بينما تسعى عدد من البلدان إلى الوصول للمرحلة الصفرية لانتقال «الإيدز»، متبعة إجراءات عدة، من بينها إجهاض الحوامل المصابات، تبذل المملكة جهودا كبيرة للوصول إلى هذه المرحلة وفق جملة من الخطط والبرامج المستقبلية التي تراعي في الوقت نفسه الضوابط الشرعية.

وقد حققت بعض الدول هدف المرحلة الصفرية مثل تايلاند التي بدأت منذ سنوات في خفض معدل انتقال فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) من الأمهات إلى أطفالهم حسب وزارة الصحة العامة التايلاندية، وهي تزعم أنها تعد من بين أنجح الدول في هذا المجال على الرغم من أنها تضم عددا كبيرا من المصابين والمصابات بـ«الإيدز».

وفي الخليج، حققت البحرين وعمان هدف الوصول إلى المرحلة الصفرية، بينما ما زالت السعودية تبذل جهودا كبيرة ومهمة في إطار السعي نحو هذا الهدف، لكن احتمالية انتقال المرض من النساء الحوامل إلى الأجنة في بطونهن ما زالت واردة، وتثير الخوف والقلق الشديدين، وتضع علامات الاستفهام أمام عدم تلافي هذا الأمر.

ولا يشترط أن يكون مولود كل مصابة بالإيدز مصابا بالضرورة، فهناك مؤشرات صحية إيجابية أكدها أخصائيو أمراض العدوى في المملكة، وأشارت إلى إمكانية ولادة أطفال أصحاء لأمهات مصابات بالمرض، مشترطين من أجل ذلك تطبيق الاحترازات والإجراءات اللازمة كاملة، سواء في فترة ما قبل الحمل أو بعده، وصولا إلى فترة الولادة وما بعدها، وما بعد فترة الرضاعة أيضا.

جهل وعدم التزام

يؤكد الواقع الصحي في المملكة أنه على الرغم من كل حملات التوعية ضد «الإيدز»، التي حرصت وزارة الصحة على تنفيذها، ما زالت المستشفيات ترصد عددا من المواليد الذين انتقل إليهم المرض إما في فترة الحمل، نظرا لعدم التزام وجهل الأمهات بالإجراءات والفحوص، أو نتيجة قلة المتابعة، أو من خلال خضوع بعض حالات الأمهات لعمليات جراحية مثل عمليات الولادة القيصرية وغيرها التي تتسبب في نقل العدوى، أو بسبب جهل الأم بأهمية تجنب الإرضاع الذي يعد عاملا خطيرا من عوامل الإصابة.

لهذا، كان من المهم اتخاذ خطوات وقائية عاجلة، للحد من إصابة المواليد، ومن هنا كان القرار السامي بضرورة الاحتراز والفحص الوقائي.

المادة السادسة

ذكر أستاذ طب وجراحة أمراض النساء والولادة والعقم عميد كلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، البروفيسور حسن صالح جمال، أن «المرسوم الملكي عن نظام الوقاية من متلازمة العوز المناعي المكتسب (الإيدز)، وحقوق المصابين وواجباتهم، صدر في 3 يناير 2018، ويضم مجموعة من المواد النظامية الخاصة بصحة الأم والجنين من مرض الإيدز، حيث تنص المادة السادسة من نظام الوقاية من متلازمة «الإيدز» على ضرورة تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمرأة الحامل المصابة وجنينها، ولا يجوز إجبارها على الإجهاض أو حرمانها من حضانة أطفالها أو رعايتهم بسبب إصابتها».

كما تشدد المادة السادسة على أهمية «التزام كل الجهات الصحية بإدراج فحص النساء الحوامل للفيروس خلال أول زيارة في أثناء الحمل، ويحدد الطبيب المعالج عدد مرات الفحص، بما فيها الفحص عند الولادة والعلاج حسب الإجراءات المتبعة لاكتشاف الإصابة في أثناء الحمل، وتوفير العلاج».

كما يحق للمرأة الحامل المصابة بالمرض حسب المادة نفسها «الحصول على الخدمات العلاجية والوقائية اللازمة لها ولجنينها، وعلى الجهات الصحية إجراء فحص الإصابة بعدوى «الإيدز» عند الولادة للحالات التي لم يسبق لها الفحص خلال الحمل الحالي، مع توفير العلاج الوقائي للمرأة ووليدها في غرف الولادة».

العمليات النسائية

بيّن الدكتور جمال أن الأطباء في المملكة لديهم الوعي حول أهمية إجراء فحص «الإيدز» سواء على مستوى السيدات الحوامل، وعند الولادة، أو قبل إجراء العمليات النسائية الجراحية.

وقال: «هذا الاهتمام نابع من باب الحرص والتأكد من عدم وجود الإصابة، نظرا لتأثير المرض على الأجنّة، بخلاف تأثيره على الأطباء أنفسهم، ونقله العدوى إليهم».

