تمتلك أرامكو في الشيبة أحد أهم حقول النفط والغاز الذي بدأ العمل فيه في عام 1989م. وتُعد الشيبة جزءًا من صحراء الربع الخالي التي تُغطي ما يقرب من ثلث مساحة الجزيرة العربية، وتفوق مساحتها كامل مساحة فرنسا وبلجيكا وهولندا. وتصل درجات الحرارة فيها خلال أشهر الصيف إلى 50 درجة مئوية.
افتتحت محمية الشيبة في عام 2016م وأنشئت في البدء على مساحة تُقدّر بـ637 كيلومترًا مربعًا بعد مراجعة أرامكو لأوضاع جميع المناطق الخاضعة لإدارتها، وفي عام 2023 تم توسيع المحمية لتبلغ مساحتها الإجمالية 1386 كيلومترًا مربعًا. ووقع الاختيار على الموقع الحالي نظرًا لوجود أفضل المناظر الطبيعية، والموائل وأنواع الحيوانات المرتبطة بالمنظومة البيئية المتكاملة للربع الخالي.
ويمثل تحديد ورعاية محميات التنوّع الحيوي، بما في ذلك محمية الشيبة، ركيزة أساس ضمن إستراتيجية أرامكو وطموحها لإحداث أثر إيجابي ملموس في مجال رعاية التنوّع الحيوي، وتوفير الحماية للمنظومة البيئية القيمة والموائل والأنواع النادرة في أنحاء المملكة. وقد حددت الشركة حتى الآن 28 منطقة لحماية التنوّع الحيوي في أنحاء المملكة، تُعد ملاذًا لأكثر من 730 من الأنواع، 16 منها مستوطنة أو شبه مستوطنة.
إعادة تقييم الأنواع النادرة
تجسّد عملية إعادة توطين الأنواع النادرة في المنطقة مثل: المها العربي، والغزلان الرملية (الأكثر عرضة للخطر)، والنعام ذو الرقبة الحمراء أحد الأهداف الرئيسة للمحمية، ويتجلى ذلك بنحو أوضح من خلال جهود الشركة لحماية المها العربي من الانقراض. فمنذ ستينيات القرن الماضي، نَبّه علماء البيئة إلى أن هذا الحيوان على شفا الانقراض في المناطق البرية. ونجحت بعثة دولية للمحافظة على البيئة في عام 1962م في استعادة ثلاثة من المها في جنوب الجزيرة العربية تمّ نقلها إلى حديقة حيوانات فينيكس في ولاية أريزونا الأمريكية. وبحلول عام 1964م، أضاف متبرعون ستة من حيوانات المها وصلت إلى حديقة الحيوان، مُكونةً بذلك قطيعًا عالميًا.
وبفضل الجهود الإدارية، بدأ في ثمانينات القرن الماضي تنفيذ برنامج لإعادة توطين أنواع الحيوانات في موائلها الأصلية. وأسهم ذلك في أن تضم محمية الشيبة اليوم أكثر من 390 من المها، وأكثر من 75 من صغارها وُلِدوا خلال عامي 2024- 2025م، ولا تزال المها العربي تتكاثر وتزدهر حياتها في المحمية.
بالنسبة للغزلان الرملية، فرغم أنها ليست على وشك الانقراض مثلما هو الحال بالنسبة للمها العربي، إلا أن أرامكو أدركت الحاجة إلى حمايتها بعد أن تناقصت أعدادها في ستينات وسبعينات القرن الماضي بفعل الصيد الجائر وهجمات مستخدمي مركبات الدفع الرباعي الذين يطاردونها داخل مناطق صحراوية لم يكن من السهل الوصول إليها في السابق. ورغم ذلك، استطاعت الشركة الآن حماية 250 من الغزلان الرملية في المحمية.
ازدياد تكاثر النعام ذي الرقبة الحمراء
يعيش النعام ذو الرقبة الحمراء -وهو الأكثر شبهًا بالنعام العربي الذي انقرض منذ أكثر من نصف قرن- في شمال إفريقيا في موائل مشابهة لتلك الموجودة في الشيبة، وقد أُعيد توطين النعام ذي الرقبة الحمراء بالفعل في محميتين في المملكة، وهما محازة الصيد، وعروق بني معارض. ويوجد حاليًا أكثر من 60 من النعام ذي الرقبة الحمراء في محمية الحياة الفطرية في الشيبة.
