وبينما يرى البعض في هذه الممارسات عودةً للطب الشعبي الموروث، يحذر مختصون من الانسياق خلف الادعاءات غير المبنية على أسس علمية.
طلب مرتفع
في جولة ميدانية لـ«الوطن» على بعض محال العطارة في جدة أوضح بائع في محل عطارة أن هناك ارتفاعًا في الطلب على بخور «اللبان الذكر»، منذ بداية انتشار الإنفلونزا، حيث يستخدم بخور اللبان في المنازل لما يُعتقد أنه يطهر الهواء ويخفف أعراض الزكام والسعال.
ويقول محمد أمين، وهو عطار في حي الصفا «منذ بداية موسم البرد ارتفعت مبيعات اللبان الذكر بنسبة كبيرة، خصوصًا من العائلات التي تبحث عن بدائل طبيعية والتي تفضل الأعشاب على الأدوية الكيميائية، وتقتنع أن رائحة اللبان تطرد الميكروبات وتنظف الصدر».
ويعرض بعض الباعة خلطات عشبية متنوعة تحتوي على الزنجبيل، واليانسون، والقرنفل، والنعناع البري، مؤكدين لزبائنهم أنها تقضي على الفيروسات وتقوّي المناعة دون أن يقوم ذلك على أي أساس علمي.
التعامل الحذر
من جانبهم، يوضح مختصون في المجال الصحي أن استخدام الأعشاب ليس أمرًا مرفوضًا، لكنهم يصرون على أن التعامل معه يجب أن يتم بحذر.
وتؤكد أخصائية طب الأسرة فاطمة الحربي، أن «اللبان الذكر يحتوي على بعض المركبات المفيدة للجهاز التنفسي، مثل مضادات الأكسدة، إلا أنه لا توجد دراسات علمية موثوقة تثبت أنه قادر على القضاء على فيروس الإنفلونزا أو الوقاية منه».
وتضيف «الاعتماد على البخور أو الأعشاب كبديل عن التطعيم أو الأدوية قد يعرّض الإنسان إلى مضاعفات، خصوصًا الفئات الحساسة مثل الأطفال وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة». كما تشير إلى أن «استنشاق الأبخرة الناتجة عن حرق اللبان الذكر قد يسبب تهيجًا في الجهاز التنفسي لدى المصابين بالربو أو التحسس الصدري».
مخاطر صحية
يحذر استشاري أمراض الصدر والجهاز التنفسي الدكتور محمد خليفة من مخاطر استنشاق الدخان الناجم عن حرق الأعشاب، ويقول «من الناحية العلمية، بخور اللبان الذكر لا يمكن اعتباره علاجًا للإنفلونزا، لأن الفيروس المسبب للمرض يحتاج إلى تعامل دوائي محدد أو لقاح وقائي، وليس إلى بخور أو أعشاب».
ويضيف «بعض المواد المتطايرة الناتجة عن حرق اللبان قد تحتوي على مركبات عطرية تُشعر المريض بالراحة مؤقتًا، لكنها لا تؤثر في الفيروس نفسه».
ويتابع «استنشاق الدخان الناتج عن حرق الأعشاب أو البخور قد يحمل مخاطر صحية، خصوصًا لمرضى الربو والحساسية الصدرية، إذ يسبب تهيّج الشعب الهوائية ويزيد من السعال وضيق التنفس».
كما حذر من استخدام تلك الوسائل في الأماكن المغلقة، لأن تراكم الأبخرة قد يفاقم الأعراض بدلاً من تخفيفها.
وأكد أن «الوقاية الأفضل من الإنفلونزا تتمثل في أخذ اللقاح السنوي، والمحافظة على النظافة الشخصية، وتجنب الاختلاط أثناء فترات الذروة، إضافة إلى شرب السوائل الدافئة والراحة الكافية لدعم الجهاز المناعي».
ضعف الوعي
يرى الباحث الاجتماعي فهد الدعليج أن تزايد الإقبال على العلاجات العشبية يعكس ضعف الوعي الصحي لدى بعض الأفراد، وتأثرهم بما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي من وصفات يقال إنها «مجربة» دون مصدر موثوق. وقال «يميل الناس إلى تجربة أي علاج شعبي يروّج له أحد المشاهير أو حسابات الطب البديل، خاصة عندما يكون متوفرًا بثمن بسيط ويبدو طبيعيًا وآمنًا».
ادعاءات تسويقية
في مقابل توسع ظاهرة العلاج بالأعشاب، دعت الجهات الصحية المواطنين إلى أخذ الحيطة وعدم الانسياق خلف الادعاءات التسويقية، مؤكدة أن الوقاية من الإنفلونزا تبدأ من التطعيم الموسمي، واتباع العادات الصحية مثل غسل اليدين والتهوية الجيدة وتجنب الأماكن المزدحمة عند الشعور بالأعراض.
من جانبها، أوضحت أخصائية أمراض الصدر والتنفس، الدكتورة فريدة عبداللطيف أن «استبدال الأدوية الموصوفة بالأعشاب الطبيعية يُعد خطأً شائعًا بين المرضى، خاصة عند الإصابة بالإنفلونزا أو التهابات الجهاز التنفسي».
وأضافت «كثيرون يعتقدون أن الأعشاب بديل آمن لأنها طبيعية، لكن الحقيقة أن بعضها قد يتعارض مع أدوية أخرى، أو قد يسبب تهيجًا في الشعب الهوائية عند استنشاقه كبخور».
وواصلت «الأعشاب قد تساعد في تخفيف بعض الأعراض البسيطة مثل احتقان الأنف أو التهاب الحلق، لكنها لا تُعالج الفيروس المسبب للإنفلونزا، ولا تُغني أبدًا عن الدواء الموصوف من الطبيب».
وأكملت «استخدام الأعشاب دون إشراف طبي قد يؤدي إلى تأخر التشخيص أو تفاقم الحالة، خاصة عند المصابين بالربو أو أمراض الرئة المزمنة».
وأشارت إلى أن «الأدوية الحديثة تُبنى على دراسات علمية دقيقة، وتُصرف بجرعات محسوبة وآمنة، بينما يجهل كثيرون الجرعات الحقيقية للأعشاب أو تأثيرها عند خلطها مع بعضها بعضا. وشددت على أهمية الموازنة بين الطب الحديث والطب الشعبي، معتبرة أن «الحل الأمثل هو الاستعانة بالطبيب لتحديد ما إذا كانت الأعشاب مناسبة كمساعد للعلاج، لا كبديل عنه».
وختمت «الطبيعة تمنحنا فوائد عظيمة، لكن العلم هو الذي يحدد كيف نستخدمها بأمان».