يهدد موقف متصاعد في كوسوفو بإشعال حرب جديدة في قلب أوروبا، التي تأخذ الوضع بجدية، وفق معلقين ألمان وأوروبيين، وذلك بعد حرب روسيا وأوكرانيا التي انعكست أوضاعها سلبيا على العالم أجمع.

وقد اضطرت قوات حفظ سلام تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) للتدخل من أجل الفصل بين صرب كوسوفو ومسلميها، لتحيي ذكريات مؤلمة لبلد مُقسم عرقيا وسياسيا.

اندلعت، في 29 مايو الماضي، احتجاجات عنيفة في بلدة زفيتشان شمال كوسوفو، وأصيب نحو 50 شخصا من المحتجين و30 من قوات الأمن، مما أجبر «الناتو» على زيادة قواته بنحو 700 جندي إضافي، لدعم قواته هناك، التي كانت تضم 4.000 جندي.

انتخابات تُشعل الشرارة

خلال أبريل الماضي أجريت انتخابات قادت الموقف للتصعيد، حيث قاطعها صرب كوسوفو بالكامل، مما نسف شرعيتها، ولم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 3.5%، لكن الإشكالية أن هذه المقاطعة الواسعة منحت الفوز في 4 بلديات ذات غالبية صربية إلى مرشحين من العرقية الألبانية، مما يهدد بإشعال الموقف، وتفجيره في كل لحظة.

وتم تنصيب رؤساء البلديات الجدد وسط أجواء مشحونة أثارت حفيظة صرب كوسوفو، وأثارت أمريكا وحلفاءها الغربيين، على الرغم من قانونيتها الشكلية، وإن لم تعبر عن واقع مقاطعة الصرب لها.

منذ ذلك الحين، يتظاهر الصرب، ويطالبون بإبعاد رؤساء البلديات عن مناطقهم. مهمة إطفاء

أمام خشية انزلاق الأوضاع إلى نزاع مسلح، بادر المستشار الألماني، أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الدعوة لتنظيم انتخابات جديدة في البلديات المتنازع عليها بشمال كوسوفو، وطالبا رئيسة كوسوفو، فيوزا عثماني، بتنظيم اقتراع ينزع فتيل الأزمة.

كما ضغطت برلين وباريس على بلغراد بدعوة الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، للتأكد من مشاركة صرب كوسوفو في الانتخابات حال إعادتها.

وأثمرت جهود برلين وباريس، حيث أجرى زعيما صربيا وكوسوفو محادثات وجيزة، بحضور شولتس وماكرون ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في مولدوفا.

وأكدت عثماني، عقب الاجتماع، أن بلادها بوسعها تنظيم انتخابات جديدة.

زيت على النار

خلاف الجهود الغربية لنزع فتيل الأزمة، أصر رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، على بقاء الشرطة في الأجزاء الشمالية من البلاد، على الرغم الرفض والاحتجاجات التي تلاقيها من قِبل السكان الصرب، وهو ما وصف بأنه «تحد واضح» لدعوات حليفه الأمريكي بهذا الصدد.

وقبلها تجاهل كورتي دعوات حلفائه الغربيين لإلغاء الانتخابات المحلية، التي تسببت في اندلاع الأزمة، مما جعله يبدو كمن يسكب الزيت على النار.

ونقلت وكالة «بلومبرج»، في نهاية مايو، عنه قوله في مؤتمر «جلوبسيك» للأمن الدولي في عاصمة سلوفاكيا (براتيسلافا): «ما دامت هناك هذه المجموعة العنيفة بالخارج مستعدة للهجوم يجب أن تكون لدينا وحداتنا الخاصة في مباني البلدية».

واشنطن دعت أيضا صربيا لسحب قواتها، بعد أن وضعها الرئيس الصربي في حالة تأهب، والذي تتجه أصابع النقد أيضا له، بينما يتعرض لضغوط داخلية شديدة، فمنذ بداية مايو الماضي والمعارضة الصربية تنظم احتجاجات تحت شعار «صربيا ضد العنف»، في أكبر مظاهرات مناهضة لـ«فوتشيتش» منذ وصوله إلى السلطة قبل أكثر من عقد من الزمان، غير أن أنصاره يرون أن سبب التوتر في كوسوفو يعود لهدف الإطاحة به، لأنهم يعرفون أنه لن يعترف أبدًا باستقلال كوسوفو. جمر تحت الرماد

يشكّل صرب كوسوفو أقلية في عموم البلاد، وغالبية في 4 بلدات فقط، وهم لا يعترفون أصلا بسيادة بريشتينا، ولا يخفون ولاءهم لبلغراد، وهذا أشبه بجمر تحت الرماد يُغذي الأزمة، ويُفسر مقاطعتهم الانتخابات الأخيرة.

