة الإنترنت، والتي يمكن تحميلها أو توزيعها باستخدام القنوات الإلكترونية، مثل الكتب الإلكترونية والموسيقى.

ويشمل المحتوى الرقمي كل ما ينشر عبر الإنترنت، مما يمكن قراءته أو مشاهدته أو الاستماع إليه.

وتشكل صناعة المحتوى هاجسا مؤرقاً لكثير من المهتمين بالإعلام الرقمي ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، حتى كثرت المطالبات بتهذيب هذا المحتوى، من خلال استخدام أسلوب راق في عرض الفكرة، سواء مكتوبة أو صوتية أو من خلال إنتاج مقاطع مرئية تحوز على رضا الجمهور المستهدف.

وأسهم تفشي المحتوى «التافه» وترويجه وتعميمه في تسليط مزيد من الضوء على أهمية التركيز على صناعة المحتوى، حيث ظلت المطالبة بنشر محتوى هادف قضية

ملحة ينشدها كثيرون من مرتادي تلك المنصات، بما يكفل أن يثري المحتوى المتابعين علمياً ومعرفياً.

فهم الجمهور

يشدد أستاذ الإعلام المساعد في جامعة أم القرى الدكتور أيمن السعيدي لـ«الوطن»

على أن صناعة المحتوى تعطي من يتقنها المقدرة على فهم الجمهور، ويقول «تكمن أهمية غرس صناعة المحتوى من حيث المهنية والتركيبة العلمية، خاصة لدى مشاهير التواصل الاجتماعي، في إن صناعة المحتوى هي خلق الأفكار وانتقاء المفردات والجمل والرسائل الفكرية والنصية لإيصالها للمتلقي بشكل مميز ومختلف، وهذا يعني أن صناعة المحتوى تعطي من يتقنها المقدرة على فهم الجمهور وتوظيف أعداد المتابعين الهائلة في إثراء المجتمع والتأثير الإيجابي فيه، بدل تقديم المحتوى السطحي الذي لا يقدم فائدة حقيقية ولا يؤخر».

وأضاف «على الصعيد ذاته كما أنه في العمل الصحفي هناك رغبة ملحة في البحث عن الحقيقة والأخبار الصادقة، فصانع المحتوى لابد أن يكون لديه نفس الرغبة في تقديم الفائدة والمعلومة للجمهور».

وبيّن أن توالي سقطات مشاهير التواصل الاجتماعي التي تحدث بين الحين والآخر يرتبط ارتباطا وثيقا بافتقادهم أهمية ومعنى صناعة المحتوى، وبتعاملهم مع المحتوى على أنه مجرد ترف إعلامي، ورغبتهم فقط في إثارة الجدل وزيادة المشاهدات خاصة في ظل تراجع الإعلانات.

دوافع إثارة الجدل

يوضح السعيدي أن أحد أهم دوافع إثارة الجدل التي يسعى إليها المشاهير هي رغبة بعض شركات التسويق الرقمي أو الشركات المعلنة في زيادة وصول الإعلان للمستهدفين، وتحقيق الأرباح دون النظر هل هذا المشهور مناسب للمنتج المعلن عنه أم لا، وهذا ما يسبب الآن تراجعا حادا وملحوظا في إعلانات المشاهير مقارنة بالإعلانات الرقمية الأخرى.

ويعوّل السعيدي كثيرا على دور التوعية في إظهار مدى أهمية صناعة المحتوى الجدي، ويقول «تقع على عاتق الأسرة والمؤسسة التعليمية أولاً أدوار مهمة للغاية في توعية المجتمع، وخاصة الجيل الجديد، فمن المحزن أن تتحول أحلام الأطفال اليوم إلى مجرد أن يكون كل منهم يوتيوبر أو مشهورا، وأن تصبح الشهرة هي الطموح الوحيد بأي طريقة وبأي ثمن».

