منذ البدايات الأولى لتأسيس الرياضة السعودية في أواخر عشرينيات القرن العشرين، كانت البيئة الفنية في البلاد محكومة بالفلكلور المناطقي والأنماط الغنائية التراثية، قبل تشكُّل وظهور الأغنية الحديثة لاحقًا في الخمسينيات.
هذا المزاج الشعبي انعكس مباشرةً على ما يُردَّد في الملاعب، إذ دخلت الفنون الشعبية بأهازيجها وآلاتها ودفوفها وأزيارها إلى المدرجات، فأضحت جزءًا أصيلًا من تجربة التشجيع، ووطّدت حضورها حتى غدت أهازيج الملاعب مرآةً للهوية المحلية، ومزيجًا حيًّا من الفنون الشعبية.
ما هو «طرب المدرجات»
يمثّل «طرب المدرجات» أحد الأنماط الفنية الأصيلة في الثقافة السعودية، وهو مجموع الأهازيج التي يرددها جمهور الأندية داخل الملاعب، وتعد امتدادًا حيًّا للجذور الشعبية والفنون الفلكلورية المحلية، فهذه الهتافات لم تولد ارتجالًا أو بمعزل عن محيطها، بل انبثقت من عمق التقاليد الموسيقية والاجتماعية التي شكّلت هوية المجتمع السعودي لعقود.
وتبرز ضرورة تتبّع جذوره وتوثيق مساراته التاريخية وتحولاته، إذ أنه -شأن أي فن آخر- يسير وفق مسار تطوري واضح: يبدأ عفويًا، ثم يتنظّم، ويخضع للتأليف والتوزيع، ويتأثر بالسياقات الاجتماعية والتغيرات الثقافية، كما يعكس الهُويات الفرعية داخل المملكة، مما يستدعي الحفاظ على هذا المكوّن الفريد من الثقافة السعودية.
الجذور الشعبية
الأهازيج المتداولة في الملاعب في معظمها ذات أصل شعبي: إمّا موروثات تُردَّد حتى اليوم بصيغتها القديمة، أو ألحان وإيقاعات موروثة تُكتب عليها كلمات جديدة لدعم النادي.
ومع تشكّل الحركة الرياضية، استعانت الروابط الجماهيرية بالفنانين الشعبيين لإدارة التشجيع، فعزّز كُلٌّ منهم تراث منطقة معينة في المدرج، وأدخلوا حتى المواويل والمجسات الحجازية إلى المدرج، واستمرّت هذه العادة إلى وقت قريب، ومن أبرزهم عاطي الموركي «نادي الوحدة»، أبو هلال «جمهور الاتحاد»، معلا هريش «رابطة الأهلي».
ورسخ هذا اللجوء إلى المطربين الشعبيين الهوية الفولكلورية داخل السياق الرياضي، وتاريخيًا برزت مدرجات المنطقة الغربية في الطرب لاعتبارات عدّة: أنها أساسًا مجتمعات عُرفت بالطرب وأهله، وصدّرت المطربين لاحقًا طوال التاريخ الفني السعودي، ولعل تألق مدرجات الغربية عائد أيضًا إلى طبيعة فنون المنطقة التي تتميّز بإيقاعاتها الحركية والحماسية، كالمزمار والينبعاوي والخبيتي.
الينبعاوي في المدرجات
يُعد الفن البحري «الينبعاوي» من أبرز ما يُتداول في المدرجات السعودية، وقد حقق حضورًا كاسحًا حتى بات يُردَّد في ملاعب عربية عدة.
ينتمي هذا اللون إلى الساحل الغربي وبيئة البحر الأحمر وموانئه، خصوصًا ينبع.
ولعبت مدرجات الأهلي والاتحاد في جدة، والوحدة في مكة المكرمة، دورًا رياديًا في نقله إلى فضاء التشجيع عبر تقديمه بصياغات شعرية جديدة ومتنوعة.
على سبيل المثال: تردِّد جماهير الاتحاد أهزوجة ينبعاوية موروثة «ومن بعد إحسانك.. دا كله علشانك» مع تغيير الشطر الثاني ليُصبح: «يا اتي علشانك».
