باتت تقنية تعديل النشاط العصبي في الدماغ باستخدام مؤثر خارجي مثل التيار الكهربائي والمغناطيسي تحظى بمساحات واسعة من الاهتمام في علاج مرضى الاكتئاب، مزاحمة بذلك العلاج عبر الجلسات الاستشارية مع الطبيب النفسي، والعلاج بالأدوية.

وعلى الرغم من أن استخدام مؤثر خارجي بات اليوم علاجًا أكثر شهرة، إلا أن كثيرين ينظرون إليه بقلق وخوف متأثرين بما عرضته بعض الأفلام والأعمال الدرامية من صورة نمطية غير دقيقة عن هذا العلاج، حيث تصوره وكأنه أداة للتعذيب أكثر منه للعلاج، وإن كانت حقيقته مغايرة لما تم الترويج له عبر تلك الأعمال الدرامية، حيث يمكن أن يكون علاجًا فعالًا وآمنًا لمرضى الاكتئاب.

تقنيات غير دوائية


يُوضح الدكتور أسعد صبر (استشاري الطب النفسي) أن المقصود بهذا العلاج هنا، هو استخدام تقنيات غير دوائية تؤثر مباشرة على نشاط الدماغ بهدف تحسين المزاج والتقليل من أعراض الاكتئاب.

ويضيف «يُستخدم هذا العلاج على نحو خاص عند مقاومة الاكتئاب للعلاج الدوائي أو عند وجود آثار جانبية شديدة للدواء».

من جانبه، يُوضح الدكتور فيصل الطويحي (استشاري الطب النفسي) أن «علاج الاكتئاب بـ«المؤثرات الخارجية» يعني طرقًا علاجية غير تقليدية نسبيًا تستخدم أدوات أو إجراءات طبية تؤثر في الدماغ من الخارج. ففي حين أن العلاج التقليدي يؤخذ عبر الفم (كالأدوية والمضادات الكيميائية) أو العلاج النفسي بالحديث مع المعالج، تأتي العلاجات بالمؤثرات الخارجية بصورة تدخل طبي مباشر: تيار كهربائي معتدل، أو مجال مغناطيسي موجه. الهدف من هذه العلاجات هو تحفيز الدماغ بشكل مختلف لتحسين وظائفه وتنظيم المواد الكيميائية فيه. وهذا العلاج يمنح فرصة علاج جديدة لمن لم تُجدِ معهم الوسائل الأخرى».

وسائل المؤثرات الخارجية

يستذكر الدكتور الطويحي موقفًا مع إحدى مريضاته، ويقول «أتتني مريضة في مقتبل العمر تُعاني اكتئابًا شديدًا أدى بها إلى العزلة التامة وانعدام الرغبة في الحياة. بعد محاولات عدة بالأدوية وجلسات العلاج النفسي التي لم تحقق أي جدوى، اقترحت على عائلتها تجربة العلاج بالصدمة الكهربائية. وقالوا برهبة واضحة «أليس هذا علاجًا قديمًا وخطيرًا؟» فأوضحت لهم كيفية العلاج وأنه ليس بالأمر الخطير».

أولا: الكيفية: (ECT)

1- تُجرى الجلسة في مستشفى تحت إشراف طبي دقيق، وتحتاج على الأقل إلى طبيب نفسي وطبيب تخدير وممرض.

2- تبدأ الجلسة بإعطاء المريض دواء تخدير.

3- ينام المريض بفعل دواء التخدير، ويعطيه طبيب التخدير مُرخيًا للعضلات، والهدف من ذلك أن تحصل نوبة الكهرباء في الدماغ فقط.

4- يُمرر الطبيب النفسي تيارًا كهربائيًا من خلال وضع قطبين على الرأس (على جانبي الرأس فوق الأذن، وأحيانًا يكون أحدهما في مقدمة الرأس).

5- تبدأ نوبةُ كهربائية في الدماغ، تستمر النوبة ما بين 15 ثانية إلى دقيقة أو أكثر بقليل. وقد تمتد النوبة إلى دقيقتين أو أكثر في حالات نادرة، وعندها يقوم طبيب التخدير بإنهائها من خلال دواء في الوريد.

