الموضوعية من غير شخصنة أو انحياز أو ميل لفكر أو ذوق أو محسوبيات من أهم مقومات النقد البناء، وكذلك التأدب ومراعاة الذوق الذي يبتعد تمامًا عن القسوة والفحش في القول أو الهجوم الشرس على العمل أو من قام به يعتبر أيضًا من أبجديات النقد، ولكن الهجوم والانتقاص وشخصنة المواضيع، كلها أمور تصب في مستنقع النقد الهادم الذي يشوه ما كان من الممكن أن يكون جميلًا.. أو أنه يميت ما كان من الممكن أن ينصلح خلله ليعود كأحسن ما يكون.
ما سمعناه وقرأناه ورأيناه قبل أيام من نقد سلبي وهادم تجاه فنان يصعد بخطى سريعة نحو هدفه، نقد غير مقبول أبدًا.. لأنه تحول من الموضوعية إلى التحيز البغيض الذي صاحبه تجريح لا يليق بالفن ولا أهله.. ولا يليق لا بجمهور فنان العرب ولا جمهور عايض الذين يستحقون كل احترام..
شخصيا.. لست ممن يميل كثيرًا إلى طرب هذه الأيام.. أنا من متذوقي الطرب العتيق، ومن أشد المعجبين بأبي نورة.. الفنان الذي أعتقد أنه فعلًا كما قال هو في أحد لقاءاته، يملك مساحته الفنية الخاصة التي من الصعب أن يشاركه فيها أحد أو حتى يقترب منها.. وهذه ثقة بالنفس بعيدة كل البعد عن الغرور، هو اعتزاز بالذات يحسب له لأنه مبني على ثقة بقدراته وخبرته ومشواره الطويل في الفن.
الزوبعة التي حدثت في فنجان منصات الاعلام الجديد هي مثال حي للرفض والانتقاص السلبي لأسباب مختلفة لا يمكن أن تندرج أبدًا تحت تصنيف النقد..!
ولكن تبقى هناك أصوات عقل وحكمة، واحتواء، وبناء تعلو فوق كل أصوات الصخب والهجوم المزعج لتعيد توجيه النقد إلى مساره الصحيح الذي خرج عنه، وهذا ما رأيناه من شاعر الكلمات ذات الروح الحية، سمو الأمير عبدالرحمن بن مساعد، الذي وهبه الله ضدين من الصعب أن يجتمعا.. عذوبة الكلمة التي تتنفس رقة.. وصرامة في كلمة حق يقولها بقوة. هذا الأمير الشاعر العذب بتغريدة منه أشاد فيها بأداء فنان صاعد على سلالم الأمل بمستقبل عبر عن تقديره للكبار بطريقة لطيفة، ولكنه قوبل بعاصفة من هجوم عنيف
وكذلك احتواء فناننا العريق أبو نورة لموهبة فنية بدأت تظهر بقوة على ساحة الفن السعودي.. من خلال إشادته به وأدائه لأغنية من أغنياته، إشادة تحاول أن توقف من تجاوز حدوده خلف خطوط النقد الحمراء..
وهذه هي أخلاق الكبار.. سواء كان في النقد أو الدعم أو أي أمر يحتاج إلى الحكمة والأخلاق في الطرح.
قبل زمن الإعلام المفتوح كانت هناك رقابة على المحتوى المطروح.. لذلك كانت تجاوزات ضوابط النقد مهما كان قاسيًا لا تتجاوز حدود الأخلاق، ولكننا أصبحنا في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، والكل أصبح يرى نفسه مؤهلا للنقد والتحليل وطرح الرأي جارحًا الغير بدون أسس يبني عليها نقده، ليتحول النقد إلى تنمر بشع ومصيبة تخرج بنا عن هدف التطوير والبناء إلى التجريح والهدم.