وظهرت ينبعاويات جديدة وخاصة بالاتحاد، في فترة إسناد رئاسة الرابطة للفنان القدير، حسين عبدالمطلوب «أبو هلال»، وهو فنان عُرف بالينبعاوي والخبيتيي ويُعد نجمًا لامعًا في الغربية، ومن أنجح أعماله «يا الاتحاد افرح»، وهي من كلماته.
وأبدعت رابطة النادي الأهلي في كتابة نصوص جديدة على موروثات بحرية معروفة، مثل:
- «أهلي يا جميل ومالكش مثيل.. والقلب يميل يا أهلي في حبك».
- «آه يالا لا لي يا سيد الميدان».
وأضافت الرابطة للإرث الينبعاوي أهازيج أهلاوية خاصة، باستخدام الإيقاع الينبعاوي، ولكن مع صياغة كلمات وألحان جديدة، مثل:
- «تعالا طل وتعلّم من سيد الكل».
- «والله أنا من يوم شفته.. حبيت الأهلي وعشقته».
- «يالأهلي يا جنة ولا حد بيوصلنا».
ريادة أهلاوية
تميّز جمهور الأهلي بكثافة الاستخدام للفلكلور السعودي، وتجديد الكلمات، والتنويع اللحني، بينما اكتفت روابط أخرى بالتكرار أو استعارة أهازيج موروثة دون تغيير يذكر.
ومن الإنصاف تثبيت ريادة رابطة الأهلي في تأسيس، وتطوير طرب المدرجات المقتبس من التراث السعودي، وهنا وبالتفصيل أمثلة على تنوّع الإيقاعات والألحان الفولكلورية التي تستلهم منها رابطة الأهلي أهازيجها وموسيقاها:
- استخدِم فلكلور المنطقة الشرقية في عدة أهازيج صدرت في ألبومات للرابطة، منها: «مين يقدر.. على بعده مين يقدر؟»، وأيضًا «ويلاه ويلاه.. من حبه ويلاه»، كذلك أهزوجة «كل الخلايق»، «فن الليوة»، مع استخدام آلة الصرناي الشهيرة بالفنون الشعبية بالشرقية.
- على إيقاع الخبيتي: «الأهلي أكلهم».
- على إيقاع الخطوة العسيرية: «النادي الأهلي ما هو عادي».
- على إيقاع دوسري: «احلم على قدك ياللي تعاندنا».
- وعلى الإيقاع السعودي: «قلعة من ذهب»، و«لعبك أنت الفن يا نبع الفنون»، و«قلعة الفن العظيمة».
المزمار.. حضور كاسح
دخل فن المزمار مبكرًا إلى الملاعب عبر روابط الأهلي والوحدة والاتحاد، وهو فن شعبي راقص في المنطقة الغربية، من جذور اختلف فيها ولكنها اندمجت ثقافيًا في المنطقة، ويعتمد على الإيقاع السريع «الزير والدف» بطابع حماسي.
حُوِّلت كثير من أهازيج المزمار الموروثة والمعروفة في الغربية إلى أغانٍ جماهيرية مؤثرة، لا يعرف الجمهور المحلي والعربي مصدرها الحقيقي، وأبرز الأمثلة على أهازيج المزمار التراثية:
- «الليل يا سُمبلان».
- «ويلوه ويلوه ولد الهوى ويلوه».
- «ياكلك حبة حبة.. ياكلك أكل البرشومي».
- «والله أنتا يا هيهسلم من الموت».
- «الله الله يا لاتيالأهلي».
- «يا كريم يا الله على بابك».
- «اشبنا ما بنا شيء».
- «سابو ليه».
- «وي وي وي.. شوي شوي شوي».
- «يا سلام يا لأهلاويالاتاوي».
- «ما عندي خبر يا بابا.. والخبر عند الأهلاويالاتاوي».
وفي المقابل، ظهرت أهازيج أهلاوية استخدمت إيقاع المزمار وصاغت عليه كلمات جديدة بالكامل، منها:
- «أنا اغليته وبقلبي حبيته».
- «السفينة أبحرت عبر البحار.. قادها الربان خالد للذهب».