6- يستيقظ المريض، وكشأن العملياتِ الجراحية، لا يتذكر أصلا أنه خضع لجلسة عِلاجية.

ثانيا: الآثار الجانبية

1- الضبابية: تزول خلال ساعة، ويعود المريض إلى حالته الطبيعية.

2- الصداع بعد العلاج: يزول من تلقاء نفسه أو بعلاج بسيط مثل (باراسيتامول).

3- مُشكلات في الذاكرة: ترجع الذكريات تلقائيا بعد اكتمال الجلسات العلاجية (6 - 12) جلسة. لكن من الممكن أن بعض المتعالجين لا يتذكرون شيئا.

بدوره، يوضح الدكتور صبر أن «أغلبية الأعراض تزول خلال أيام. ويُعد هذا العلاج من أكثر العلاجات فعالية للحالات الشديدة جدًا أو المصحوبة بأعراض ذهنية أو ميول انتحارية حادة».

لكنه يستدرك «على الرغم من تفوقه على جميع علاجات الاكتئاب الأخرى في إنهاء نوبات الاكتئاب الشديدة، إلا أن نسبة عودة الاكتئاب بعد اكتمال الجلسات عالية إذا لم تُتبع مباشرة بعلاج دوائي من طبيب نفسي خبير».

لا ضرر على الدماغ

ينفي الدكتور الطويحي أن يسبب العلاج بالصدمة أو التشنج الكهربائي ضررًا دائمًا على الدماغ، ويقول مستندًا إلى أبحاث حديثة «لم تظهر الدراسات أي دليل على تلف في خلايا الدماغ. ولا يزيد العلاج من احتمالية حدوث الصرع أو السكتات الدماغية، فهو آمن نسبيًا، ويخضع إلى ضوابط صارمة».

ويشدد على أن العلاج بالتشنج الكهربائي يبقى قرارًا من الأطباء عندما لا تُظهر العلاجات الأخرى – سواء الدوائية أو النفسية – أي استجابة واضحة، وخاصة في الحالات الشديدة التي يهدد فيها الاكتئاب حياة المريض، مثل وجود ميول انتحارية أو رفض تام للأكل والشرب.

ويضيف «نسعى إلى إنقاذ حياة من خلال التشنج الكهربائي. ومن المهم التأكيد على أن هذا العلاج لا يُستخدم إلا بعد التأكد من عدم فعالية الوسائل التقليدية، ويُعد خطوة مدروسة في ظروف تتطلب تدخلًا عاجلًا».

التحفيز المغناطيسي

إلى جانب التشنج العصبي، يستخدم التحفيز المغناطيسي الموضعي كعلاج غير جراحي، وهو آمن نسبيًا، ويعزز النشاط العصبي في الدماغ باستخدام نبضات مغناطيسية تحفز مناطق معينة من الدماغ (خاصة القشرة الجبهية اليسرى. حيث تقع منطقة في الدماغ مسؤولة عن المزاج).

وأوضح الدكتور الطويحي أنه يتم باستخدام جهاز يطلق نبضات مغناطيسية متكررة تخترق عظم الجمجمة بسهولة، وتصل إلى الخلايا العصبية، وتجعلها تطلق نشاطًا كهربائيًا معتدلًا. ويؤكد أن ما يميز التحفيز المغناطيسي أنه دقيق التأثير وقليل المضاعفات وخيار ممتاز لمن لا يريد التنويم بالمستشفى، والخضوع للتخدير الكامل.

أولا: الكيفية: (TMS)

1- تُجرى الجلسة في المستشفى تحت إشراف طبي، ويكون المعَالَج مستيقظا تماما دون أي تخدير أو أدوية (يُفضل القيام بنشاط ذهني في أثناء العلاج مثل مشاهدة فيلم أو القراءة).

2- يبدأ العلاج من خلال وضع جهاز على نقطة محددة من فروة الرأس، وعند تمرير تيار كهربائي في الجهاز يتولد مجال مغناطيسي يؤدي إلى تحفيز الأعصاب في منطقة دماغية مُستهدفة ولها علاقة بالاكتئاب.