وأكمل: «يحرص الأطباء على إجراء الفحص في الزيارات الأولى داخل عيادات الحمل، وهو إجراء روتيني، ولكن بعض الحالات ترفض إجراء هذا الفحص، أو تكون قد سبق لها إجراؤه قبل الحمل في أثناء إجراء العمليات ذات العلاقة، ومنها على سبيل المثال عمليات أطفال الأنابيب أو الحقن المخبري، وهو إجراء إجباري يتم قبل القيام في مثل هذه العمليات».

وأكد الدكتور جمال أنه «يتم إجراء الفحوص اللازمة لجميع الحوامل في الزيارات الأولى من الحمل. وعلى القياس نفسه، يجب إبلاغ الأم بأخذ العينات للفحص، وهو ما يعد إجراءً روتينيا لحالات الأمهات المشتبه بإصابتهن».

الصفر مطلبا

تطرق الدكتور جمال إلى جهود الدولة للوصول إلى «صفرية» انتقال المرض من الأمهات إلى أبنائهن، حيث بيّن: «هناك جهود جبارة تبذلها وزارة الصحة والمنظمات الوقائية بشأن الحد من انتشار مرض الإيدز، وعلى الرغم من ذلك يصعب تحديد وقت معين للوصول إلى صفرية حالات الإصابة بالمرض لدى الأطفال المولودين».

وأضاف: «سنصل إلى المستوى الصفري عندما تكون هناك متابعة دورية، وتشخيص دقيق قبل وبعد الحمل، مع اختيار الأدوية المناسبة وطريقة الولادة».

توصيات مهمة

ركز الدكتور جمال على أنه في حال كانت الأم مصابة، فإن هناك احترازات عدة أوصت بها الوزارة، منعا لانتقال العدوى من الأم إلى مولودها، ومنها ضرورة مراجعة استشاري الأمراض المعدية الذي يعمل على توفير العلاج الأنسب والأكثر أمانا للأم والجنين معا، ورصد كمية الفيروس في الدم، ومتابعة مستواه، للتأكد من عمل الأدوية بكفاءة عالية، مع المتابعة الدقيقة من استشاري النساء والولادة، لاختيار الطريقة المناسبة للولادة بحسب الحاجة إن كانت لعملية قيصرية أم لا، والاهتمام باختبار واختيار الأدوية التي تقلل بنسبة كبيرة خطر إصابة الطفل.

وأضاف: «كما ننبه الأم إلى تجنب إرضاع الصغير، خوفا من انتقال الفيروس له».

وتابع: «كما توجد إجراءات احترازية عدة أخرى تحد من انتقال العدوى للآخرين بشكل عام، ومنها إجراء الفحص، للتأكد من خلو الشخص من هذا الفيروس. وعندما يتبين إصابته بالمرض، يتم تحويله إلى استشاري الأمراض المعدية، ويخضع لبروتوكولات العلاج التي تقلل وتمنع ظهور الأعراض الجانبية، وحتى المضاعفات، سواء للأم المصابة أو حتى انتقال الفيروس للجنين، بالإضافة إلى العاملين في الحقل الطبي خلال علاج المريض، خاصة في الحالات الجراحية».

وعي الأطباء

بدورها، تتفق استشارية الأمراض المعدية فاطمة البراهيم مع البروفيسور حسن جمال من ناحية وعي الأطباء بأهمية إجراء الفحوص اللازمة، لضمان خلو الحوامل من فيروس الإيدز.

وقالت: «ليس هناك نقص في الوعي لدى الأطباء، خصوصًا أنه يوجد بروتوكول لمتابعة الحوامل، ومن ضمنه إجراء فحوص الفيروسات التي تشمل فيروس «نقص المناعة المكتسبة» بعد اعتماد القرار الرسمي لذلك».

وأشارت إلى أنه «يتم اتخاذ إجراءات ضد الأطباء الذين لا يجرون فحص فيروس نقص المناعة المكتسبة للحوامل، حيث تتم إحالتهم إلى لجنة المخالفات الصحية، لاتخاذ اللازم بحقهم».

كما لفتت إلى أنه «لا يلزم أخذ رأي الأهل عند إجراء فحص الإيدز للأم، بينما يجب على الطبيب إبلاغ الأم بإجراء الفحص، حيث من ضمن حقوق المرضى عامةً أن يتم إبلاغهم بجميع الفحوص التي سيتم إجراؤها من قِبل الطبيب المعالج».

شرط الوصول

شددت الدكتورة البراهيم على أنه «يمكن أن نصل للمستوى الصفري في حال التزام الأمهات الحوامل (المصابات وغير مصابات بالفيروس) بالمتابعة، حيث يتم إجراء التحليل حتى في الحالات غير المشتبه بها بالإصابة، وأخذ العلاج بانتظام للمصابات والمتابعة. كذلك نحتاج لرفع الوعي في المجتمع، والتوعية بفيروس نقص المناعه المكتسبة».