- «قلعة العشاق يا عجب عجب.. ياما صنعت رجال أغلى من ذهب».
- «معدنه ذهب.. لعبه ذا طرب.. الأهلي لا لعب سوّى أبو العجب».
- «الأهلي سيد الملعب.. من تحدانا يلعب.. في النهاية حيتعب.. الأهلي الأول محله».
- «بدري عليك والله بدري.. مغرور وأنتا ما تدري».
- «الرمز أمر.. جدة كذا أهلي وبحر.. طب جاك الخبر؟ ما يعجبك اشرب بحر».
- «وافتخر اني أهلاوي والأهلي قلعة كؤوس».
بدر تركستاني.. ظاهرة فنية
يتجلّى البُعد الطربي بوضوح في مدرجات النادي الأهلي، عبر شخصية بدر تركستاني، رئيس الرابطة الجماهيرية، الذي استحق عن جدارة لقب «غرّيد الملاعب»، تركستاني ليس مجرد مشجع يقود الهتافات، بل فنان متكامل يمتلك صوتًا شجيًا، ومعرفة موسيقية مكّنته من تقديم أداء متفرد يمزج بين التراث الغنائي الشعبي والموسيقى المعاصرة.
بفضل هذه الخلفية الغنية، أعاد تركستاني تعريف التشجيع الرياضي، فحوّل المدرج إلى مسرح حي، والجمهور إلى جوقة متناغمة، وابتكر أساليب جديدة استكمل بها إرث الفنانين الشعبيين الذين سبقوه، وهكذا بات نموذجًا يُحتذى في طرب المدرجات، و«نجم المرحلة الحديثة» بلا منازع.
والنجاح الذي يعيشه مدرج الأهلي اليوم ليس وليد الصدفة، بل نتيجة عمل دؤوب وشغف صادق، وإصرار على تصدير هذا اللون الفني محليًا وعالميًا، وهكذا تحوّل بدر تركستاني إلى ظاهرة في ميدان التشجيع، جمع بين الصوت العذب، والخبرة الموسيقية، والروح المحبة للفن، ليصبح بحق مطرب المدرجات الأول.
فنّ المحاورة.. المدرّج ساحة شعرية
في المدرجات يظهر فن يوازي «المحاورة» عبر الأهازيج المتبادلة «الرد والرد المضاد»، ويمكن تقسيمها إلى:
1- محاورات ارتجالية في الملاعب تنشأ ارتجالًا كردّ فعل لهزيمة أو استفزاز، مثل: ترديد جمهور الأهلي بعد هزيمته في الدوري وتعرّضه للاستفزاز من جمهور الشباب: «جبنا النخبة.. عطوهم نُقطة»، أو رد جماهير الهلال عند الاستفزاز: «العالمية صعبة قوية»، أو تبادل الإسقاطات بين جماهير الأهلي والاتحاد: «دايم أنتو النمور.. بوابتي للعبور».
بالإضافة إلى الصراع على سيادة جدة يردد الأهلاويون «جدة أهلي وبحر»، مقابل «جدة إتي وبحر».
2- محاورات الاستديو «أغانٍ مسجلة».
- لعل أبرز مثال حديث لها أهزوجة الأهلي «نادينا ملكي واحنا الملوك.. احنا كبار جدة العروس»، والتي رد عليها جمهور الاتحاد سريعًا: «جدة لها حاكم وحيد.. نادي الوطن اسمه العميد».
مرحلة الألبومات
في أواخر التسعينيات، بدأت روابط الأندية -خصوصًا في الغربية- بإصدار ألبومات تضم 8 – 10 أغانٍ، كاشفة عن تطور فني ملحوظ، وبعضها اقترب من الأغنية الطربية الكاملة، وهذا بحد ذاته مبحث بحاجة إلى تتبع لمراحل النمو الفني والموسيقي في السياق الرياضي.
أبدع أبو هلال في ألبومات الاتحاد، وفي المقابل نشرت رابطة الأهلي سلسلة ألبومات ناجحة جدًا وتعد مِرجع أصيل في طرب المدرجات، قدّمها نجوم كثر، مثل: حسن مريع، عادل الحازمي، سعود برقاوي، بدر تركستاني.
