سأقول لك نظرية قالها لي أحد الزملاء -لقبه «سفير السلام»-، يقول فيها: «إننا فئران تجارب في قصص الآخرين»، طبعًا هو لم يقلها بهذا التشبيه القاسي، التشبيه يخصني والفكرة تخصه، باختصار هو يقول إن جميع الكائنات الحية وأيضًا الجمادات قد تم استخدامها ولو مرة واحدة لمجرد التجربة، أي إننا جميعًا كنا فأر تجربة في رواية أحدهم، فلماذا نعظم تجاربنا السيئة وتصبح حجر عثرة؟
هذا الصديق كان متحفظًا على حدتي بالطرح، وكمهتم لسلامتي النفسية وأيضا صورتي الاجتماعية؛ يقول إن الحدة لا تناسبك الآن!، وفي المقابل لم أستوعب أنا كيف وصل هو لهذا السلام الذي ينادي به، حاول نقاشي بعدة زوايا ليقودني للقناعة دون إجبار، ولكن كيف لشخص يشعر بصراع داخلي على مستوى معين؛ سيفهم لغة ومنطق شخص يسرح بالنظر لوردة في طور النمو باستمتاع ودهشة!!. لن أخفيكم أني أتهمه باتخاذه مناهج غير قانونية للوصول لهذا السلام الذي يعيشه وأنه غير منطقي، والحمدلله أنه كان هادئُا مقابل هجومي، إلا أنه كان صبورًا بالشرح حتى قال «إننا جميعًا فئران تجارب في رواية أحدهم.. وهذا لا يعيبنا».. طبعًا هنا أكرر: هو قال الفكرة بكلمات وتشبيهات ألطف، تشبيهي القاسي هنا لاختصار المساحة في الشرح، فلماذا يجب أن نقبل هذه الفكرة ونؤمن بها؟
أعتقد أن هذه الفكرة يحتاجها كل شخص يعاني من اضطرابات، لأن أساس نسبة كبيرة من الاضطرابات -وليس جميعها- هو النرجسية العالية، وهذه الحقيقة يجب أن تكون أول درس نفسي علاجي لأي مراجع، لأن قدومه لعيادة نفسية في المقام الأول كونه يعاني من «صدمة» غالبًا، والصدمة هي حدوث أمر سلبي مقابل توقع نرجسي عالي الاستحقاق.
ويأتي مصطلح الخذلان، ثم الشعور بالغبن وهلم جرا.. تابع قصص أبطال دور الضحية، كلها تدور حول بشاعة الفعل غير المتوقع باعتقاد كبير نرجسي عالي الاستحقاق في مقابل ذلك، مشكلاتنا هي المسافة الفاصلة بين قناعاتنا والواقع، كلما نقصت المسافة؛ زاد نضجك النفسي.
قد يكون قرار إنجابك أصلا هو فضول لتجربة تربية طفل!، وقد يكون قرار اهتمام أهلك بك أو عدم الاهتمام هو مجرد تجربة معاكسة لتجربة أخرى رفضوها أو شعروا بالفضول في تطبيقها!، قد تكون خطوة الزواج تجربة لطرف فشل بالحب سابقًا!. هل رأيت الآن الأبعاد؟، إذا استوعبت هذه الحقيقة وقبلتها؛ ستدارك نسبة كبيرة جدًا من الاضطرابات النفسية.
أخيرًا.. لعل هذه القناعة تزيل لعنة فأرٍ كان يعتقد أنه محارب، وتحيةً كبيرة لكل فأرٍ لم تكن له مآرب.