في أحد شوارع تلك الدولة النامية، كاد أحد سائقي التوك توك أن يصدم بباص سياحي فنهره سائق الباص مستغربًا تهوره ودخوله الطريق المزدحم بالشاحنات والباصات دونما اعتبار لحياته، فرد الشاب المتهور بمعنى أن ذلك الباص السياحي مليئ بأناس حياتهم لها قيمة وأما عن نفسه فلا قيمة له قائلا إن الحيوانات الضالة في الشارع لها قيمة أكثر منه أكرمه الله وأعزه عما ادعى.

فلنكن تجريديين ورأس ماليين ولا نفكر إلا في القيمة المالية لهذا المشهد، فإن كان الباص قد امتطاه عدد من دول مختلفة لكل دولة منها أصولها وقيمتها المادية العالية، ولها بنوكها المركزية والفدرالية للنقد، والباص أنتجته شركة لها قرابة مئة عام وهي تصنع من رأس مالها قوة ألماسية قاهرة لكل القوى المنافسة، أما هذا الكوبري الذي أوشك الحادث أن يقع عليه، فقد بناه جيش لا يقهر، كلف آلاف الأطنان من الأسمنت والحديد والمواد المستوردة وغير المستوردة، وبالعودة لبعض مرتادي الباص السياحي فقد يكون من ضمنهم أحد كبار أطباء العالم، وقد يكون أشرف على حالة طريح فراش ملياردير، لا يتنفس ولا يتعرق ولا تظهر عليه أي علامات الحياة إلا إن كانت الأجهزة الطبية من حوله تهدر هديرًا، فلك تخيل حجم الإنفاق المالي اليومي على ذلك الطريح كي يبقى فقط طريحًا على وجه الأرض وليس بباطنها، لك أن تتخيل إن جمعت التكاليف السنوية على ما يستورد من كريمات ومرطبات للبشرة ومخفضات لتقرحات الجلد وأدوية طبية ومعوضات للمعادن في الجسم وتكاليف تحاليل يومية وغيرها قد تتخطى التكلفة اليومية 10 آلاف دولار أمريكي لهذا الطريح، فالسؤال هنا لماذا لم يحتج سائق التوك توك لـ10 دولارات على الأكثر ليعوض نقصًا في صحته، والسؤال بطريقة أوضح، إن أخذنا كل طاقات وموارد كل من ظهر في ذلك المشهد بما فيها الدول التي قدموا منها، فهل لهم أن يعيدوا لذلك الملياردير نفسًا واحدًا طبيعيًا على الأقل، أو هل لتلك الدول بعظمة قدرها أن تجتمع في تحالف واحد لتعيد الحياة للخلية التي تسبب موتها في الموت السريري لذلك الملياردير، أو هل لهم القدرة على أخذ الخلية الحية من جسد ذلك السائق المتهور الواصف نفسه بأنه أرخص من الحيوانات الضالة وزراعتها في جسد ذلك الملياردير، إن كانت هذه الخلية السليمة للبيع فكم ستكون قيمتها، فهل عرفت شعرة من قيمتك يا سائق التوك التوك.

ما أريد قوله إنه لو قبل أن يذهب الشاب أو الفتاة ليلقي بجسده للتهلكة إما بالتهور أو بالإدمان أو ممارسة أي نوع من الاتجار بذلك الجسد فإن علم عن القيمة المالية فقط لمصدر خلية في جسده ومدى انعدام قدرة العالم بأسره على خلقها، لعلم أنه أغلى من كل شيء على وجه الأرض، فإن استرخصت جسدك فانظر لخلية منه جعلتك متحركًا وغيرك طريح الفراش وتخيل (كم قيمة هذه الخلية؟!).