أبرز الألبومات التي حققت نجاحًا مستمرًا:
- ألبوم: «سفير الوطن» –2011، الذي أُصدِر تزامنًا مع إطلاق النشيد الأهلاوي الرسمي، ومن أشهر أغاني الألبوم:
«هذا الأهلي أخضر اللون»، و«بدري عليك» و«الأهلي الأول محله» و«قولي مين يقدر ينساه؟».
- ألبوم: «للأهلي جينا» 2018، ومن أشهر أغانيه:
«للأهلي جينا.. من كل مدينة»، و«يا خصمي عُد الليالي.. تبغى تفوز في الخيالي».
و«أهلي نموت عليك»، وهي بطابع عصري وإيقاعات غربية وأسلوب عالمي في التشجيع، وتعتبر بداية التغيير في هُوية وشكل الأهازيج المحلية.
الهوية الحديثة
من خلال بعض المعطيات في الوقت الراهن نستطيع أن نتوقع مستقبل الأهازيج، إذ باتت بشكل واضح تتخلى وتنفصل عن التراث شيئًا فشيئًا، وهو ما ينبئ بأهزوجة رياضية مستقبلية منفصلة تمامًا عن جذورها، وتستخدم الأساليب العالمية الحديثة في التشجيع، حتى إن الطبول الأوروبية التي لم تعرف يومًا مدرجاتنا السعودية، أصبح حضورها في تزايد، بعدما كانت الدفوف شكلا ثقافيًا خاصًا يميزنا عن العالم أجمع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأهازيج الحديثة بصبغتها الأوروبية لا يمكن إنكار نجاحها، فهي تلقى رواجًا واسعًا، ويظهر ذلك في نسب الاستماع والتفاعل الجماهيري، كما في أهزوجة «شكون انتوما»، التي هزّت المدرجات، أو أهزوجة «نادينا ملكي واحنا الملوك»، لكن هذا الاتجاه، مع إدخال الآلات الغربية كبديل عن إيقاعاتنا الشعبية، يضع علامات استفهام حول مستقبل هذا الفن.
في المقابل، ما زالت هناك تجارب ملهمة تُعيدنا إلى جوهر الهوية، نادي القلعة من الجوف قدّم نموذجًا بديعًا حين أدخل فن السامري إلى المدرج، في عرض جماعي يشترك فيه كل فرد بالحركة والغناء، ليشكلوا لوحة مسرحية إبداعية، قد تكون أجمل مما يجري على المستطيل الأخضر.
هذه التجربة، الصادرة من نادٍ في الدرجة الثالثة «والصاعد حديثًا إلى الثانية»، لفتت الأنظار وجعلت المتابعين يتمنون رؤيتها يومًا في دوري روشن.
ويتأرجح مستقبل الأهازيج الرياضية اليوم بين حدّين: حدّ الانفتاح على الأساليب الأوروبية، وحدّ الحفاظ على التراث المحلي الذي ميّز مدرجاتنا وجعلها أيقونة عالمية، والرهان الحقيقي يكمن في القدرة على الموازنة بين الاثنين؛ للحفاظ على الهوية والإضافة إليها بعيدًا عن فقدها في في زحمة التقليد.
مستقبل فن الملاعب
يقف طرب المدرجات اليوم على مفترق طرق، إن لم يُدعَم مؤسسيًا وفنيًا، فالكثير من الكنوز مهدّدة بالتلاشي، ولعل الجهات الثقافية –وعلى رأسها وزارة الثقافة– تدرك أن هذا الفن مرآة للهوية الجماعية، فطرب المدرجات ليس مجرد صوت في المدرج، بل سرديّة تراثية حيّة تستحق الحفظ والدراسة والرعاية.
