على مدى السنوات الأخيرة، برزت أنواع متعددة من المنصات المالية المرخصة، التي تتيح للأفراد شراء المنتجات والخدمات مع دفعها على أقساط صغيرة، مما أسهم بشكل كبير في تيسير عمليات الشراء. هذه المنصات، التي أصبحت جزءًا معترفًا به من السوق، قدمت خدمة قانونية ومقبولة، وسهَّلت على المستهلكين الحصول على حاجاتهم ورغباتهم بسرعة ومن دون عناء كبير. ولكن، وعلى الرغم من ميزة السهولة في الشراء، بدأت هذه المنصات تشكل ما يشبه الظاهرة الجديدة في سلوك الأفراد والأسر. فبدلاً من الاعتماد عليها عند الحاجة الحقيقية أو التخطيط المالي المسبق، باتت عمليات الشراء أكثر عفوية ومتكررة، حتى للأشياء غير الضرورية أو الكمالية. فبساطة الدفع على أقساط صغيرة أدت إلى تحويل عمليات الشراء إلى أمر فيه كثير من التسيّب في تقييم الأولويات. وبدا أن استخدام الدفعات الميسرة، رغم ما توفره من مرونة، أدَّى في كثير من الحالات إلى إرهاق الأسر، بخاصة تلك ذات الدخل المحدود، بديون متعثرة وغير قابلة للسداد في نهاية المطاف. فعبارة «اشترِ الآن وقسط المبلغ على 4 دفعات» أصبحت شعارًا، لكن الواقع يُظهر أن هذا الأسلوب قد شجع على الشراء دون تفكير، بخاصة للأشياء الثانوية، ومع حلول موعد سداد الأقساط، تظهر فواتير بمبالغ مرتفعة تتجاوز بكثير القدرة الشرائية، ما يرفع من مستوى الديون على الأسر، ويُفاقم من أزمتها المالية.
نتيجة لذلك، يواجه كثير من المواطنين صعوبة في تلبية متطلباتِهم الشهرية الأساسية، مثل المياه والكهرباء، ويجدون أنفسهم أمام مشكلة توقف خدماتهم، ويضطرون أحيانًا إلى فتح حسابات مصرفية خاصة للمشتريات، مما يُدخلهم في دائرة مفرغة من الاستدانة، حيث اضطرت عائلة للاقتراض من زميل لها، وتحويل المبالغ إلى حساب جارها، بسبب توقف خدمات المنزل نتيجة عجزهم عن السداد.
هذه الحالة تعكس أن الاستدانة اللامحدودة أصبحت ظاهرة تسيطر على حياة عدد من الأسر، مما يُهدد استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، ويُظهر الحاجة الماسة لوضع سياسات تنظيمية أكثر صرامة، وتوعية مجتمعية بأهمية إدارة الاستهلاك والديون بشكل مسؤول.
تجربة إيجابية
يذكر المواطن عبدالله العيد أنه استطاع، من خلال هذه المنصات والقروض الميسرة، تجهيز شقته الصغيرة أثناء استعداده للزواج؛ وذلك من خلال شراء الأجهزة الكهربائية وأجهزة التكييف على دفعات سهلت عليه هذه المهمة، منوّهًا إلى أنه كان يخشى تأخير موعد إقامة مراسم الزواج بسبب تعثُّر تجهيز عش الزوجية بالاحتياجات الأساسية من الأجهزة. ولكن وجود مثل هذه المنصات كان داعمًا بشكل فعال وأسهم في استقراره نفسيًا وماديًا.
ولفت «من المهم النظر إلى هذه المنصات على أنها للاستفادة وتسهيل الحياة المادية، وليس العكس.»
توازن ووعي
طرحت «الوطن» سؤالاً لمختصين في الاقتصاد حول مدى إمكانية الموازنة بين تسهيل عمليات الشراء وتحقيق الرفاهية، وبين حماية الأسر من مخاطر الديون والضغط المالي المتزايد؟
ورداً على ذلك، يوضح دكتور الاقتصاد ماهر آل سيف أنه «برزت في المملكة منصات الدفع بالتقسيط، أو ما يُعرف بـ»اشترِ الآن وادفع لاحقًا«(BNPL). هذه المنصات المرخصة سهَّلت على المستهلكين اقتناء ما يحتاجونه بضغطة زر، وأصبحت بديلاً شعبيًا للبطاقات الائتمانية، بخاصة في التجارة الإلكترونية».