كما أن صربيا، وبدعم من حلفائها الروس والصينيين، ترفض الاعتراف باستقلال كوسوفو الذي أُعلن في 2008 بعد 10 سنوات من حرب دامية بين القوات الصربية والألبان، والتي اندلعت بطابع عرقي في إقليم يقطنه 1.8 مليون نسمة غالبيتهم من الألبان المسلمين، وانتهت بقصف لـ«الناتو».

أما الأقلية الصربية في كوسوفو فلا يتجاوز عددها 120 ألف نسمة، ومتمركزة في شمال البلاد.

وينص اتفاق يعود لـ2013 على تكوين اتحاد من 10 بلديات بأغلبية صربية، غير أن بريشتينا تخشى أن تتحوّل تلك البلديات إلى «طابور خامس» يخضع بالكامل إلى سلطة بلغراد.

تخوف من غياب التماسك

ذكرت صحيفة «باديشه تسايتونغ» الألمانية أن «تصاعد العنف في كوسوفو يكشف عن افتقار أوروبا وأمريكا إلى إستراتيجية متماسكة في منطقة البلقان».

من جهتها، سارعت موسكو إلى تأكيد دعمها السكان الصرب في كوسوفو، داعية إلى ضرورة حماية مصالحهم وحقوقهم القانونية، حيث تجمع علاقات ثقافية ودينية وثيقة روسيا بالصرب، الذين ينتمون أيضا للقومية السلافية، ودينيا يتبعون أيضا الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا.

وقد ألقت موسكو باللوم على كوسوفو والدول الغربية، وحملّتها مسؤولية تصعيد حدة التوتر في منطقة البلقان.

خلاف عميق

لا يمكن اختزال الخلاف بين الكوسوفيين الصرب والألبان في رئاسة بعض البلديات، وإنما الأمر أعمق من ذلك، فهو تعبير عن صراع مُعلق دون حل بين صربيا وكوسوفو، تلعب فيه شبكات نفوذ القوى الكبرى دورا مهما، فلا يزال الاتحاد الأوروبي، والقوى الغربية عموما، مترددة في تعاملها مع جمر الصراع في كوسوفو، ثم هناك روسيا التي تسعى لتأمين مناطق نفوذها في المنطقة، مما قد يدفعها لتوظيف الاضطرابات في أوروبا لمصلحة أجندتها.

تحامل غربي

لم تتردد واشنطن وحلفاؤها الغربيون عن تحميل كوسوفو المسؤولية المباشرة في تأزيم الوضع مع الصرب، معتبرين استعمال القوة وفرض تنصيب رؤساء البلديات بالمناطق ذات الغالبية الصربية في كوسوفو «تحديا»، فتولد إجماع على أن ألبان كوسوفو مسؤولون عن تقويض الجهود الدولية لبناء علاقات، متدهورة أصلا، بين أطراف النزاع في كوسوفو.

أمريكا استاءت من حكومة ألبين كورتي، وعدّت أنه تسبب في «تصعيد التوتر بشكل حاد وغير مبرر» بإصراره على تعيين رؤساء بلديات ألبان في المناطق الصربية.

محرضون على الجانبين

اتهم مراقبون محرضين على جانبي الصراع، وأكدوا أنهم أججوا اضطرابات كوسوفو.

وعلى الرغم من أن كوسوفو وصربيا تعملان على الانضمام إلى الاتحاد القاري، فإنه قد لا يسمح لأي منهما بذلك ما دام ترفضان تطبيع علاقاتهما بطريقة «حضارية».

أسباب الصراع

خلافات قومية بين الألبان والصرب

انتخابات بلدية في 4 بلديات شمال كوسوفو

الصرب يقاطعون الانتخابات، ويحتجون على تولي الألبان رئاسة البلديات احتجاجات صربية في بلدات غالبيتها صربية