أبرز الإيقاعات الفلكلورية التي تستمد منها الأهازيج
ـ الينبعاوي
ـ المزمار
ـ الخبيتي
ـ السامري
ـ مواويل ومجسات حجازية
ـ فلكلور المنطقة الشرقية
ـ إيقاع الخطوة العسيرية
ـ إيقاع دوسري
ـ إيقاع سعودي
من أبرز قادة الأهازيج
ـ بدر تركستاني
ـ حسن مريع
ـ عادل الحازمي
ـ سعود برقاوي
ـ صالح القرني
ـ عاطي الموركي
هذا المزاج الشعبي انعكس مباشرةً على ما يُردَّد في الملاعب، إذ دخلت الفنون الشعبية بأهازيجها وآلاتها ودفوفها وأزيارها إلى المدرجات، فأضحت جزءًا أصيلًا من تجربة التشجيع، ووطّدت حضورها حتى غدت أهازيج الملاعب مرآةً للهوية المحلية، ومزيجًا حيًّا من الفنون الشعبية.
ما هو «طرب المدرجات»
يمثّل «طرب المدرجات» أحد الأنماط الفنية الأصيلة في الثقافة السعودية، وهو مجموع الأهازيج التي يرددها جمهور الأندية داخل الملاعب، وتعد امتدادًا حيًّا للجذور الشعبية والفنون الفلكلورية المحلية، فهذه الهتافات لم تولد ارتجالًا أو بمعزل عن محيطها، بل انبثقت من عمق التقاليد الموسيقية والاجتماعية التي شكّلت هوية المجتمع السعودي لعقود.
وتبرز ضرورة تتبّع جذوره وتوثيق مساراته التاريخية وتحولاته، إذ أنه -شأن أي فن آخر- يسير وفق مسار تطوري واضح: يبدأ عفويًا، ثم يتنظّم، ويخضع للتأليف والتوزيع، ويتأثر بالسياقات الاجتماعية والتغيرات الثقافية، كما يعكس الهُويات الفرعية داخل المملكة، مما يستدعي الحفاظ على هذا المكوّن الفريد من الثقافة السعودية.
الجذور الشعبية
الأهازيج المتداولة في الملاعب في معظمها ذات أصل شعبي: إمّا موروثات تُردَّد حتى اليوم بصيغتها القديمة، أو ألحان وإيقاعات موروثة تُكتب عليها كلمات جديدة لدعم النادي.
ومع تشكّل الحركة الرياضية، استعانت الروابط الجماهيرية بالفنانين الشعبيين لإدارة التشجيع، فعزّز كُلٌّ منهم تراث منطقة معينة في المدرج، وأدخلوا حتى المواويل والمجسات الحجازية إلى المدرج، واستمرّت هذه العادة إلى وقت قريب، ومن أبرزهم عاطي الموركي «نادي الوحدة»، أبو هلال «جمهور الاتحاد»، معلا هريش «رابطة الأهلي».
ورسخ هذا اللجوء إلى المطربين الشعبيين الهوية الفولكلورية داخل السياق الرياضي، وتاريخيًا برزت مدرجات المنطقة الغربية في الطرب لاعتبارات عدّة: أنها أساسًا مجتمعات عُرفت بالطرب وأهله، وصدّرت المطربين لاحقًا طوال التاريخ الفني السعودي، ولعل تألق مدرجات الغربية عائد أيضًا إلى طبيعة فنون المنطقة التي تتميّز بإيقاعاتها الحركية والحماسية، كالمزمار والينبعاوي والخبيتي.
الينبعاوي في المدرجات
يُعد الفن البحري «الينبعاوي» من أبرز ما يُتداول في المدرجات السعودية، وقد حقق حضورًا كاسحًا حتى بات يُردَّد في ملاعب عربية عدة.
ينتمي هذا اللون إلى الساحل الغربي وبيئة البحر الأحمر وموانئه، خصوصًا ينبع.
ولعبت مدرجات الأهلي والاتحاد في جدة، والوحدة في مكة المكرمة، دورًا رياديًا في نقله إلى فضاء التشجيع عبر تقديمه بصياغات شعرية جديدة ومتنوعة.
على سبيل المثال: تردِّد جماهير الاتحاد أهزوجة ينبعاوية موروثة «ومن بعد إحسانك.. دا كله علشانك» مع تغيير الشطر الثاني ليُصبح: «يا اتي علشانك».