وأبان: «بحسب التقديرات، بلغ حجم سوق BNPL في السعودية نحو 1.39 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.54 مليار دولار في 2025، مع نمو يتجاوز 10% سنويًا. كما كشفت منصة 'Tabby' أن 77% من السعوديين يستخدمون هذه الخدمة لشراء الأساسيات، وليس فقط الكماليات.»
الوجه الآخر
أضاف آل سيف «من زاوية إيجابية، أسهمت هذه المنصات في تمكين الأسر من الحصول على السلع الضرورية، مثل الأجهزة المنزلية أو التعليمية، وحتى بعض المنتجات الصحية، دون الحاجة إلى اقتراض بنكي. كما دعمت قطاع التجزئة والمتاجر الصغيرة، وعزّزت التحول الرقمي ضمن رؤية 2030. لكن، الوجه الآخر، لا يخلو من مخاطر، فسهولة التقسيط تشجع على الاستهلاك غير الضروري، وتفتح الباب لشراء سلع لم تكن ضمن الأولويات. إن تراكم عدة أقساط من منصات مختلفة قد يضع الأسرة أمام ضغط مالي خانق، بخاصة إذا تأخرت في السداد، وما يترتب على ذلك من رسوم إضافية أو تأثير سلبي على السجل الائتماني.»
عوائق مستقبلية
يكمل آل سيف «الدراسات المحلية، ومنها ما أُجري على طلاب الجامعات، تشير إلى أن الاستخدام المتكرر لهذه الخدمات يقلل من معدلات الادخار، ويؤجل الاستثمار الشخصي، مما يعني أن الراحة اللحظية قد تتحول إلى عائق مستقبلي.»
ولتفادي ذلك، ذكر عدة توصيات:
1. شفافية أكبر: إلزام المنصات بعرض جميع الرسوم والغرامات بوضوح قبل إتمام أي عملية.
2. توعية مالية: إطلاق حملات توعوية لتعزيز ثقافة التخطيط والادخار لدى المستهلكين.
3. حدود تنظيمية: وضع سقف لعدد الأقساط أو لحجم الالتزامات المسموح بها لكل فرد، لتفادي الإفراط في الدين.
4. تشجيع الادخار: ربط بعض المنصات بخيارات ادخارية أو مكافآت لمن يلتزم بالسداد المبكر.
5. رصد الأثر الاجتماعي: إجراء دراسات دورية لقياس انعكاسات هذه الخدمات على الأسر والصحة المالية للمجتمع.
وأردف «المنصات المالية الجديدة أداة قوية تسهّل حياة الناس وتزيد من رفاهيتهم، لكنها تحمل في طياتها مخاطر جدية إذا غاب التنظيم والوعي. إذ إن الموازنة بين الراحة اللحظية والاستقرار المالي هي التحدي الأكبر للأسر السعودية في السنوات المقبلة.»
فائدة، ولكن
بدوره، قال المستشار الاقتصادي د. علي بوخمسين الرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية «علينا أن نعي أولاً: فائدة منصات التقسيط هل هي مفيدة أم لا؟».
ويجيب «نعم، هي مفيدة جدًا، وسهَّلت على الأفراد اقتناء ما يحتاجونه من سلع وتجهيزات ضرورية أو كمالية، أو حتى رفاهية كالترفيه والسياحة، بتكلفة موزعة على دفعات ميسرة، مما خفَّف العبء المالي الفوري ورفع من مستوى الرفاهية الاستهلاكية مؤقتًا. من حيث المبدأ، فهي توفر التمويل بشكل مناسب لنا كأفراد لامتلاك هذه السلع أو الخدمات، خاصة في حال كانت هناك صعوبة في تأمين المال الكافي في وقت واحد، مما يُسهّل علينا الحياة ويجنبنا فقدان احتياجات أساسية قد لا نستطيع شراءها بسبب قلة التمويل المتاح.»
