«حج بصحة»، التي تطلقها وزارة الصحة كل عام تزامنا مع دخول موسم الحج، لا تقتصر على كونها حملة وقائية تقدم من خلالها الخدمات الصحية الوقائية، بل هي منظومة صحية متكاملة تبدأ بوضع الاشتراطات الصحية للأفراد الذين ينوون الحج من خارج المملكة وداخلها، وتشمل أيضا تلك المعنية بالعاملين في خدمة حجاج بيت الله الحرام. وتشمل هذه الاشتراطات التطعيمات الوقائية، والتثقيف الصحي منذ الاستعداد للحج، وقبل الوصول لأراضي المملكة والمشاعر المقدسة، ثم تستمر عبر تقديم الخدمات العلاجية والوقائية في أثناء أداء المناسك، لتواكب الحجاج في كل مرحلة، وحتى مغادرتهم سالمين لأوطانهم.
وقد أسهمت هذه الحملة منذ إطلاقها في خفض معدلات الإصابة بالأمراض المعدية خلال موسم الحج إلى أدني مستوياتها، حتى في ظل التحديات الصحية العالمية كجائحة كورونا. كما أرست نموذجا ناجحا لبيئة صحية آمنة، تتسم بالإنسانية والرحمة والجودة العالية، ومتوائمة مع أهداف رؤية المملكة 2030 التي تضع سلامة الإنسان وصحته في مقدمة أولوياتها.
وتتكامل حملة «حج بصحة» مع منظومة صحية، لتقديم خدمات الرعاية الصحية المختلفة. ففي موسم حج العام الماضي كانت الرعاية الصحية تجسيدا حيا لكفاءة التنظيم والإحسان، إذ تجاوز عدد الخدمات المقدمة للحجاج 1.3 مليون خدمة مجانية، توزعت بين العيادات الخارجية والطوارئ وخدمات التنويم والعناية المركزة والأشعة والخدمات الوقائية، وأكثر من ذلك عبر شبكة طبية ضخمة ضمت 25 مستشفى و156 مركزا صحيا تعمل على مدى الساعة بأكثر من 30 ألف ممارس صحي مدعومة بأحدث الأنظمة الرقمية والتجهيزات الطبية، التي تتيح سرعة الاستجابة ودقة التشخيص والعلاج مع الأعداد الضخمة للحجاج المحتاجين للخدمات.
ومن أبهى صور الرحمة والعناية التي تجسدها وزارة الصحة خدمة قافلة الحج الصحية، التي تنفذها سنويا لتمكن الحجاج المنومين في المستشفيات من استكمال مناسكهم وفق حالتهم الصحية. ففي مشهد يجمع بين الرعاية الطبية والمساندة الدينية، يتم نقل الحجاج المنومين عبر سيارات إسعاف مجهزة بأحدث التقنيات، وبمرافقة فرق طبية متخصصة، إلى المشاعر المقدسة ليؤدوا مناسكهم، مترجما حرص المملكة على ألا يحرم أي حاج من إتمام مناسكه بسبب ظرفه الصحي.
ولا يمكن الحديث عن الخدمات الصحية المقدمة لضيوف الرحمن دون الإشارة إلى تكاملها مع منظومة خدمات الحج الأوسع، التي أصبحت اليوم نموذجا عالميا في إدارة وتنظيم الحشود، حيث حرصت المملكة على تسخير أحدث التقنيات والتطبيقات الذكية لخدمة ضيوف الرحمن بدءا من منصة «نسك» التي تسهل إجراءات التسجيل والتخطيط للحج مرورا بالبطاقة الذكية للحاج التي تختصر بياناته الشخصية والصحية، لتسهيل حصوله على الخدمات التي يحتاجها بسرعة وفاعلية.
كل هذه الجهود ليست بمعزل عن أهداف رؤية المملكة 2030 التي جعلت من خدمة الحجاج وتيسير رحلتهم إحدى أبرز أولوياتها، واضعة جودة الحياة والابتكار في تقديم الخدمات واستدامة النظم الصحية في صميم برامجها ومبادراتها. وهكذا تتكامل الجهود الصحية مع الجهود الأمنية والتنظيمية والخدمية الأخرى، لتقدم تجربة حج نموذجية.
فمع رؤية المملكة 2030 لم يعد الحج مجرد رحلة دينية روحانية، بل يتحول إلى تجربة متكاملة من العناية والرعاية والتخطيط، لتمكين الحاج من أداء مناسكه بيسر وسهولة، فكل خطوة يخطوها الحاج يجد يد تحميه، وخدمات تمكنه، ومنظومة صحية تحرص على صحته وسلامته.