وظهرت ينبعاويات جديدة وخاصة بالاتحاد، في فترة إسناد رئاسة الرابطة للفنان القدير، حسين عبدالمطلوب «أبو هلال»، وهو فنان عُرف بالينبعاوي والخبيتيي ويُعد نجمًا لامعًا في الغربية، ومن أنجح أعماله «يا الاتحاد افرح»، وهي من كلماته.
وأبدعت رابطة النادي الأهلي في كتابة نصوص جديدة على موروثات بحرية معروفة، مثل:
- «أهلي يا جميل ومالكش مثيل.. والقلب يميل يا أهلي في حبك».
- «آه يالا لا لي يا سيد الميدان».
وأضافت الرابطة للإرث الينبعاوي أهازيج أهلاوية خاصة، باستخدام الإيقاع الينبعاوي، ولكن مع صياغة كلمات وألحان جديدة، مثل:
- «تعالا طل وتعلّم من سيد الكل».
- «والله أنا من يوم شفته.. حبيت الأهلي وعشقته».
- «يالأهلي يا جنة ولا حد بيوصلنا».
ريادة أهلاوية
تميّز جمهور الأهلي بكثافة الاستخدام للفلكلور السعودي، وتجديد الكلمات، والتنويع اللحني، بينما اكتفت روابط أخرى بالتكرار أو استعارة أهازيج موروثة دون تغيير يذكر.
ومن الإنصاف تثبيت ريادة رابطة الأهلي في تأسيس، وتطوير طرب المدرجات المقتبس من التراث السعودي، وهنا وبالتفصيل أمثلة على تنوّع الإيقاعات والألحان الفولكلورية التي تستلهم منها رابطة الأهلي أهازيجها وموسيقاها:
- استخدِم فلكلور المنطقة الشرقية في عدة أهازيج صدرت في ألبومات للرابطة، منها: «مين يقدر.. على بعده مين يقدر؟»، وأيضًا «ويلاه ويلاه.. من حبه ويلاه»، كذلك أهزوجة «كل الخلايق»، «فن الليوة»، مع استخدام آلة الصرناي الشهيرة بالفنون الشعبية بالشرقية.
- على إيقاع الخبيتي: «الأهلي أكلهم».
- على إيقاع الخطوة العسيرية: «النادي الأهلي ما هو عادي».
- على إيقاع دوسري: «احلم على قدك ياللي تعاندنا».
- وعلى الإيقاع السعودي: «قلعة من ذهب»، و«لعبك أنت الفن يا نبع الفنون»، و«قلعة الفن العظيمة».
المزمار.. حضور كاسح
دخل فن المزمار مبكرًا إلى الملاعب عبر روابط الأهلي والوحدة والاتحاد، وهو فن شعبي راقص في المنطقة الغربية، من جذور اختلف فيها ولكنها اندمجت ثقافيًا في المنطقة، ويعتمد على الإيقاع السريع «الزير والدف» بطابع حماسي.
حُوِّلت كثير من أهازيج المزمار الموروثة والمعروفة في الغربية إلى أغانٍ جماهيرية مؤثرة، لا يعرف الجمهور المحلي والعربي مصدرها الحقيقي، وأبرز الأمثلة على أهازيج المزمار التراثية:
- «الليل يا سُمبلان».
- «ويلوه ويلوه ولد الهوى ويلوه».
- «ياكلك حبة حبة.. ياكلك أكل البرشومي».
- «والله أنتا يا هيهسلم من الموت».
- «الله الله يا لاتيالأهلي».
- «يا كريم يا الله على بابك».
- «اشبنا ما بنا شيء».
- «سابو ليه».
- «وي وي وي.. شوي شوي شوي».
- «يا سلام يا لأهلاويالاتاوي».
- «ما عندي خبر يا بابا.. والخبر عند الأهلاويالاتاوي».
وفي المقابل، ظهرت أهازيج أهلاوية استخدمت إيقاع المزمار وصاغت عليه كلمات جديدة بالكامل، منها:
- «أنا اغليته وبقلبي حبيته».
- «السفينة أبحرت عبر البحار.. قادها الربان خالد للذهب».
- «قلعة العشاق يا عجب عجب.. ياما صنعت رجال أغلى من ذهب».
- «معدنه ذهب.. لعبه ذا طرب.. الأهلي لا لعب سوّى أبو العجب».