في الأول من سبتمبر عام 2024، واصلت أرامكو برنامجها لإعادة توطين النعام أحمر الرقبة في الربع الخالي، بإطلاق زوج بالغ من النعام للانضمام إلى الإناث الثلاث اليافعات التي أُطلقت عام 2023. استقرت النعامتان بسرعة في المحمية وعشّشتا في الكثبان الرملية، ووضعتا 17 بيضة. وفي 19 يناير عام 2025، فقست تسعة فراخ، لتكون أول نعامة تفقس في براري محمية الشيبة للحياة البرية. وفي أبريل عام 2025، فقس زوج ثانٍ من النعام المعاد توطينه ثمانية فراخ بنجاح في البرية. وتُركت فراخ النعام تحت حماية والديها لتتكيف مع الحياة في الربع الخالي. ومع اقتراب نهاية أشهر الصيف الحارة، نجا 11 فرخًا من العناصر والحيوانات المفترسة داخل المحمية، واستقلت بحياتها عن والديها.
التخطيط والإعداد
تُعد عملية إعادة توطين نوع من الحيوانات في منطقة معينة عملية معقدة وتتطلب الكثير من التخطيط والإعداد. فقبل إعادة التوطين يتعين التأكد من أن الحيوان لم يَعُد مُهددًا بالانقراض، وقد نجحت أرامكو السعودية في وقف أي تهديد قد يمثله الصيادون على المحمية عن طريق إنشاء منطقة محمية ومُسيّجة ونشر الدوريات الأمنية بشكل منتظم.
وبعد ذلك، من الضروري توفير ما يكفي من النباتات الطبيعية لمساعدة الحيوانات على البقاء، والتأكد من أن الموائل مناسبة للتكيّف مع ظروف بقائها وتكاثرها، مع وجود عدد كافٍ من القطيع يسهم في تحقيق التنوّع الحيوي. وفي المراحل الأولى، تقوم أرامكو بفحص الحيوانات للتأكد من خلوها من الطفيليات وأي مشكلات صحية أخرى. أما المرحلة التالية، وهي مرحلة التأقلم، فيتم خلالها توفير الطعام وماء الشرب والظل والدعم الإضافي لضمان تكيّف الحيوانات مع البيئة وإعطائها الفرصة المثلى للتكاثر. ثم تُطلق الحيوانات في المحمية، ولكن دون أن يتوقف الدعم بشكل كامل، إذ تحرص الشركة على توفير نظام غذائي مكمّل للمحافظة على صحتها. ويتوقف ذلك على إظهار الحيوانات سلوكًا طبيعيًا في سدّ احتياجاتها اليومية من الغذاء.
التغلب على التحديات البيئية
من المؤكد أن العمل في إدارة محمية الحياة الفطرية في الشيبة، في ظل وجود درجات حرارة مرتفعة وتضاريس صعبة، يشكل تحديًا هائلًا. وتصف وكالة (ناسا) الربع الخالي بأنه أكبر بحر من الرمال في العالم إذ يحتوي على ما يقرب من نصف كمية الرمال التي توجد في الصحراء الكبرى بأكملها. ويمكن للعواصف الرملية أن تدفن السياج المحيط بالمحمية، ومن الصعب للغاية التنقل في أرجاء المنطقة حتى باستخدام مركبات الدفع الرباعي نظرًا لوجود كثبان رملية يبلغ ارتفاعها مئات الأمتار.
