أطلق مشروع «أنسنة القرى التراثية» في منطقة عسير، المنبثق من أعمال المشهد الحضري في المنطقة حماسة أهالي بلدة ظهران الجنوب القديمة، التي تتوسط مدينة ظهران الجنوب ويزيد عدد مبانيها على 140 بيتا، لإعادة تأهيل البلدة من خلال أعمال الترميم والصيانة.

وترمي عمليات إعادة التأهيل إلى إبراز الهوية الوطنية للبلدة، حيث تتضمن المخططات التنفيذية تطوير المخطط العام والطرق ومسارات الحركة المؤدية إلى البلدة، وتنسيق المواقع واختيار المباني النوعية لإعادة ترميمها، إضافة إلى التطوير الشامل للبنى التحتية في كل أنحاء البلدة، ووضع علامات إرشادية ومواقع وأسماء مقار الدوائر الحكومية القديمة، حيث اشتهرت البلدة بكونها مقرًا للدوائر الحكومية للدولة السعودية الثالثة.

ولا تزال مباني الإمارة والمحكمة والشرطة والجمارك والمستوصف الصحي والمدرسة موجودة، وتمت إعادة تأهيلها بالشراكة مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، خاصة البلدية ووزارة الثقافة.

ملتقى القوافل

وتقع ظهران الجنوب القديمة على ضفاف وادي العرين، أكبر أودية محافظة ظهران الجنوب (160 كلم جنوب أبها)، وقد عرفت بسوقها التاريخي القديم الذي اشتهر كملتقى للقوافل التجارية خلال رحلتي الشتاء والصيف، حيث تعبره قوافل الحجيج القادمة من اليمن باتجاه مكة المكرمة، وبما تحتويه داخل سورها وبين جنبات قصورها وبيوتها ومسجدها التاريخي ودكاكين سوقها الشعبي من موروثات فنية وثقافية وشعبية.

واحتفظت البلدة القديمة بكونها واحدة من العلامات البارزة في منظومة المواقع التراثية التي تهم السياح والباحثين والمهتمين.

الطراز العمراني

أوضح أمين جمعية بلدة ظهران الجنوب التراثية سعيد ملفي القاضي لـ«الوطن» أن «ما يميز البلدة هو الطراز العمراني لقصورها وبيوتها وقلاعها، وإطلالة بيوتها على ساحة السوق من الجهة الشمالية، وعلى المزارع من الجهتين الجنوبية والغربية، وتوسطها المنطقة الزراعية والتجارية، ولها مداخل من جهة ساحة السوق ما زالت قائمة حتى الآن، وكانت في الماضي عبارة عن بوابات تغلق ليلًا وتفتح صباحًا لدواعٍ أمنية».

المسجد الأثري

بين القاضي أن البلدة تحتوي على مسجد أثري قديم لا يزال قائمًا في الجزء الغربي، واختير ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية (المرحلة الثانية)، بهدف إبراز البُعدين الحضاري والثقافي للمملكة، والذي تركز عليه رؤية المملكة 2030، عبر المحافظة على الخصائص العمرانية الأصيلة للمساجد التراثية وتعزيز مكانتها الدينية.

وبين أن «ما يلفت الزائر هو تخطيط البلدة القديم وعمرانها التقليدي المكون من مبان طينية على شكل كتل متراصة تخترقها ممرات متعرجة، وصممت رغم صغر مساحتها التي لا تتجاوز 40 مترًا مربعًا لتلبي احتياجات ووظائف ساكنيها في الماضي بتوجههم نحو التمدد الرأسي في البناء، حتى إنك تجد البيوت قد تصل أدوارها إلى خمسة أو ستة أدوار، استخدم في تشييدها الطين والحجر والخشب، وجميعها من البيئة المحيطة والبيوت من الداخل والخارج تتماثل في أنماطها وتفاصيلها، إلا أن طبيعة التخطيط والبناء تعكس متانة العلاقة الاجتماعية».

تقسيم البلدة

أضاف القاضي «البلدة كمنطقة عمرانية يمكن تقسيمها حسب استعمالات الأراضي فيها إلى ثلاث مناطق متوازية أساسية، شكّلت عبر السنين شخصية البلدة من الناحية الحضرية، أولها المنطقة الزراعية وتقع جنوب البلدة على ضفاف الوادي، يليها مباشرة بشكل موازٍ وعلى هضبة شبه مستوية المنطقة السكنية التي تتوسط بموقعها المنطقة الزراعية والمنطقة التجارية «منطقة السوق» الواقعة إلى شمال البلدة.

وبين أن الهدف من تقسيم البلدة وتخطيطها في الماضي البعيد على ذلك النحو هو سهولة الحركة والاتصال السريع بين أجزائها، فضلاً عن المزايا الاجتماعية والأمنية والخدمية، التي خدمت سكانها في الماضي، لا سيما أن هذا التخطيط قديمًا توافق مع نمط معماري مميز، أخذ طابع القلاع الدفاعية المشرفة على فضاء واسع من الأرض».

وقال «استطاع إنسان هذه الأرض في الماضي أن يطوّع الطبيعة من حوله، وأن يروّض تضاريسها، ويستغل مواردها فيما حقق له أمنه وكينونته عبر مئات السنين، فالمزارع الواقعة على امتداد وادي العرين خططت ونظمت لتستفيد من مياه السهول عند جريان الوادي مباشرة، من خلال مسالك وخلجان تتصل بداياتها ونهايتها بطرف الوادي يمكن التحكم فيها بالفتح والغلق، وتمتد بمحاذاة المزارع من الجهة الخلفية للمزارع سواقٍ تسمح بعبور قدر من مياه السيل الجاري، وتتيح للمزارع أن يروي مزرعته من خلال فتحات تسمى النقوب تتصل بالمزارع، مستفيدًا من الطمي والسماد الذي يحمله السيل، حتى إذا ما غمر السيل تلك المزرعة بالكامل وارتوت، سد تلك النقوب فلا تؤدي زيادة الري عن الحاجة إلى تلف المحاصيل».

الزراعة في البلدة

أشار القاضي إلى أن أهالي البلدة في القدم بنوا في مواقع مختارة سدودًا صخرية قوية البنيان، لحجز مياه السيول لأطول مدة ممكنة، وشيدت على امتداد الوادي لتستفيد منها الآبار المنتشرة في المزارع لري المزارع عند انقطاع السيل ولسقيا الأنعام.

أضاف «في الجهة الشمالية من البلدة توجد ساحة السوق الأسبوعية، وتشكّل أحد ملامح البلدة الحضرية على مستوى المناطق المجاورة، وكانت سابقًا تشهد في يوم الأربعاء توافد الباعة والتجار محملين بأًصناف البضائع، استعدادًا لموعد إقامة السوق في اليوم التالي، ومن أهم السلع أنواع الحبوب والزبيب والبن والتمور والحطب والأغنام والسمن والعسل والخضروات والفواكه والمشغولات الحرفية».