هذا الخبر لم يكن يتيما بل ظاهرة سلبية باتت تتكرر باستمرار، رغم ما توليه الجهات المعنية والأمنية من اهتمام ومتابعة لضبط كل ما يمس السلامة المرورية ويهدد الأمن المجتمعي.
وتجاوزت مخالفات الدراجات النارية حد تخطي السرعة، والتفحيط، ووصلت إلى التهديد المباشر للسلامة العامة في المتنزهات ومضامير المشاة.
وقت الذروة
شهدت الأيام الماضية ازديادًا ملحوظًا في أجواء الترفيه والاحتفالات في متنزهات المدن السعودية، خصوصا مع اعتدال الطقس بعد موسم صيفي حار، حيث توافدت العائلات والأفراد خارج البيوت للاستمتاع بالأجواء المناسبة، وعلى الأخص مع استراحة إجازة الخريف المدرسية؛ إلا أن المقلق هو التهديد الذي بات يتمثل في استفحال ظاهرة «التفحيط»، و«الدبابات»، وتطورها وانتقالها الملحوظ من شوارع الكورنيش والواجهات البحرية إلى المسطحات الخضراء التي يركن إليها المرتادون والعائلات، كما أن الأدهى أن المضامير المخصصة للمشاة، والتي يفترض أن يكون استخدامها حكرا عليهم، تحولت إلى ساحة للاستعراض من قبل بعض سائقي الدراجات النارية المتهورين.
مصدر قلق
يشتكي المواطن نصر المسكيت، من أن «الدبابات الصغيرة» أي الدراجات النارية الصغيرة، باتت تشكل مصدر قلق كبير، حيث تتسبب في أزمات واضحة داخل المناطق المخصصة للعائلات، خاصة في المسطحات الخضراء، ورصيف الكورنيش الداخلي، وحتى الممشى، وأكد أنها تقابل بردود أفعال تظهر تبرم وانزعاج واستياء العائلات التي تشتكي من السرعة العالية لهذه الدراجات، ومن عمليات الاستعراض، إضافة إلى المخاطر المحتملة للحوادث التي قد تقع بسبب سوء الاستخدام والتجاوزات.
وأوضح «يتجمع عدد من الشباب لممارسة قيادة الدراجات النارية على المضمار نفسه، أو بالقرب من المناطق الصخرية المطلة على الكورنيش، فيما تمادى آخرون بالقيادة داخل المسطحات الخضراء، مما يسبب إزعاجًا للعائلات ويهدد سلامة مرتادي المناطق البحرية، وهو ما يثير استياء مرتادي المكان، خاصة مع تعذر الجهود السابقة في الحد من تفشيها».
تهور واستخدام سلبي
يشدد المواطن وهب بقال، على أن هذه المشاهد لم تعد مجرد مشكلة عابرة، أو نوعا من التسلية، بل باتت أزمة تتطلب إجراءات صارمة وتنبيهات للمخالفين، خاصة أن المشكلة أصبحت أدهى وأمر، وهي تنذر بكوارث محتملة تودي بأرواح الناس وتضر بجمالية المشهد العام للمدينة.
وأضاف مستاءً «تشكل هذه الممارسات والمخالفات خطرا حقيقيا، وهي مدعاة لحوادث وإصابات محتملة في أي لحظة، ويتوجب على الجهات المختصة أن تعمل على وضع حد لهذه الظواهر السلبية، وضمان بيئة آمنة وملائمة للعائلات والزوار، لتظل متنزهات المدينة مكانًا للراحة والمتعة بعيدًا عن المخاطر والمشاكل التي تعكر صفو الجو العام».
هل ضاقت الأرض
من جانبه، يعلق عبدالله الوكيل أن «هل ضاقت الطرقات بأصحاب الدراجات النارية حتى لم يعودوا يجدوا متسعًا سوى المماشي دون مراعاة لحقوق الآخرين الذين لم يعد أحد منهم يضمن سلامة أفراد أسرته».
وأضاف «بات الكورنيش خطرًا يهدد سلامة مرتاديه»، مشيرًا إلى أن «جل الذين يقومون بهذه الممارسات هم أشخاص في أعمار النضج، ولا أدري ما يحملهم على فعل مثل ذلك».
بدوره يقول حمزة السليم «تقلصت ممارسات أصحاب الدراجات النارية القصيرة؛ بعد أن لجأت بعض البلديات إلى وضع مطبات صناعية في بعض الشوارع بهدف الحد من الظاهرة على ممرات المشاة، إلا أننا نشاهد الآن الدراجات الكبيرة تمارس الأمر ذاته دون أن تلقي بالا لهذه المطبات».