ونوه إلى أهمية الأدوار التي يمكن أن تقدمها المؤسسات التعليمية الجامعية، ويبين «هناك دور مهم للجامعات والأقسام في دعم المحتوى الإيجابي البديل، فمواقع التواصل الاجتماعي قدمت نماذج من صناع المحتوى المميزين، ولم يكونوا ليُعرفوا، لولا هذه المنصات، ولذلك فالموازنة مهمة، والمحتوى هو العنصر الفاصل، وهذا الدور الذي تضطلع به الجامعات وكليات وأقسام الإعلام فيما يتعلق بإعلاء قيمة صناعة المحتوى، بما يضمن تهذيب هذه الصناعة لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد».

محاولات ارتقاء

تُبذل محاولات كثيرة لتصويب المحتوى الرقمي والرقي به، وتُقدم نصائح كثيرة في هذا الجانب، من أهمها تحديد الجمهور المستهدف بالمحتوى، ومعرفة ماذا يفضل وبماذا يرغب، ولعل التركيز هنا يشتمل على الاستثمار الأفضل للمحتوى، مع وضع إستراتيجية ملائمة تتسم بالواقعية والتوافق مع الإمكانيات والوقت والموارد، والالتزام بقواعد وأنماط تجعل للمحتوى هوية بصرية ومظهرا عاما، مع تقديم المحتوى بصيغ مختلفة، فيكون منه الصوتي والمكتوب والمرئي بما يمكّن من تحقيق أقصى فائدة منه.

كما ينصح مختصون بمنح الأولويّة لجودة المحتوى، على الأخص أن الجودة ستكون علامة امتياز لصالح المحتوى وسط سيول المحتوى التي لا تتوقف، إضافة كذلك إلى مواكبة أحدث التطورات في مجال المحتوى الرقمي، بما فيها الوسائط التي تكتسب أهميّة متزايدة لدى الجمهور المستهدف.

كما يوجه المختصون كذلك صناع المحتوى إلى أعمية مراقبة أداء محتواهم، وطريقة تفاعل الجمهور معه.

تسويق الصانع

تركز الباحثة في الإعلام لارين المطيري خلال حديثها لـ«الوطن» على أهمية صناعة المحتوى، وترى أنها تنعكس في زيادة عدد المتابعين لدى المشهور نفسه، وترى أن ثمة رابط بين المحتوى الجيد وعدد المتابعين، وتقول «نجد أن بعض مشاهير التواصل الاجتماعي يهتمون فيما يقدمونه من محتوى لجمهورهم، وأنا في اعتقادي أن تحديد مجال المحتوى هو بحد ذاته تسويق للمشهور، بمعنى آخر أن صانع المحتوى أثناء عرضه لمحتواه، يروج لحساباته، ويعلن عنها للفئة المستهدفة، مثل الحصول على زيادة في عدد المتابعين، وكذلك تقديم إعلانات مقابل أرباح مالية، وبالتالي فاختيار المحتوى لا بد أن يكون من ضمن اهتمامات الجمهور».

وأضافت «هناك صناع محتوى في مجال التقنية، والصحة، والمرأة والطفل، والطبخ، والقصص، والفن والفنانين، وأخبار المشاهير، ومواكبة الترند كالأخبار العاجلة.. إلخ، ولذلك لا يمكن حصر مجال معين، ففي الغالب صناع المحتوى - أياً كان هذا المحتوى- هم مع الترند الأول».

وأضافت «أتفق مع القول بأن الجمهور هو من يعطي القيمة للمشاهير، ولكن مع ذلك فثمة سقطات تحدث من بعض المشاهير سببها حرصهم على لفت الانتباه، أو زيادة المتابعين، أو كسب الأضواء والشهرة».

وتتساءل المطيري «لا بد أن نطرح السؤال على أنفسنا، وأن نبحث له عن إجابة؟.. هل نحن تافهون.. وهذا سؤال مشروع، لأن كلمة واحدة أحيانا تصعّد البعض وتجعله مشهورا، ونحن الذين نمنحه الشهرة دون أن ندقق في مستوى المحتوى الذي يقدمه».

