هل بات العقل والفكر الخليجي له مسار بعيد عن العقل العربي، أو هو جزء منه في تكوينه ولكن طرق معالجته للأمور تختلف؟، في حديثنا هذا لا بد أن نستعرض ما كتبه المفكر المغربي محمد الجابري، الذي تناول بإسهاب وبشكل عميق مكونات الفكر العربي في أطروحاته، وارتباطها المباشر بالتطورات التاريخية وتأثيرها فيه.

الجابري رصد التفاعل بين الفكر والبيئة للعقل العربي، ومنتجات هذا الفكر في الحقب الزمنية المختلفة، لكني سأستشهد ببعض ما ذكره حول العقل العربي، فقد استشهد بما قاله الجاحظ الذي ساق ملاحظته حول أن العقل العربي قائم على «القوامة والبداهة والارتجال»، وهو يرمي في ذلك إلى سرعة الفهم، وعدم التردد في إصدار الأحكام، أيضا من الملاحظات التي تناولها الجابري، تداخل الأزمة الثقافية في فكر المثقف العربي أو العقلية العربية، على الصعيدين المعرفي والأيديولوجي، فعلى الصعيد المعرفي ما زال المثقف العربي كما كان منذ العصر الأموي يستهلك معارف قديمة على أنها جديدة، سواء كان مصدرها عربيًا خالصًا، أو كانت من الدخيل الوافد.

أما الصراع الأيديولوجي، فإن هذا المثقف كان منذ العصر الأموي وما يزال يعيش في وعيه صراع الماضي متداخلا مع أنواع الصراعات الأخرى التي يشهدها الحاضر، هذا ما تحدث به الجابري في محاولة لفهم العقلية العربية، وحيث أني أسوق هذا الأمر لمحاولة فهم العقلية الخليجية التي تعتبر جزءًا من هذا المكون العربي، ولكن قد تختلف المدخلات والبيئة، وخاصة في وقتنا الحاضر، فالعقل العربي ما زال يعيش الصراع والتناقضات التي ذكرها الجابري في تشخيصه، وهذا ما يجعلنا نرى نتائج ذلك في الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعيشها بلدانهم، من خلال نتائج تلك الأفكار التي تطرح والمناقشات والاتجاهات من خلال الأزمة المعرفية والأيديولوجية.

وعلى عكس ذلك نجد العقل الخليجي العربي، التقط ما ذكره الجابري في أطروحاته في سبيل للتطور، إيمانًا منه بأن هذا هو المسار الصحيح، وهو أن العقل الخليجي عقل تقدمي ومطور ومتحولً من أمة تراثية تتحدث عن ماضيها باعتزاز، إلى أمة لها تراث، وأن هذا التراث بمثابة المحرك والملهم لها، وبمعنى آخر ألا يكون التراث عبئًا على حركة الأمة وتطورها ومحبطًا لها.

وهذا ما قام به العقل الخليجي العربي في إعادة تركيب المفاهيم الحديثة، وتوطين المعرفة بل المسابقة إلى صناعة الابتكارات والمخترعات على جميع الأصعدة، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، العقلية الخليجية العربية كانت تحاول أن تكون جزءًا من العقلية العربية في تطورها وإنتاجها المعرفي، وأوكلت جزءًا من مهام هذا التفكير لكثير من العقول العربية، التي للأسف أضحت تناقش التاريخ والجغرافيا والسياسة بنوع من الحقد والكراهية، وتبحث عن المتناقضات وتختزل التطور في الصراعات ضد الحكومات، بدلاً من المساهمة في تنميتها وتطويرها.

العقل الخليجي العربي أدرك أن مثل هذا الأمر ليست له فائدة أو نتيجة تطورية، من أجل ذلك لجأ إلى أخذ زمام الأمور، فاعتمد على نفسه وعلى مصالحه في بناء العقلية الخليجية العربية، التي تنظر لمصالح شعبها والعالم، كما حاول العقل الخليجي العربي -وقد يكون هذا المفهوم مستفزًا للبعض- استيعاب بعض العقول العربية في بيئته وغيرت بوصلته من عقليه تجتر الماضي وتجلد الذات وتنبذ ثقافة الكراهية، إلى عقلية مساهمة في التطور، وهذا ما حدث لكثير من العقليات العربية عندما أيقنت أن أسمى أهداف العقل الخليجي العربي، هو الاستقرار والتطور والسلام ورفاهية المواطن، وأن يستمر في صناعة الإنسان العالمي بعيدًا عن التشرذم.