3- يقدم العلاج على شكل جلسات يومية تمتد إلى 20 - 30 جلسة على مدار 4 - 6 أسابيع، مدتها من 20 إلى 40 دقيقة.

ثانيا: الآثار الجانبية

1- نوبة كهربائية: نادر جدا حدوثها، وإذا حدثت تحدث مرة واحدة ولا تتكرر.

2- الصداع: يمكن التقليل منه بمسكن موضعي بسيط.

3- صعوبة في سماع الأصوات المنخفضة: لأن الجهاز يصدر صوتًا عاليًا في أثناء توليد الموجات الكهرومغناطيسية، ويمكن تقليل ذلك من خلال سدادات الأذنين.

من جانبه، يشير الدكتور صبر إلى أن الآثار خفيفة جدًا مقارنة بالعلاجات الأخرى، ونادرًا ما تحدث نوبات تشنجية (أقل من 0.1 %).

وأضاف «لا يُسبب هذا العلاج فقدانًا للذاكرة أو آثارًا معرفية».

مرضى الاكتئاب الشديد

يؤكد الدكتور صبر أن «هذا العلاج يناسب مرضى الاكتئاب الشديد الذين جربوا الأدوية والجلسات النفسية دون تحسن، وأولئك الذين يواجهون أفكارًا انتحارية. دون أن يعني ذلك أن التفكير بالانتحار يعني دائمًا أن المريض يحتاج إلى العلاج بالتحفيز المغناطيسي أو التشنج الكهربائي. بل يتم تحديد ذلك بناءً على تقييم الطبيب لحالة المريض بعد تقييم شامل وفهم لحالته. في بعض الحالات، قد يكون العلاج بهذه الطريقة هو الحل الأمثل لإعادة المريض إلى حياته الطبيعية».

ويضيف «لا يناسب هذا العلاج المرضى الذين لديهم صرع غير مضبوط، أو الذين يحملون أجهزة مزروعة معدنية في الرأس».

تحسن أم تعاف كلي

يشدد الدكتور صبر في معرض التساؤل عما إن كان هناك مريض قد تعافى كليًا باستخدام التحفيز المغناطيسي (TMS)، بالتأكيد على أن «هناك حالات تحسنّت فعلًا إلى حد بعيد، حتى وصلت إلى التعافي الكامل من أعراض الاكتئاب بعد سلسلة من الجلسات، خصوصًا عند دمج التحفيز المغناطيسي مع الدعم النفسي أو التأهيلي المناسب».

وأضاف أن «الاستجابة تختلف من شخص إلى آخر».

بدوره، يؤكد الدكتور الطويحي أن «الدراسات الطبية تشير إلى أن حوالي نصف المرضى تقريبًا قد يستجيبون على نحو إيجابي لهذا العلاج، ويحقق ثلثهم تقريبًا تعافيًا تامًا أو شبه تام من نوبة الاكتئاب».

ويضيف «شاهدت مرضى يبكون تأثرًا بعد انتهاء جلسات التحفيز المغناطيسي – ليس بسبب الألم، بل من شدة الارتياح النفسي الذي شعروا به حين بدأت قبضة الاكتئاب تخفّ عن أرواحهم.. أحد المرضى علق: «كأنني وُلدتُ مجددًا».

علاج الإسكيتامين

إلى جانب العلاجين السابقين، يمكن استخدام الإسكيتامين وهو مشتق كيميائيًا من مادة الكيتامين، ويُعطى على هيئة بخاخ أنفي تحت إشراف طبي مباشر في علاج حالات الاكتئاب الشديد التي لم تستجب للأدوية التقليدية أو التي تصاحبها ميول انتحارية حادة.

والجرعة تكون على شكل عدة بخات أنفية يحددها الطبيب حسب البرتوكول العلاجي.

الجديد في هذا العلاج أنه لا يعمل فقط على تعديل كيمياء الدماغ مثل مضادات الاكتئاب المعروفة، بل يُحفّز دوائر عصبية واسعة من خلال زيادة إفراز مادة «الغلوتامات»، وهي الناقل العصبي الأكثر انتشارًا في الدماغ. لذلك، يلاحظ بعض المرضى تحسنًا في غضون ساعات أو أيام، بدلًا من الأسابيع الطويلة التي تتطلبها الأدوية التقليدية.

