وأعلن ترمب فرض رسوم جمركية جديدة واسعة النطاق على السلع المستوردة من دول العالم.
وقال: «الرسوم الجمركية الأساسية، البالغة 10 %، والمفروضة على جميع دول العالم، بالإضافة إلى نسب أعلى لبعض الدول، ستعزز الاقتصاد الأمريكي وتحمي الوظائف».
وحذر عدد من الاقتصاديين من أن رسوم ترمب الجمركية قد تؤدي إلى حرب تجارية عالمية، وأن التكاليف المتزايدة ستنعكس على المستهلكين الأمريكيين، مما سيرفع الأسعار ويهدد بحدوث ركود اقتصادي.
والرسوم أو التعريفات الجمركية هي ضرائب إضافية تُفرض على السلع المستوردة من دول أخرى.
وفي أقل من أسبوع، تبخر أكثر من 3.2 تريليون دولار من القيمة السوقية للأسواق العالمية وسط تراجع جماعي في مؤشرات الأسواق الكبرى، مثل شنجهاي وناسداك وداكس، وانخفاض أسعار النفط، وارتفاع تكاليف الشحن 18%.
كما تضررت قطاعات حساسة، مثل التجارة الإلكترونية وصناعة السيارات، التي شهدت هبوطًا في المبيعات والإنتاج، وتراجعًا في أسهم كبرى الشركات بما يصل إلى 17%.
وفي الوقت الذي يسوّق فيه ترمب قراراته كحائط حماية للاقتصاد الأمريكي المحلي، تكشف الأرقام أن تأثير صدى تلك القرارات كان عالميًا وعنيفا.
خسائر تريليونية
يُعد قرار فرض الرسوم الجمركية من أهم الإجراءات التي اتخذها الرئيس ترمب لتعزيز ميزة الاقتصاد الأمريكي ضد المنافسين، إلا أن تداعياته تجاوزت الحدود الأمريكية الوطنية، لتخلف ضربة قوية للأسواق العالمية. فبحسب تقديرات مؤسسات مالية عدة، تجاوز إجمالي انخفاض القيمة السوقية للأسواق العالمية نحو 3.2 تريليون دولار، وهذا الرقم لم يكن مجرد تغير مؤقت، بل انعكست تداعياته على ثقافة الاستثمار والثقة في اقتصادات الدول المتأثرة.
انخفاض المؤشرات
تأثيرات قرارات ترمب امتدت إلى كل القارات. ففي آسيا وأوروبا، شهد مؤشر شنجهاي الصيني انخفاضًا بـ7.1% خلال أسبوعين، إلى جانب تراجع مؤشر نيكاي الياباني 5.3%.
كما لم تكن الأسواق الأوروبية بمعزل عن الأزمة، حيث انخفض مؤشر داكس الألماني 4.2%، وكاك الفرنسي بنحو 3.7%.
أما الأسواق الأمريكية، وعلى الرغم من أن هدف القرارات المعلنة في البداية كان حماية الاقتصاد الأمريكي، فإن مؤشرات مثل «ستاندرد آند بورز 500» و«ناسداك» تعرضت لانخفاضات بلغت 4.5% و6.2% على التوالي؛ مما أبرز المخاطر التي تنطوي على سياسة الحمائية الجمركية.
هذه التحركات الكبيرة أدت إلى حالة من عدم الثبات في الأسواق، إذ أدرك المستثمرون أن تأثير قرارات ترمب ليس معزولا عن باقي الاقتصادات العالمية، بل يتعداها إلى اعتماديات الإنتاج والتمويل بين الدول.
تأثر أسواق البترول والطاقة
لم يقتصر أثر القرار على سوق السلع الاستهلاكية فقط، بل امتد تأثيره إلى قطاع الطاقة الحيوي الذي يعد العمود الفقري للاقتصادات العالمية، حيث شهد خام برنت انخفاضا من نحو 87 دولارًا للبرميل إلى 74 دولارًا في أقل من شهر، بينما انخفض خام غرب تكساس إلى حدود 70 دولارًا للبرميل.
ويمثل هذا التراجع تأثيراً مباشراً للقلق المتزايد من تباطؤ النشاط الصناعي نتيجة الاضطرابات التجارية وقرارات ترمب الجمركية.
كما انخفض الطلب العالمي على الطاقة 1.8%، وهو مؤشّر على تباطؤ صناعي وانتكاسة في استثمارات البنية التحتية للطاقة.