جهات معنية

تشدد المطيري على أن الجهات المعنية بالإعلام، يفترض أن تسهم في توجيه الوعي ورفع مستواه، والإرشاد نحو كيفية صناعة محتوى جيد، لا يخرج عن إطار الآداب العامة، وهناك عدد من الورش والدورات واللقاءات التي تقام لأجل هذا الهدف، وقد شاهدنا مشاهير أبدعوا في هذه الصناعة، وقدموا لنا محتوى يستفاد منه وذا قيمة.

صناعة الدخل

يشرح الباحث في الإعلام والأمن الفكري صالح بن عبدالحفيظ لـ«الوطن» ما يمكن أن تحققه صناعة المحتوى من مردود عالي الأهمية من حيث الجودة والأداء والتأثير، بما يراعي المعايير والأدبيات التي أقرتها مهنة الإعلام، ويقول «غدت صناعة المحتوى بما تحققه من دخل موازية من حيث هذا الدخل للرؤساء التنفيذيين ومن في حكمهم».

وبيّن أهمية مصاحبة صناعة المحتوى لأسس الأمن الفكري، والتي من خلالها تتم تنشئة جيل كامل، مطالبا بمراعاة الفروق أثناء بث مضامين المحتوى بشكل عام.

وأضاف «وعت الحكومة السعودية قيمة صناعة المحتوى، وهي تتعامل باحترافية عالية إزاء كل مخالفة من شأنها أن تخالف قيم ومبادئ المجتمع السعودي بكافة شرائحه، ولذا بدا من المفهوم تماما أن هيئة الإعلام المرئي والمسموع وهيئة الاتصالات طالبتا بإزالة الإعلانات المخالفة من منصة يوتيوب، وهو الأمر الذي يؤكد تطبيق الضوابط والأنظمة المعمول بها في المملكة فيما يتعلق بصناعة المحتوى الإعلامي»، منوها بإلزام الجامعات ومؤسسات التعليم بوضع مواد أساسية لشرح السياسة الإعلامية للمملكة، حتى يكون المستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي على قدر من الوعي الفكري والاجتماعي والقانوني.

بعيدا عن العشوائية

يشير عبدالحفيظ إلى أن صناعة المحتوى لا بد أن تتبع آليات وأسساً ثابتة، ولا تتم بطريقه عشوائية، فالبعض يكون له تأثير في المجتمع ويؤثر على ثقافة المجتمع بالأساليب الناعمة، منوها إلى أن كثيرين ما زالوا يتعاملون مع هذه الصناعة من قبيل الترف الإعلامي دون أن يلقوا بالا إلا لما يلفت انتباه الجمهور عبر بث محتوى هابط، بغاية زيادة عدد المتابعين، والسعي خلف الربح المادي دون مراعاة فروق الأعمار التي تتابع المشهور، حيث يقوم كثير من المشاهير بتصرفات لا تراعي أدبيات المجتمع، ولا تراعي ضرورة أن يقدم المحتوى خدمة مجتمعية عبر الوسيلة الإعلامية المستخدمة.

نصائح مهمة للارتقاء بالمحتوى الرقمي

1ـ تحديد الجمهور المستهدف

2ـ وضع إستراتيجية تتناسب مع الموارد المتاحة

3ـ اعتماد هوية بصريّة ومظهر عام للمحتوى

4ـ تقديم المحتوى بصيغ مختلفة

5ـ التركيز على جودة المحتوى

6ـ مواكبة تطورات المحتوى الرقمي

7ـ متابعة المحتوى ومراقبة أدائه

8ـ الاعتماد على الروابط المهمة والمفيدة

9ـ استخدام الموضوعات التفاعلية والواضحة للمحتوى

10ـ تجنب الموضوعات المكررة