هل أصبحنا أمام ظاهرة جديدة وحالة غير مسبوقة في الانفلات الرقمي، وبث المحتوى بأي طريقة من أجل الحضور أمام أعين الجماهير، وتقديم الرخيص من القول والعمل وغرائب الأفعال والأقوال؟ وهل تحول مفهوم شباك التذاكر إلى تطبيق التذاكر والتسابق للكسب المال من هذه التطبيقات الرقمية بغض النظر عما يتم تقديمه؟

ما نشاهده اليوم في التطبيقات الرقمية هو خليط من الانفلات والانضباط في المحتوى الفكري والمعرفي والأخلاقي والترفيهي، وإن طغى الانفلات على الانضباط حتى أصبح مفهوم الخصوصية لدى البعض متلاشيا بشكل كبير، ووصل إلى تصوير البعض حياته اليومية بتفاصيلها وسكناتها، والحديث عنها بشكل دقيق.

وهذا الأمر له تفسيراته النفسية والاجتماعية التي لن أخوض فيها بشكل عميق، لاختلاف مسبباتها وتحليلاتها، ولكن ما يهمني في هذا الأمر هو كيفية تحويل الانفلات إلى الانضباط، وأقصد بالانضباط هو أن يكون المحتوى الرقمي ذا قيمة عالية للمجتمع، وذا جانب معرفي في جميع مجالاته السياسية والاقتصادية والترفيهية والاجتماعية والثقافية، وألا يكون مبتذلا وسطحياً، وأن يعكس المستوى الذي نحن عليه الآن.

وجود الانفلات الرقمي ومحتواه ليس انعكاسا لما هو عليه المجتمع، وإنما صورة لتصرفات بعض أفراد المجتمع، وبالتالي وجب علينا أن ندعم المحتوى الرقمي الانضباطي، الذي يهدف لعكس الصورة المشرقة للأفكار والتطورات والنجاحات التي نريد أن يكون عليها المجتمع. وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها وانتشار آراء الجماهير واختلاف محتويات ما يطرح، يجعلنا نعيد النظر في المفهوم القديم لدور وسائل الإعلام، حيث كانت تتهم بالتلاعب بالعقول وإن كان جزءا من هذه العبارة فيه نوع من الصحة، إلا أن الوقت الراهن لوسائل الإعلام ووسائل التواص الاجتماعي، والانفلات، أصبح جزءا من مهامه وأهدافه سواء بقصد أو بغير قصد، هو أشغال العقول وإلهائها بمواضيع بعيدة عن أولويات المجتمع، وتعتبر من الكماليات والتسكع الفكري التي لا طائل منها، والصور غير العاكسه للمجتمع بشكل دقيق، كذلك ما يطرح من قضايا سطحية ينقسم الناس وهم يتناقشون حولها وهي عبارة عن حديث مجالس ليس إلا.

أن المحتوى الرقمي الهادف هو الذي لا بد أن ندعمه بشكل قوي وموسع، هو الذي يهدف لتغذية العقول وتعليمها، وعدم تجهيلها أو السيطرة عليها أو بيعها الوهم. إحدى الاستراتيجيات التي لا بد من العمل عليها، زيادة تدفق المعلومات الجيدة والمحفزة من قبل المؤسسات الريادية، واستخدام الأشخاص النشطين والمؤثرين في الحديث عنها وانتشارها. كذلك زيادة الحديث عن الإنجازات، وعن الشخصيات التي لها تاريخ، ودور فاعل في المجتمع، وعرض قصص النجاح، وأخذ دفة وقيادة المحتوى، وليس السير معه، فقطرة من مادة غير جيدة وسيئة، لا تستطيع أن تؤثر في نهر جيد، ولا تستطيع أن تغير لونه أو طعمه وهذه من ضمن الاستراتيجيات والخطوات التي يجب علينا اتباعها، وهي عملية الإغراق بكل ما هو هادف ومفيد، وتضييق الخناق على ما هو عكس ذلك من خلال تنوع طريقة العرض، وتغيير أساليب إيصال الرسالة والوسيلة، باختلاف الجماهير المستلمة، فالأساليب التقليدية تجعل الجماهير تنسحب وتتحول إلى المضامين التي تخرج من محتويات الانفلات الرقمي غير المسؤول وغير الهادف. وأخيرا وهو المهم، الشركات التي تدعم الانفلات الرقمي من خلال التركيز على التسويق عن طريقهم، لا بد أن تغير من استراتيجياتها، وتتجه إلى أصحاب المحتوى المنضبط والمسؤول، لأنها بطريقتها سوف تسيء لسمعتها على المدى الطويل.

.