بدأت محلات الشاي بالاستيلاء على حصة واسعة من السوق، منافسة بذلك وبشكل قوي للغاية المقاهي ومحلات بيع القهوة، التي عرفت بدورها -وقبل عدة سنوات- حالة انتشار واسعة، حتى باتت موجودة في كل حي، وربما كل شارع.

وشهدت سوق الشاب نموا ملحوظا في الآونة الأخيرة في السعودية، وأصبحت من أهم الظواهر التجارية التي تجذب المستهلكين والمستثمرين على حد سواء.

ولم تحد الأجواء الحارة للمملكة من الإقبال المتزايد على محلات بيع الشاي الساخن، بل ما زالت محلات بيعه تتبارى فيما بينها، في تقديم خيارات متنوعة، وتبتدع طرق تقديم مبتكرة، مثل الشاي بالنعناع والشاي بالحبق والشاي بالزنجبيل، وشاي الكرك، والشاي المغربي، وشاي ورد، وشاي الأعشاب، وغيرها من النكهات.


حضور دائم

«لشاي العصر أحباب وتزهو منه أكواب

‏ولا لـم يـثـنهـم حـر لأن الـذوق غـلاب»

أبيات شعر كثيرة مثل هذه وغيرها، تغنت بمشروب الشاي السحري، الذي يراه كثيرون نوعا من رفاهية المزاج، وتهدئة الأعصاب، وانتعاش النفس.

وتعدى موضوع الشاي حدود المذاق، والفوائد الصحية، أو المزاجية النفسية، وحتى التأثيرات الثقافية الاجتماعية، ليصبح أحد العناصر المؤثرة في المجال الاقتصادي، ليس فقط في نطاق الصادرات والواردات والبيع في الأسواق وحسب، بل حتى في مجالات الاستثمار ومشاريع محلات بيع الشاي الساخن.

منافسة جماهيرية

كما أن للقهوة جمهورها الخاص، فإن للشاي أيضاً جمهوره، ولكن اللافت في جمهور الشاي أنه يضم حتى أصحاب المزاج الصعب بشكل أكبر، مثل الشيوخ من كبار السن والنساء، فضلاً عن شمولية محبيه من مختلف الأعمار (صغار وكبار ونساء ورجال)، فيما ينقسم جمهور القهوة إلى قسمين فقط تتنازعهما القهوة العربية وعشاقها كبار السن، والقهوة الحديثة بكل تصنيفاتها، ويعشقها ويطلبها الشباب من الجنسين.

وجاء التنوع في سوق العمل والمستثمرين في مجال المقاهي ناجحاً إلى حد كبير، ويثبت ذلك الانتشار الواضح لها في مختلف المناطق، وحتى في خطوط الطرق السريعة التي تصل ما بين منطقة وأخرى، وفي عربات البيع المتجولة.

فكرة ذكية

يؤكد خبراء في مجال الأعمال أن محلات الشاي باتت منافسا شرسا أثبت مكانته في السوق، ويرى المهتم بالأسر المنتجة والمشاريع الصغيرة، المستشار في هذا النوع من الاقتصاد سالم الحليو أن «فكرة مشروع بيع الشاي تعد من الأفكار الذكية والمواكبة للتوجهات السوقية الجديدة، خاصة مع توسّع مشاريع المقاهي حالياً، واهتمام الشباب بتجارب مختلفة عن (الكوفي التقليدي)».

وعن أسباب نجاح هذه المشاريع، قال «لنرى لماذا فكرة بيع الشاي ناجحة علينا أن نرجع إلى العناصر المهمة في أي مشروع وهي التكاليف التشغيلية، وميزات المنتج التي تجعل منه خياراً مغرياً للمستثمرين الجدد وللناشئة في سوق العمل».

وفي موضوع محلات الشاي تبرز عناصر النجاح بسبب:

1. تكلفة التشغيل المنخفضة.

• الشاي أرخص بكثير من البن، سواء كخام أو كتحضير.

• لا يحتاج إلى ماكينات غالية، بل تكفي فيه أدوات بسيطة.

2. تنوّع النكهات والإبداعات في تقديمه مثل شاي الكرك، الشاي المغربي، شاي الورد، شاي الأعشاب، كما يمكن التميز بخلطات سرية أو تقديم مختلف.