يتم الاعتماد على منشأة الإنتاج التابعة لأرامكو السعودية في المنطقة وما توفره من بنية تحتية لإدارة المحمية، كما يستخدم فريق عمل الشركة في محمية الحياة الفطرية في الشيبة العديد من التقنيات، تشمل أجهزة التتبع بنظام تحديد المواقع العالمي التي تم نشرها لأول مرة نهاية 2023 ليتمكّن من متابعة تحركات الحيوانات. وعلى سبيل المثال لاحظ حراس الشركة من خلال المراقبة البصرية، أن أول ثلاث نعامات أُطلقت، قطعت مسافات تُقدّر بحوالي 100 كيلومتر. وكانت التوقعات أن تبقى النعامات سويًا، لكنها تفرقت وأصبحت تجوب معظم المنطقة المحيطة. وعندما تجتمع مجموعات كبيرة من الحيوانات في مناطق معينة، يدل ذلك على أن تلك المناطق تتمتع بوفرة الغطاء النباتي.
ورغم أنه من المستبعد أن يُرى بنحو معتاد خلال قيادة المركبات داخل الصحراء حيوانات ليلية، مثل القط الرملي، والأرنب البري العربي، إلا أن كاميرات المراقبة تساعد في تسجيل تحركاتها، وهو ما يعطي صورة أكثر وضوحًا لتوزيع أنواع الحيوانات داخل المحمية. كما تساعد الطائرات المسيرة في مراقبة الحياة الفطرية ووضع خريطة تحدد مناطق الغطاء النباتي التي يصعب الوصول إليها سيرًا على الأقدام.
وعلى الرغم من تلك التحديات، إلا أن إعادة توطين تلك الحيوانات في الصحراء أمر مهم بيئيًا وثقافيًا، حيث إنها تؤدي وظائف أساسية في المنظومة البيئية، وتشكل جزءًا من تاريخ المنطقة. ولذا، فمن المهم جدًا وجودها وحمايتها.
الحياة تعود إلى قلب الربع الخالي:
محمية الشيبة:
الموقع: صحراء الربع الخالي – شرق المملكة
المساحة: بدأت بـ 637 كم² عام 2016، وتوسعت إلى 1386 كم² في 2023
الجهة المنشئة: أرامكو السعودية
الهدف: استعادة التنوع الحيوي في بيئة من أكثر البيئات قسوة على الأرض
التنوع الحيوي في المحمية
إجمالي المناطق المحمية لأرامكو: 28 منطقة
إجمالي الأنواع المحمية: أكثر من 730 نوعًا
الأنواع المستوطنة أو شبه المستوطنة: 16 نوعًا
إعادة توطين الأنواع النادرة
المها العربي
مهدد بالانقراض منذ الستينات
تمت إعادة توطين 390 رأسًا
75 مولودًا جديدًا خلال عامي 2024–2025
يتكاثر بنجاح في بيئة الربع الخالي
الغزال الرملي
250 غزالًا حاليًا في المحمية
تمت حمايته من الصيد الجائر بعد تناقص أعداده في السبعينات
النعام أحمر الرقبة
أُعيد توطينه عام 2023
إجمالي العدد الحالي: أكثر من 60 نعامة
في عام 2025: فقست 17 بيضة، نجا منها 11 فرخًا
أول نعامة فقست في الربع الخالي منذ أكثر من نصف قرن
مراحل إعادة التوطين
دراسة الأنواع والتأكد من قابليتها للتأقلم
إنشاء منطقة محمية مسوّرة ومنع الصيد الجائر
تهيئة الموائل بالنباتات والمياه والظل
فحص الحيوانات صحيًا قبل الإطلاق
مرحلة التأقلم والمراقبة
توفير تغذية مكمّلة إلى حين استقرار القطيع
التكنولوجيا والتحديات
درجات الحرارة: تصل إلى 50° C
تضاريس وعواصف رملية تصعّب التنقل والمراقبة
أدوات المراقبة الحديثة:
أجهزة تتبع GPS
طائرات مسيّرة لمراقبة الغطاء النباتي
كاميرات مراقبة ليلية لرصد الأنواع الخجولة مثل القط الرملي والأرنب العربي
الأثر البيئي والثقافي
إحياء الأنواع المحلية المهددة
تعزيز التوازن البيئي الطبيعي
ربط الإنسان بإرثه الطبيعي والثقافي
نموذج سعودي عالمي في الاستدامة البيئية في بيئة نفطية