- «الأهلي سيد الملعب.. من تحدانا يلعب.. في النهاية حيتعب.. الأهلي الأول محله».
- «بدري عليك والله بدري.. مغرور وأنتا ما تدري».
- «الرمز أمر.. جدة كذا أهلي وبحر.. طب جاك الخبر؟ ما يعجبك اشرب بحر».
- «وافتخر اني أهلاوي والأهلي قلعة كؤوس».
بدر تركستاني.. ظاهرة فنية
يتجلّى البُعد الطربي بوضوح في مدرجات النادي الأهلي، عبر شخصية بدر تركستاني، رئيس الرابطة الجماهيرية، الذي استحق عن جدارة لقب «غرّيد الملاعب»، تركستاني ليس مجرد مشجع يقود الهتافات، بل فنان متكامل يمتلك صوتًا شجيًا، ومعرفة موسيقية مكّنته من تقديم أداء متفرد يمزج بين التراث الغنائي الشعبي والموسيقى المعاصرة.
بفضل هذه الخلفية الغنية، أعاد تركستاني تعريف التشجيع الرياضي، فحوّل المدرج إلى مسرح حي، والجمهور إلى جوقة متناغمة، وابتكر أساليب جديدة استكمل بها إرث الفنانين الشعبيين الذين سبقوه، وهكذا بات نموذجًا يُحتذى في طرب المدرجات، و«نجم المرحلة الحديثة» بلا منازع.
والنجاح الذي يعيشه مدرج الأهلي اليوم ليس وليد الصدفة، بل نتيجة عمل دؤوب وشغف صادق، وإصرار على تصدير هذا اللون الفني محليًا وعالميًا، وهكذا تحوّل بدر تركستاني إلى ظاهرة في ميدان التشجيع، جمع بين الصوت العذب، والخبرة الموسيقية، والروح المحبة للفن، ليصبح بحق مطرب المدرجات الأول.
فنّ المحاورة.. المدرّج ساحة شعرية
في المدرجات يظهر فن يوازي «المحاورة» عبر الأهازيج المتبادلة «الرد والرد المضاد»، ويمكن تقسيمها إلى:
1- محاورات ارتجالية في الملاعب تنشأ ارتجالًا كردّ فعل لهزيمة أو استفزاز، مثل: ترديد جمهور الأهلي بعد هزيمته في الدوري وتعرّضه للاستفزاز من جمهور الشباب: «جبنا النخبة.. عطوهم نُقطة»، أو رد جماهير الهلال عند الاستفزاز: «العالمية صعبة قوية»، أو تبادل الإسقاطات بين جماهير الأهلي والاتحاد: «دايم أنتو النمور.. بوابتي للعبور».
بالإضافة إلى الصراع على سيادة جدة يردد الأهلاويون «جدة أهلي وبحر»، مقابل «جدة إتي وبحر».
2- محاورات الاستديو «أغانٍ مسجلة».
- لعل أبرز مثال حديث لها أهزوجة الأهلي «نادينا ملكي واحنا الملوك.. احنا كبار جدة العروس»، والتي رد عليها جمهور الاتحاد سريعًا: «جدة لها حاكم وحيد.. نادي الوطن اسمه العميد».
مرحلة الألبومات
في أواخر التسعينيات، بدأت روابط الأندية -خصوصًا في الغربية- بإصدار ألبومات تضم 8 – 10 أغانٍ، كاشفة عن تطور فني ملحوظ، وبعضها اقترب من الأغنية الطربية الكاملة، وهذا بحد ذاته مبحث بحاجة إلى تتبع لمراحل النمو الفني والموسيقي في السياق الرياضي.
أبدع أبو هلال في ألبومات الاتحاد، وفي المقابل نشرت رابطة الأهلي سلسلة ألبومات ناجحة جدًا وتعد مِرجع أصيل في طرب المدرجات، قدّمها نجوم كثر، مثل: حسن مريع، عادل الحازمي، سعود برقاوي، بدر تركستاني.