وأضاف «لفت الأجواء أهم من المشروب نفسه، لذلك تجد أن الناس تشتري الجو والجلسة، ليس فقط الشاي كما أن الجلسات، إضاءة، موسيقى، ديكور.. كلها تصنع التجربة».

ولفت أيضاً إلى أن هناك «جمهورا خاص للشاي، يضم كبار السن، النساء، الشباب، على عكس القهوة التي لها جمهورها، والتي يخشاها البعض لحساسيته تجاه الكافيين».

وعلّق «برأيي الشخصي مشروع بيع الشاي فكرة ذهبية إذا تم تقديمها بروح جديدة، فالناس تريد مكاناً مريحاً، نكهة مميزة، واسما يتذكرونه، مع التأكيد على أن يضع صاحب المشروع في باله أنه لا يبيع شايا فقط، بل يبيع تجربة أيضا».

موسمي أم عام

من جهته، قال محمد الحايكي مالك عربة بيع شاي «الحمد لله لقي المشروع نجاحا جميلاً منذ افتتاحه، والآن أنا في بداية السنة الثانية، وما زال الإقبال كبيرا، وهذا النجاح كان مستغربا من بعض الأصحاب الذين لم تعجبهم الفكرة بداية، وطالبوني بالتريث في إطلاقها بحجة الصيف والحر والأجواء الرطبة في المنطقة الشرقية، حيث اعتبروا المشروع موسمياً ومناسبا فقط لفصل الشتاء».

وأضاف «على الرغم من أن المشروع مقام على عربة بيع وجلسات خارجية، إلا أن المكان بالأصحاب ومجموعات الطلعات مثل الأصحاب والأهل يصبح حميمياً أكثر، وسط نقاشات لا تنتهي أو مشاهدة مباريات، حيث وضعنا شاشة خارجية لإضفاء جو من المتعة، مع تناول أكواب الشاي وبعض من المنتجات الجانبية، مثل الكعك والمكسرات والكوكيز ومخبوزات الكروسان المتنوعة».

ميزة تنافسية

يرى الحايكي أن «أبرز ميزات المشروع هو عدم احتياجه إلى رأسمال قليل مقارنة بمحلات القهوة، إضافة إلى أن تكلفة شراء المستهلك للشاي أقل، حيث تتراوح أسعار الكوب بين 3 و10 ريالات، وقد لا يتجاوز سعر الإبريق الكامل المشروب الذي يُعد في المقاهي المتخصصة».

وعن الميزات التنافسية لمحلات الشاي، قال «تتمتع محلات الشاي بميزة تنافسية لكونها لا تقتصر فقط على تقديم المشروبات، بل إنها تقدم تجربة استهلاكية متكاملة. فهي تشبه إلى حد كبير المقاهي والمطاعم، حيث تتنوع فيها الأصناف وتُضاف منتجات مساندة ذات هوامش ربح أعلى، لتعزيز تجربة العميل وزيادة العائدات. كما أن الفكرة من وراء تنامي هذه المحلات هو استهداف فئة أكبر من المستهلكين الباحثين عن خيارات اقتصادية وأجواء مريحة».

نبتة الشاي

من جانب آخر، يُعد الشاي ثاني أكثر المشروبات استهلاكاً على مستوى العالم بعد الماء مباشرة.

وينتمي الشاي إلى نبتة الكاميليا سينينسيس، التي التفت الصانعون إلى تنويع أصنافها حسب المناطق وظروف النمو، مثل الشاي الأخضر والأسود والصيني، وهذه الأنواع تختلف في المذاق واللون والاستخدامات.

ومن أكبر الدول المنتجة للشاي، الصين، الهند، كينيا وسريلانكا، حيث تنتج حوالي 75 % من الإنتاج العالمي.

وتعد الصين أكبر منتج ومصدر للشاي في العالم، كما أنها أكبر سوق لاستهلاكه أيضًا، إذ بلغت قيمة سوق الشاي بها (بما يشمل مبيعات الاستهلاك الداخلي والخارجي المقدرة بأسعار التجزئة) 111 مليار دولار في 2024.

الأسواق السعودية

في تقرير اقتصادي نشر منتصف 2024 بلغت قيمة واردات السعودية من الشاي آخر 15 شهرا نحو 1.3 مليار ريال (347 مليون دولار) لكمية تقدر بـ53 مليون كيلو جرام من نحو 40 دولة.

واستحوذت 5 دول على 81 % من قيمة واردات السعودية من منتج الشاي، فيما تقدر الصادرات السعودية بنحو 41 مليون دولار في 2023.