تراجع أسهم عمالقة الطاقة
تراجعت أسهم عمالقة شركات الطاقة مثل ExxonMobil وBP بين 8 و12%، حيث أصبحت توقعات الأرباح بعيدة عن التفاؤل السابق، بينما شهدت شركات الطاقة المتجددة انخفاضا في الاستثمارات بنحو 15%.
ويرى متعاملون في أسواق الطاقة أن هذه المعطيات تشير إلى أن قرارات ترمب كانت لها تأثيرات عميقة في قطاع الطاقة، مما تسبب في حالة من عدم الاستقرار، وتراجع الثقة بشأن الاستدامة الاقتصادية المستندة إلى مصادر الطاقة التقليدية.
ضغط على «الإلكترونية»
لم تخلُ التجارة الإلكترونية من تداعيات سياسة الرسوم الجمركية، إذ كان لهذا القطاع الذي شهد نموا سريعا تأثير مزدوجا، إذ انخفضت المبيعات الدولية عبر منصات التجارة الإلكترونية الكبرى، مثل Amazon وAliExpress، بنسبة وصلت إلى 9.6%، مما أثر بشكل ملحوظ على النمو الذي شهدته هذه السوق خلال السنوات الأخيرة.
كما أدى القرار إلى هبوط أسعار أسهم الشركات الرقمية، خاصة شركة Amazon، التي شهدت انخفاضًا بنحو 6.8% خلال فترة 4 أسابيع، مما أثار مخاوف المستثمرين على المدى الطويل.
ارتفاع تكاليف الشحن
ارتفعت تكاليف الشحن واللوجستيات، حيث انطلقت الأسعار بزيادة قدرها نحو 18%، مما أثّر على هوامش الربح لدى تجار التجزئة الإلكترونيين.
كما أدى هذا الارتفاع إلى ضغوط إضافية على الأسواق الناشئة التي تعتمد بشدة على التجارة الإلكترونية في تنمية قطاعاتها الاقتصادية.
هذه التحديات تعكس صعوبة موازنة النمو السريع مع التكاليف الإضافية الناجمة عن السياسات الحمائية، الأمر الذي قد يعيق الابتكار والتوسع في الأسواق الرقمية.
زيادة في أسعار السيارات
تأثر قطاع السيارات بدوره، مقدما مثالا حيويًا على تأثر الصناعات العالمية بسياسات الرسوم الجمركية نظرًا لاعتماده الكبير على سلاسل توريد متعددة الجنسيات، وتراجع المبيعات والإنتاج.
ويقدر انخفاض المبيعات العالمية لقطاع السيارات بنحو 11.4% في ظل اضطرابات متلاحقة أثرت على سلاسل الإنتاج والتوزيع.
كما قلصت شركات كبرى، مثل Tesla وFord وToyota، إنتاجها بنسب تراوحت بين 10 و15%.
ونتيجة زيادة الرسوم الجمركية على المكونات المستوردة لصناعة السيارات، ارتفعت تكلفة تلك المكونات بنسبة تجاوزت 22%، مما أسفر عن زيادة في أسعار السيارات تصل إلى 8.7% في الأسواق الأمريكية والأوروبية.
كما أدت القرارات إلى هبوط قيمة أسهم شركات السيارات، حيث فقدت أسهم هذه الشركات بين 10 و17% من قيمتها السوقية، مما يعكس مخاوف المستثمرين من استمرار تلك السياسات، وتأثيرها على ربحية الشركات على المدى الطويل.
كما أن الاعتماد على سلاسل توريد عالمية يجعل صناعة السيارات عرضةً لتقلبات خارجية. وتشكل هذه المؤشرات دليلاً قاطعًا على أن السياسات الحمائية قد تعيد تشكيل معالم صناعة السيارات بشكل جذري.
مفترق طرق
في حين هدفت قرارات ترمب المتعلقة بفرض الرسوم الجمركية إلى حماية الصناعات الوطنية، وحماية سوق العمل الأمريكي، فإن تداعياتها أدت إلى إضعاف الثقة في الأسواق العالمية، حيث أصبحت القرارات ذات الطبيعة الحمائية عاملًا مثبطًا للاستثمار والتجارة الدولية.
كما أدى القرار إلى تعقيد سلاسل التوريد، مما أثر على أداء الصناعات التي تعتمد على التكامل العالمي، مثل السيارات والإلكترونيات والطاقة.
في المقابل، سلطت تلك التداعيات الضوء على أهمية الحوار الدولي، إذ أصبح من الضروري إعادة التفاوض حول اتفاقيات التجارة الحرة، وتخفيف السياسات الحمائية، لضمان استقرار السوق العالمية.