يصف الدكتور الطويحي التجربة بقوله «رأيت مرضى تغيّرت نظرتهم للحياة بعد جلسة أو جلستين». أحدهم قال بهدوء بعد الجلسة الثانية: «كأن حملا ثقيلا قد أُزيح عن صدري قليلا». والإسكيتامين لا يُعطى إلا في مستشفى أو عيادة متخصصة، ويُراقب المريض بعدها لمدة ساعتين على الأقل تحسبًا لأي أعراض مؤقتة مثل الشعور بالانفصال عن الواقع أو دوخة بسيطة.

ويؤكد الدكتور الطويحي أن «هذا الإجراء ليس لتخويف المريض، بل لضمان أن تمر الجلسة بأمان تام».

ويبين أنه «على الرغم من أن هذا العلاج لا يُناسب جميع المرضى، إلا أن الدراسات أثبتت أن ما بين الثلث إلى النصف قد يحققون تحسنًا واضحًا أو شبه تام باستخدامه».

ويسترسل «نحن نعيش عصرًا جديدًا يبشر بالخير لمرضى الاكتئاب المقاوم. والأهم من ذلك، أن الإسكيتامين هو أول دواء مضاد للاكتئاب منذ عقود يدخل الخدمة بآلية مختلفة تمامًا، مما يثبت أننا نتقدم في فهم هذا المرض وعلاجه وكما أخبر أحد الخبراء: الإسكيتامين لمسة أولى من مستقبل قادم في علاج الاكتئاب «مستقبل ربما يحمل لنا المزيد من العلاجات السريعة والفعالة».

وشدد على التأكيد على المرضى بألا يخجلوا من طلب المساعدة، وختم «الشفاء رحلة مشتركة».

العلاجات غير التقليدية لمرضى الاكتئاب

ـ تقنيات تعمل على تعديل النشاط العصبي في الدماغ.

ـ تؤثر مباشرة على نشاط الدماغ بهدف تحسين المزاج والتقليل من أعراض الاكتئاب.

ـ تستخدم عند مقاومة الاكتئاب للعلاج الدوائي أو عند وجود آثار جانبية شديدة للدواء.

أبرز العلاجات بالمؤثرات الخارجية

أولا: التيار الكهربائي المعتدل

1ـ تُجرى الجلسة في مستشفى تحت إشراف طبي دقيق.

2ـ تحتاج على الأقل إلى طبيب نفسي وطبيب تخدير وممرض.

3ـ يمرر تيار كهربائي من خلال وضع قطبين على الرأس.

4ـ تستمر النوبة من 15 ثانية إلى دقيقة أو أكثر بقليل، وقد تمتد أكثر في حالات نادرة.

ثانيا: التحفيز المغناطيسي

1ـ يتم باستخدام جهاز يطلق نبضات مغناطيسية متكررة تصل إلى الخلايا العصبية.

2ـ تطلق النبضات نشاطًا كهربائيًا معتدلًا.

3ـ تتم بالمستشفى تحت إشراف طبي بلا تخدير.

4ـ يوضع جهاز على نقطة محددة من فروة الرأس وعند تمرير تيار كهربائي يتولد مجال مغناطيسي يحفز الأعصاب في منطقة مُستهدفة.

ثالثا: علاج الإسكيتامين

ـ يُعطى على هيئة بخاخ أنفي تحت إشراف طبي مباشر لعلاج حالات الاكتئاب الشديد التي لم تستجب للأدوية التقليدية أو التي تصاحبها ميول انتحارية حادة.

متى يُوصى باللجوء إلى العلاجات بالمؤثرات الخارجية

ـ بقرار من الأطباء.

- عند فشل العلاجات التقليدية.

- عند الحاجة إلى تحسن سريع.

- عندما يكون المريض قد استفاد سابقا من هذه العلاجات.

- رغبة وإلحاح المريض أو عائلته.