لأنها مستحدثة، تجد الجهات الطبية والصحية العالمية نفسها مترددة في إطلاق الأحكام النهائية حول السجائر الإلكترونية، أو ما تصنفه الهيئة العامة للغذاء والدواء لدينا تحت خانة «النظم الإلكترونية للتدخين»، فما يقال عن التدخين التقليدي يمكن أن يقال ببساطة عن التدخين الجديد، إلا أن الجهات العلمية التي أمضت عقودًا في تقصي أضرار التبغ المعروف ورصد آثاره ومن ثم التحذير المستمر تعتقد بأنها تحتاج المزيد من الوقت لإتمام الدراسات والمسوحات الكافية لتحديد أشكال الأضرار والمخاطر الحقيقية للمنتج الجديد.

وفي الأثناء، ستبدو الرسائل القادمة من الجهات الصحية الدولية متناقضة في بعض الأحيان، ومربكة في أحيان أخرى، لجهة انشغالها بالمقارنة بين الإلكتروني والعادي من التدخين، وتمريرها لرسائل غير حاسمة، قد تدفع البعض للاعتقاد بأن السجائر الإلكترونية هي السبيل السليم للاقتراب الآمن من عالم التبغ!، أو لعل وسائل الاعلام التي تنشغل بتلخيص تلك الرسائل تمارس لونًا من التضليل باقتطاع الإشارة إلى كون الإلكترونية أقل ضررًا من العادية، بما يوحي بأن لا ضرر حقيقي وجاد فيها!.

وبرغبة وضع التجارة في هذه المنتجات تحت الرقابة، عمدت الكثير من الدول إلى ترخيص بيعها ومراقبتها، ولم تكن بلادنا استثناء في ذلك، حيث جرى الإقرار والسماح ببيعها في عام 2020 رسميًا، أي بعد خمس سنوات من حظر بيعها، ما سمح بانتشارها ورواج استخدامها، بين مختلف الأعمار، وفي ضمنهم الصغار من المراهقين الذين لا نملك أرقامًا ولا دراسات عن حصتهم في هذه السوق الجديدة حتى الآن. ستكون سلامة منتجات التبغ وتنظيم عملية بيعها هو الهاجس الأول لوزارة التجارة وهيئة الدواء والغذاء والبلديات، بينما ستبقى وزارة الصحة و وزارة التعليم متحيرة ومترددة في طرق مواجهة هذه الموجة الجديدة من التحديات الصحية والسلوكية.

أشكال وألوان ونكهات متعددة باتت تعرفها السوق، وهي كفيلة بجذب الصغار قبل الكبار لهذه السجائر الجديدة، إذ أصبحت الآن متاحة عبر محلات أنيقة، تتوسط الشوارع التجاربة في المدن. وجود لوحة تمنع من هم دون 18 سنة من الدخول لا تكفي لضمان عدم دخول أولئك الصغار لهذه التجربة، والافتتان بإكسسوارات الرجولة المتوهمة، أولياء الأمور ومسؤولو المدارس يعرفون تمامًا هذه الحقيقة، وهم يراقبون انتشارها السريع بين الأبناء والطلاب، من الذكور والإناث. لا نعلم مرة أخرى حجم وطبيعة الانتشار، لا نشعر بوجود من هو مشغول بتقصي هذه الظاهرة ودراستها حتى، بينما لا تبخل وسائل الإعلام عن تمرير التقارير الأجنبية حولها، لا ندري مثلاً إن كان لدينا 1 من أصل 7 من طلاب الثانوية يمارسون تدخين السجائر الإلكترونية كما في الولايات المتحدة بحسب دراسة نشرت في شهر أكتوبر من هذا العام، أو إن كان %20 بالمئات من الفتيات في سن الخامسة عشرة هن من مدمني هذه السجائر كما في بريطانيا، أو إن كان %30 من المراهقين دون سن السابعة عشرة قد جربوا تدخينها كما في دراسة استرالية.

نحن بالمختصر دخلنا موجة «الفيبنة»، من التعبير Viping، إن صح التعبير دفعة واحدة دون أن نتحضر لها جيدًا، ولا أن نراقب حدود انتشارها وطبيعة مستخدميها، ومن دون رصد الإحصائيات التي يمكن أن تهبنا فهما أفضل لألوان الإدمان الجديدة، والتي تصفها بعض التقارير الأمريكية بالوباء، لسرعة وشدة انتشارها بين مختلف الفئات والأعمار. لقد عبرت من أمامنا بكثير من الهدوء وكأنها من متممات صور الرفاه وجودة الحياة، أو كأن الجدال حسم حولها بإعلان السلطات التربوية والصحية ومعها الأسر المتحيرة عن رفع الراية البيضاء في وجه السموم المستجدة.

ثمة حاجة ماسة لمبادرات حقيقية تذكرنا بالواجبات الأخلاقية تجاه حماية المجتمع، وفي مقدمتهم الصغار، من هذه المغامرات الصحية، والتي تجر وراءها الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية، تذكرنا بالتكلفة الحقيقية للممارسات الصحية الخاطئة، حتى لا يأتي اليوم الذي نقف فيه على فاتورة صحية باهضة الثمن، والسبب غياب الجهود وتضافرها في التوعية من مخاطر هذه المنتجات، وقبلها التحذير من تبعاتها الوخيمة، فكل ما نخشاه أن نصل إلى اللحظة التي نحصي فيها الناجين من هذه الموجة ونجد أنهم أصبحوا قلة!.