تمرُّ الاقتصادات بتقلبات متعددة وهناك دورات لأي اقتصاد سواء كان لدولة، أو لمنشأة، أو حتى لفرد. تتغير هذه الدورات بين النمو والقوة والضعف والتجديد، فلا يوجد كساد أو ركود اقتصادي دائم، كما لا توجد طفرة أو رواج اقتصادي دائم أيضًا، وهذه سنة كونية لكلِّ ما يدور من حولنا، ولنا في قصة نبي الله يوسف عليه السلام أسوة حسنة، ودروس مستفادة في إدارة الاقتصاد في أوقات الرخاء والشدة يقوم محورها على عملية ترشيد الإنفاق وحسن الإدارة للموارد المتاحة، ومن المؤكد أنَّ السياسات الاقتصادية التي تضعها الدولة وكذلك سلوكيات المستهلك ودور أصحاب الأعمال، لها دور مهم في التعامل مع التغيرات الاقتصادية، وتعتبر مسألةُ الادخار وترشيد الإنفاق وكيفية إدارة الأموال في جميع الأحوال ركيزة أساسية لمواجهة التقلبات الاقتصادية.

وفي هذا المقال أحببت أن أتحدث عن الادخار والإنفاق وعلاقتهما بالتضخم الذي يحدث عندما لا يكون هنالك تخطيط وترشيد سليم في عملية الإنفاق، وكيف يكون سلوك المستهلك؟ والحاجة لسياسات واضحة لحمايته دون إلحاق الضرر بالعمل التجاري على أساس الاقتصاد الحر، فدون شك إنَّ أزمة كورونا أدت إلى حدوث فجوة كبيرة في انتظام سلاسل الإمداد على مستوى العالم. وبطبيعة الحال، فقد أدى ذلك إلى وجود شح كبير في توافر السلع؛ مما أخل بتوازن قاعدة العرض والطلب في السوق، وهنا تأتي المسؤولية المشتركة للجميع للمحافظة على التوازن المطلوب لجعل أسعار السلع أكثر ثباتًا وبعيدة عن الارتفاعات غير المبررة، سواء بسبب سلوكيات المستهلك أو رغبة قطاعات الأعمال في تحقيق مكاسب أكبر.

ومن المعروف أنَّ الارتفاع في أسعار السلع والخدمات يؤدي إلى زيادة التضخم، وارتفاع نسبته، فعندما يكون التضخم مرتفعًا، تزيد تكلفة المعيشة؛ وبالتالي تقل نسب وفرص الادخار لدى أفراد المجتمع وهذا مؤشر سلبي، يضر باقتصاد الدولة، لأنه يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.

وعلى المستوى العالمي، فقد مرّت عدة دول بمراحل اقتصادية صعبة، استطاع بعضها الخروج منها بأقل الأضرار، وارتكزت قدرة من أحسن التعامل في إدارة الأزمة على وعي المستهلك، وقبول أصحاب الأعمال مستوى ربحية جيدة لا تسبب في ارتفاع مستمر للأسعار، حتى وإن قلَّ المعروض وزاد الطلب. وتبني سياسات تحمي المستهلك ولا تضر بأصحاب الأعمال، ولليابان تجربة جديرة بالذكر، فقد أظهر مجتمعها كيفية استجابته وتخطيطه الصحيح خلال فترة الانكماش، والركود الاقتصادي وتباطؤ النمو واستطاعت اليابان أن تتحكم في مستويات التضخم والتعامل مع هذه الحالة الاقتصادية بشكل فاعل وعملي.

وتجربة اليابان بسبب تركيبتها السكانية، وسرعة استجابتهم عند حدوث ركود اقتصادي، قللت كثيرا من الآثار السلبية على اقتصادهم، على الرغم من صعوبة هذا الأمر لشعب كان يعيش طفرة اقتصادية وازدهارا كبيرا لفترة طويلة عاش فيها مرحلة أقرب للترف، إلا أنَّ وعي المستهلك لديهم ساهم في إدارة الأزمة بالشكل السليم، وخرجت إلينا تجربة جيدة في التعامل مع الانكماش والركود الاقتصادي، بصورة عملية صحيحة كان أساسها الوعي الاقتصادي لدى شعبها.

ونحن في المملكة لدينا حاليا فرص كبيرة لتحقيق نمو أكثر في اقتصادنا بأمر الله، حيث يظهر اقتصادنا مؤشرات إيجابية، خاصة بعد أن نما بمعدل 9.6 % خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث حقق بهذا النمو أعلى معدلات نمو منذ عشر سنوات تقريبا، وذلك بحسب تقرير للهيئة العامة للإحصاء في المملكة، وكذلك بعد أن حققت ميزانية الدولة في الربع الأول فائضا، ومن المتوقع أن ينعكس هذا النمو الاقتصادي بمشيئة الله إيجابيًا على الأفراد وقطاعات الأعمال المختلفة.

وبمشيئة الله من المتوقع أن يحقق اقتصادنا نموا بنسبة 7.4 % للعام بينما يتوقع صندوق النقد الدولي نمو اقتصادنا الوطني بنسبة 7.6 %، وهذا يأتي بفضل الله نتيجة للأداء الإيجابي والمؤشرات الإيجابية التي حققها اقتصادنا وظهور مؤشرات التعافي من أزمة جائحة كورونا، بينما لا تزال العديد من الدول غير قادرة على الدخول في هذه المرحلة بعد.

وختامًا أرى أن وعي المستهلك وترشيده للإنفاق والبعد عن السلوكيات التي تؤدي إلى زيادة الأسعار غير المبررة هو واجب وطني، والأمر الآخر هو أن على قطاعات وأصحاب الأعمال عدم رفع الأسعار بشكل غير مبرر وخلق شح في المعروض لتحقيق مكاسب أكبر في المدى القصير، لأنَّ هذا الأمر يضر بهم على المدى البعيد، حيث يؤدي ذلك إلى أن يعزف المستهلك عن السلعة ذات السعر المرتفع ويتجه إلى سلعة منافسة أقل سعرًا، ويأتي دور الحكومة في وضع السياسات الملائمة والمرنة التي توازن بين حماية المستهلك وانتعاش العمل التجاري وحريته.