تأثيرات سلبية
في الوقت الذي ظن فيه كثيرون أن تلك القرارات ستنعكس إيجابيا على أمريكا، فإن الولايات المتحدة نفسها عانت تداعيات مفاجئة، حيث لم يستبعد المستثمرون إمكان حدوث تأثيرات سلبية على الاقتصاد المحلي من خلال ارتفاع تكاليف الإنتاج وتأثر سلاسل التوريد، وهو ما دفع السلطات المالية إلى إعادة تقييم السياسات النقدية، لمواجهة تحديات النمو المستقبلي.
سيناريوهات مستقبلية
يتوقع مراقبون اقتصاديون سيناريوهات مستقبلية تتباين بين تفاؤل حذر وتوقع مزيد من التصعيد في النزاعات التجارية، وذلك وفق التالي:
1ـ السيناريو الأول:
استمرار النزاعات التجارية، مما قد يؤدي مع التصعيد في سياسات الرسوم الجمركية إلى استمرار حالة عدم الاستقرار الاقتصادي مع تداعيات خطيرة على الاستثمار العالمي، وتراجع الطلب على السلع الدولية.
2ـ السيناريو الثاني:
احتمال الوصول إلى تفاهمات دولية. فمع تضاعف الضغوط الاقتصادية، قد تتجه الأطراف المتنازعة نحو إعادة المفاوضات وتخفيف حدة السياسات الحمائية، مما يعيد الثقة إلى أسواق المال، ويحفز النمو العالمي.
3ـ السيناريو الثالث:
تأثيرات على السياسات المحلية، خاصة في الولايات المتحدة، فقد تُضطر السلطات إلى تعديل سياسات دعم الصناعات الوطنية، مع التركيز على تنويع مصادر الإمداد وتحديث البنية التحتية للتصدير.
في ضوء هذه السيناريوهات، يظل المستقبل الاقتصادي العالمي قضية مفتوحة تحتاج إلى استجابة متوازنة تجمع بين حماية الصناعات المحلية وتعزيز التعاون الدولي، في ظل غياب رؤية موحدة للمنافسة التجارية.
إرث قرار ترمب
أرسى قرار ترمب، المتمثل في فرض الرسوم الجمركية، أسسًا جديدة في ميدان التجارة الدولية، إذ أبرزت التجربة أن الإجراءات الوطنية ذات الطبيعة الحمائية قد تحمل تبعات عالمية لا يمكن تجاهلها. ففي ظل هذه السياسات، عانى المستثمرون خسائر تريليونية، وتعرضت أسواق الطاقة والتجارة الإلكترونية وصناعة السيارات لتقلبات حادة أعادت تعريف معالم النمو الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن الهدف من القرار كان حماية الاقتصاد الوطني، فإن البيانات والأرقام تشيران إلى أن الآثار الجانبية لهذه السياسة تجاوزت الحدود، مما يتطلب إعادة تفكير جذرية في نماذج التعاون التجاري الدولي. وفي ظل استمرار النزاعات التجارية، يبقى الحوار والتفاوض البناء هما السبيل الوحيد لاستعادة الثقة في الأسواق العالمية، وتحقيق تجنب الركود والإنكماش.
ويرى محللون اقتصاديون أن قرار ترمب يشكل حافزًا لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية العالمية، حيث تتداخل المصالح الوطنية مع العولمة التجارية، مما يستدعي إيجاد حلول مبتكرة تضمن استقرار الأسواق، وإحياء الثقة في النظام الاقتصادي الدولي.
ومن واقع هذه التجربة يتضح أن السياسات التجارية الدولية يجب أن تُبنى على أسس شمولية، تأخذ في الاعتبار التداعيات المتبادلة بين الدول، بحيث تُوازن بين حماية الصناعات الوطنية وتحفيز النمو العالمي، لتجنب الركود وتفادي فترات الانكماش الاقتصادي التي تُحجم الإمكانات الاستثمارية للمستقبل.
رسوم ترمب تزلزل الاقتصاد العالمي
ـ 3.2 تريليون دولار من قيمة الأسواق العالمية تبخرت في أسبوع
تراجع مؤشرات الأسواق الكبرى
شنجهاي: -7.1%
ناسداك: -6.2%
داكس الألماني: -4.2%
سوق الطاقة يحترق:
خام برنت: ينخفض إلى 74 دولاراً
الطلب العالمي:
-%1.8 أسهم Exxon
ـ BP:%12
تراجع التجارة الإلكترونية
Amazon: ـ 6.8%
AliExpress:
- %9.6
صناعة السيارات في أزمة
انخفاض المبيعات: -11.4%
ارتفاع أسعار السيارات: +8.7%
هبوط أسهم Tesla وToyota
%17