أبرز الألبومات التي حققت نجاحًا مستمرًا:
- ألبوم: «سفير الوطن» –2011، الذي أُصدِر تزامنًا مع إطلاق النشيد الأهلاوي الرسمي، ومن أشهر أغاني الألبوم:
«هذا الأهلي أخضر اللون»، و«بدري عليك» و«الأهلي الأول محله» و«قولي مين يقدر ينساه؟».
- ألبوم: «للأهلي جينا» 2018، ومن أشهر أغانيه:
«للأهلي جينا.. من كل مدينة»، و«يا خصمي عُد الليالي.. تبغى تفوز في الخيالي».
و«أهلي نموت عليك»، وهي بطابع عصري وإيقاعات غربية وأسلوب عالمي في التشجيع، وتعتبر بداية التغيير في هُوية وشكل الأهازيج المحلية.
الهوية الحديثة
من خلال بعض المعطيات في الوقت الراهن نستطيع أن نتوقع مستقبل الأهازيج، إذ باتت بشكل واضح تتخلى وتنفصل عن التراث شيئًا فشيئًا، وهو ما ينبئ بأهزوجة رياضية مستقبلية منفصلة تمامًا عن جذورها، وتستخدم الأساليب العالمية الحديثة في التشجيع، حتى إن الطبول الأوروبية التي لم تعرف يومًا مدرجاتنا السعودية، أصبح حضورها في تزايد، بعدما كانت الدفوف شكلا ثقافيًا خاصًا يميزنا عن العالم أجمع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأهازيج الحديثة بصبغتها الأوروبية لا يمكن إنكار نجاحها، فهي تلقى رواجًا واسعًا، ويظهر ذلك في نسب الاستماع والتفاعل الجماهيري، كما في أهزوجة «شكون انتوما»، التي هزّت المدرجات، أو أهزوجة «نادينا ملكي واحنا الملوك»، لكن هذا الاتجاه، مع إدخال الآلات الغربية كبديل عن إيقاعاتنا الشعبية، يضع علامات استفهام حول مستقبل هذا الفن.
في المقابل، ما زالت هناك تجارب ملهمة تُعيدنا إلى جوهر الهوية، نادي القلعة من الجوف قدّم نموذجًا بديعًا حين أدخل فن السامري إلى المدرج، في عرض جماعي يشترك فيه كل فرد بالحركة والغناء، ليشكلوا لوحة مسرحية إبداعية، قد تكون أجمل مما يجري على المستطيل الأخضر.
هذه التجربة، الصادرة من نادٍ في الدرجة الثالثة «والصاعد حديثًا إلى الثانية»، لفتت الأنظار وجعلت المتابعين يتمنون رؤيتها يومًا في دوري روشن.
ويتأرجح مستقبل الأهازيج الرياضية اليوم بين حدّين: حدّ الانفتاح على الأساليب الأوروبية، وحدّ الحفاظ على التراث المحلي الذي ميّز مدرجاتنا وجعلها أيقونة عالمية، والرهان الحقيقي يكمن في القدرة على الموازنة بين الاثنين؛ للحفاظ على الهوية والإضافة إليها بعيدًا عن فقدها في في زحمة التقليد.
مستقبل فن الملاعب
يقف طرب المدرجات اليوم على مفترق طرق، إن لم يُدعَم مؤسسيًا وفنيًا، فالكثير من الكنوز مهدّدة بالتلاشي، ولعل الجهات الثقافية –وعلى رأسها وزارة الثقافة– تدرك أن هذا الفن مرآة للهوية الجماعية، فطرب المدرجات ليس مجرد صوت في المدرج، بل سرديّة تراثية حيّة تستحق الحفظ والدراسة والرعاية.
أبرز الإيقاعات الفلكلورية التي تستمد منها الأهازيج
ـ الينبعاوي
ـ المزمار
ـ الخبيتي
ـ السامري
ـ مواويل ومجسات حجازية
ـ فلكلور المنطقة الشرقية
ـ إيقاع الخطوة العسيرية
ـ إيقاع دوسري
ـ إيقاع سعودي
من أبرز قادة الأهازيج
ـ بدر تركستاني
ـ حسن مريع
ـ عادل الحازمي
ـ سعود برقاوي
ـ صالح القرني
ـ عاطي الموركي