وتتصدر الإمارات أكبر الموردين إلى السعودية بحصة 2 % من الواردات، تليها ثانيا سريلانكا 21 %، ثم ثالثا الأردن 13 %، ثم كينيا رابعا بـ12 %، وخامسا تأتي الهند بـ11 %.

وتحتل السعودية المرتبة الـ13 بين أكبر مستوردي الشاي في العالم، وبذلك يعد الشاي المنتج رقم 182 الأكثر استيرادا في السعودية.

وصدرت السعودية كميات من الشاي بلغت قيمتها 41 مليون ريال (10.9 ملايين دولار) في 2023، وهي تحتل المرتبة رقم 44 بين أكبر الدول المصدرة للشاي في العالم، ويعد المنتج رقم 244 الأكثر تصديرا في السعودية.

وتقدر بعض المصادر حجم تجارة الشاي في السعودية بأكثر من 638 مليون ريال، وأن حجم ما يصرفه المستهلك السعودي هو الأعلى بين المستهلكين العرب.

وكان البنك الدولي في إحصائياته لعام 2020 قد أشار إلى أن السعوديين يستهلكون 8 مليارات كوب شاي سنويا، كما احتل استهلاك الفرد للشاي في السعودية عام 2020، المرتبة الأولى عربيا بـ1.2 كيلو جرام، متجاوزا الاستهلاك للفرد عالميا بـ0.2 كيلو جرام ولكن في 2023 أصبحت المغرب الدولة العربية الأولى في استهلاك الشاي.

تاريخ الشاي

تاريخياً، يُعتبر الشاي من المشروبات ذات القدم العريق، حيث يُعتقد أن استهلاكه بدأ منذ أكثر من 5 آلاف عام في الصين، بينما ظهرت عادة احتسائه بشكلها المعروف اليوم في الهند وشمال ميانمار وجنوب غرب الصين.

أما في الثقافة الغربية، فتبنى البريطانيون حب الشاي، بدءاً من القرن الـ19، وارتبطت عادات استهلاكه في وقت خاص من اليوم، كإحدى العادات المميزة، حيث يتم تقديمه بين الثالثة والخامسة مساءً.

زراعة الشاي

تتطلب زراعة الشاي شروطاً مناخية خاصة، مثل مناخ معتدل ومظلل وتربة حمضية غنية. وتعتبر دول آسيا، خاصة الصين والهند وسريلانكا وكينيا، من أكبر المنتجين والمصدرين للشاي، حيث تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على تصديره.

أما في السعودية ونظرًا لعدم وجود مساحات واسعة لزراعة الشاي بشكل اقتصادي، تعتمد السعودية بشكل كبير على الاستيراد من أكبر منتجي الشاي في العالم، وخصوصاً من الصين والهند وسريلانكا.

الشاي ثقافيا واقتصاديا

للشاي مكانة خاصة في عدد من الثقافات، إذ يُعد رمزاً للضيافة والترحيب، ويُرتبط بعادات وتقاليد غالباً ما تكون جزءاً من الهوية الثقافية حتى أنه ارتبط بشاعرية الأدباء والمثقفين وحمل جزء من ذكرياتهم،

وله مكانته في يومياتهم، حتى أنه بات في بعضها أيقونة غزلية من ذلك قول الشاعر «و‌مثلُك لا يُـرَدُّ ولا يُـعابُ كـشاي العصر حلوٌ مُستَطابُ».

وفي أبيات لشاعر آخر قال:

أسكب من البرّاد شايًا أحمرا

‏وأضف عليه من الحلاوة سُكرا

‏داعب كؤوس الشاي في لمعانها

‏شايٌ على صافي الكؤوس تبخترا

مستقبل الشاي

في المملكة، وعلى الرغم من أن القهوة لها مكانة مميزة، إلا أن الشاي يظل مشروباً محبوباً، خاصة في المناسبات والضيافات.

ويُعد سوق الشاي في السعودية فرصة استثمارية واعدة، خاصة مع تزايد الطلب وتنوع الخيارات، حيث يشهد سوق الشاي في السعودية تصاعداً ملحوظاً يعكس توجه المستهلكين نحو خيارات اقتصادية ومتنوعة، مدعومة بانتشار محلات الشاي التي تتطور لتقديم تجارب استهلاكية متكاملة.