وأضافت: «حتى نمنع إصابة الجنين أو الطفل، يلزم أن تأخذ الأم المصابة دواء فيروس نقص المناعة المكتسبة بانتظام طوال فترات الحمل والوضع والولادة. كما يتم إعطاء دواء فيروس نقص المناعة المكتسبة للطفل لمدة تتراوح ما بين 4 و6 أسابيع بعد الولادة. وعليه، فمن الممكن أن يكون خطر إصابة الطفل بفيروس نقص المناعة المكتسبة 1% أو أقل. كما لا يمكن للأم المصابة بالفيروس إرضاع طفلها رضاعه طبيعية، بل يتم منع الأم المصابة من إرضاع طفلها حتى مع وجود كمية منخفضة من فيروس نقص المناعة المكتسبة في الدم الذي قد يقلل من فرص انتقال الفيروس إلى الطفل عن طريق الرضاعة الطبيعية، ولكنه لا يقلل الخطر».

وشددت استشارية الأمراض المعدية على أن نشر الوعي في المجتمع وبيان أهمية الفحص في بدايه الحمل سيكونان لهما الدور الأكبر في الوصول للمستوى الصفري.

نقص في التثقيف

على خلاف البروفيسور حسن جمال والاستشارية البراهيم، يرى استشاري الطب الباطني والأمراض المعدية والأمراض الجنسية المعدية الدكتور نزار باهبري أن هناك «نقصا كبيرا في وعي الأطباء بأهمية تثقيف وتوعية الأمهات بضرورة فحص الإيدز، بل هناك تساهل من الأطباء في هذا الجانب».

ولفت إلى أنه «في بعض الأحيان، وتحديدا في المستشفيات الخاصة، يتم رفض إجراء الفحص من قِبل بعض شركات التأمين الصحي التي لا تعطي موافقة على إجراء الفحص في الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل الولادة، علما بأن الموعد الأنسب لإجراء الفحوص وأخذ العلاج هو في الأشهر الثلاثة الأولى أو الأخيرة».

واستدرك: «أحيانا ينسى أو يغفل الطبيب عن إجراء الفحص للمرضى»، مضيفا: «من المؤسف وجود شريحة من الأمهات الحوامل اللواتي لا يجرين الفحوص والمتابعة الشهرية للحمل، ويأتين فقط وقت الولادة، وهذه الشريحة نجد منهن الأمهات ذوات الخبرة في الحمل والولادة، وبالتالي يحصل التأخير في معرفة الإصابة، وما يتبعها من علاج، ما ينعكس بدوره سلبيا على صحة الجنين».

وعن هدف المملكة للوصول إلى الحالة الصفرية في أعداد المواليد والأجنة، أفاد: «سنصلها عندما يحدث الالتزام من قِبل الأمهات والقطاع الصحي بإجراء الفحص مرتين في بداية ونهاية فترة الحمل، كما هي الحال مع عمان والبحرين وتايلاند، حيث أعلنت هذه الدول وصولها لـ«صفر» من الحالات في المواليد، وهو ما نطمح له في المملكة، ويحفزنا لبذل جهود أكبر للوصول للمستهدف».

كما بيّن أنه «لا يلزم أخذ رأي الأهل في إجراء الفحص، فقط يفترض إخبار المريضة دون الحاجة لأخذ إقرار أو موافقة خطية بذلك».

وعن العلاج، نصح: «تناول الدواء 3 أشهر قبل الولادة يمنع انتقال العدوى للجنين، بينما يفضل عدم إرضاع الطفل حتى لو وصل الفيروس إلى مستوى منخفض لدى الأم»، مكررا «نحن نشدد على عدم الرضاعة للأمهات». كما شدد على «أهمية زيادة الوعي لدى الأطباء تحديدا بإلزامية إجراء الفحوص واتخاذ الإجراءات اللازمة للحوامل، لنصل لمستوى صفر من حالات إيدز المواليد».

الإيدز في المملكة 2022

(حسب برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس الإيدز في السعودية)

%90 تغطية البالغين والأطفال الذين يتلقون العلاج المضاد للفيروسات القهقرية في المملكة

85 طفلا بين 0 و14 عاما يتلقون العلاج المضاد للفيروسات القهقرية

1300 معدل البالغين والأطفال المصابين حديثا بالفيروس

0.04 مصاب بالإيدز بين كل 1000 نسمة (جميع الأعمار)

200 بالغ وطفل وأقل توفوا بسبب الإيدز

28.7 مليون شخص حصلوا على العلاج المضاد للفيروسات العكوسة في 2021

1.5 مليون شخص أصيبوا بالإيدز في 2021

650 ألف شخص توفوا بسبب أمراض مرتبطة بالإيدز

%32 انخفاض المصابين بالإيدز منذ 2010

%52 الانخفاض بين المصابين الأطفال

%68 انخفاض الوفيات المرتبطة بالإيدز منذ الذروة في 2004

%63 النساء من الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية في 2021

%80 من النساء يحصلن على العلاج

%70 فقط من الرجال حصلوا على العلاج