تشويه المشهد الحضري
يجزم الدرّاج الرحالة محمد الزاير أن «استعراض الدبابات والدراجات النارية في أوقات الترفيه والأمان في متنزهات المدن السعودية يفتح أبوابًا واسعة للنقاش حول تحديات الحفاظ على السلامة العامة، خاصة في ظل وجود ظواهر سلبية تتنامى وتزيد من تعقيد المشهد الحضري الحيوي».
وأردف «شهدنا في السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في السلوكيات غير المسؤولة لبعضهم، إذ تتحول بعض المرافق الترفيهية إلى ساحات للارتجال والمخاطرة بما يهدد سلامة مرتاديها بشكل عام، حيث تتجمع الدراجات غالبًا في أوقات الإشغال الكثيف من العائلات والأطفال، مما يعكس جزءًا من تفاقم مشكلة غياب الرقابة والضبط».
وعن الأسباب والدوافع وراء هذه الظواهر السلبية، قال «الأسباب متعددة، تتعلق أساسًا بضعف الوعي بالمسؤولية الجادة لدى الشباب، إضافة إلى غياب العقوبات الصارمة والرادعة. كما أن هناك ارتفاعا في نسب المشاركة في الألعاب الخطرة كرد فعل على الشعور بالملل، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص الأنشطة الاجتماعية والرياضية التي تلبي اهتمامات الشباب والمراهقين».
وأكمل «لا تقتصر تداعيات الظاهرة على السلامة فحسب، وإنما تتعداها لتؤثر على الصورة العامة للمدن، وتقلل من جاذبيتها السياحية، وتغذي مفاهيم الإهمال واللا مسؤولية عند الناشئة. كما تخلق حالة من التوتر بين فئات المجتمع، وتتعزز روح الفوضى».
تهديد أمني وبيئي
يضيف الزاير «على المستوى الأمني، فإن تكرار عمليات التحدي والقيادة بطريقة متهورة يضاعف من احتمالات وقوع حوادث يصعب السيطرة عليها، خاصة مع تطور أدوات الاستعراض من حيث السرعة والمهارات، مما يهدد حياة المارة والمرتادين، وفي سياق حماية البيئة، فإن عمليات الاستعراض داخل المسطحات الخضراء والأماكن الطبيعية تتسبب في تلف المرافق، وتدهور الطبيعة، وتلوث البيئة، وتقلل من جاذبيتها السياحية، وهو ما يتطلب تدخلات عاجلة لضمان التوازن بين الترفيه والحفاظ على البيئة».
واقترح تكثيف التوعية المجتمعية عبر حملات إعلامية وتثقيفية مستمرة، تركز على مخاطر الاستعراضات الخطرة، مع عرض تجارب حية ومحاضرات توعوية تستهدف الشباب والأهل على حد سواء، إضافة إلى تعزيز الرقابة والتشديد في تطبيق الأنظمة من خلال تركيب كاميرات مراقبة، وزيادة دوريات الأمن في المناطق الحيوية، وتكثيف الحملات التفتيشية، مع فرض غرامات صارمة على المخالفين ووضع أنظمة ردع أكثر فاعلية.
مساحة للشباب
يقترح الزاير كذلك إنشاء مساحات رياضية وترفيهية آمنة لتمكين الشباب من ممارسة هواياتهم في أماكن مخصصة، مع تجهيزها بأجهزة حديثة ومرافق كافية لتلبية الطلب، مما يحد من رغبتهم في البحث عن بدائل خطرة، مع سبقها بتطوير برامج التوجيه والإرشاد عبر الجمعيات والمؤسسات الأهلية والخاصة، لتقديم برامج شبابية تهدف إلى تنمية الحس بالمسؤولية، تعزيز الهوية الوطنية، وتشجيع السلوك الإيجابي.
وعن دور الجهات الحكومية والمجتمع المدني، قال إن «تضافر الجهود بين الجهات الأمنية، البلدية، هيئة الترفيه، المؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني، مطلوبة لوضع خطة متكاملة لمراقبة وتنظيم الفعاليات والأنشطة في المتنزهات، مع تنظيم برامج تحفيزية للالتزام بالقوانين، ومؤتمرات توعوية، ومسابقات رياضية وفنية ستعزز قدرات الشباب وتوجه طاقاتهم نحو مسارات إيجابية».
ضبط وغرامات
يذكر أن إدارة المرور، وحتى لجان وجمعيات السلامة المرورية سنّت قوانين القيادة الآمنة للدراجات الآلية، وأعلنت عن قائمة المخالفات والغرامات، وبحسب آخر بيان إحصائي نشرته إدارة المرور فقد تم ضبط 7576 دراجة آلية مخالفة في نوفمبر الماضي، أعلاها في منطقة الرياض، مكة المكرمة، المدينة المنورة، والمنطقة الشرقية على التوالي.