تجاوز المنطق
يكمل بوخمسين «مقابل ذلك، توجد أضرار لهذه المنصات، فهي، بتسهيلها قرار الشراء وامتلاك السلعة فورًا، تدغدغ العاطفة وتتجاوز التفكير العقلاني والمنطقي في دراسة القرار بشكل متعمق. هناك أمران في غاية الأهمية والخطورة: مدى الحاجة الحقيقية للسلعة، وهل هي ضرورة ملحة أو عاطفية، وهل يمكن تأجيلها. ثم، بعد ذلك، يدير الإنسان قدرته المالية، وهل تسمح له بشراء السلعة، وكيفية سداد التزاماتِه المالية، وما إذا كانت تتعارض مع التزامات أخرى، وهل ستؤدي قرارات الشراء غير المدروسة إلى تعثرات مالية مستقبلية. هذا التفكير المنطقي من شأنه حماية المستهلك من الوقوع في مخاطر هذه المنصات التي تتساهل في منح التمويل، حيث تهدف إلى توسيع أرباحها، وتتصعب في تحصيل الأموال لاحقًا، مما قد يُوقعه على القوائم السوداء، ويدخله في خانة المطالبات القضائية، وصولًا إلى تنفيذ الأحكام، وما يترتب عليها من عواقب وخيمة».
تبعات اقتصادية
يتابع بوخمسين «للأمر تبعات الاقتصادية، فقرار الاستفادة من خدمات المنصات بالشراء بالتقسيط يؤدي إلى نشوء ديون جديدة، تمثل التزامات مالية يجب سدادها، وهو ما يترتب عليه تراكم ديون على الميزانية الشخصية. فهل قمت بدراسة هذا الالتزام، وهل دخلك يكفي لسدادِه؟ أم أن لديك ديونًا سابقة زادت من أعبائك؟ وهل زاد دخلك الحالي ليتيح لك السداد؟ ثم، هل يتعارض هذا الالتزام مع مصاريف أساسية مثل فواتير الخدمات، والطعام، والاحتياجات الأساسية للأسرة؟ والسؤال المهم: هل أنت متأكد من استمرارية دخلك طوال فترة الالتزام، لأن فقدان الوظيفة أو تقليل الراتب قد يسببان تعثرات خطيرة، خاصة مع اقتران بعض القروض مثل القروض العقارية أو السيارات، والتي قد تُسحب فيها السلع إذا تأخرت عن سداد الأقساط، مما يعرقل استقرارك المالي بشكل كبير؟
تراكم المديونيات
يواصل بو خمسين حول تمويل المشتريات بالدفعات الميسرة، والدوامة الناتجة عن التعثر المالي، ويقول»تكمن الخطورة في تراكم المديونيات، والتي قد تبدو في البداية صغيرة، لكن مع توسع عمليات الشراء بالتقسيط، تتجمع المبالغ، وتصبح عبئًا ماليًا كبيرًا يعيق الأسر عن دفع التزاماتها الأساسية، مما يضطرها إلى التوسع في الحصول على قروض أخرى، سواء كانت تجارية أو شخصية، لتغطية الديون القائمة، وهو ما يُعزز المشكلة ويحول التسهيلات إلى دائرة مفرغة من الاستدانة.«
وأضاف:»الأمر الأكثر خطورة هو أن بعض الأسر تتجه إلى فتح حسابات باسم الأبناء أو الأقارب، لتجاوز إيقاف الخدمات أو التوسع في الاستفادة من هذه المنصات. هذه الظاهرة لا تقتصر على المشكلات المالية فحسب، بل تمتد لتنعكس على العلاقات الاجتماعية والنفسية، حيث يزداد الضغط على الأسر، وتتأثر العلاقات الأسرية، وتزداد حالات الاضطراب النفسي نتيجة المطالبات المالية المتأخرة وإيقاف الخدمات، مما قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ'الاضطراب المالي الأسري'.«
مشدداً على أن هذا السلوك، من الناحية الاقتصادية، يرفع من معدلات التعثر في السداد، ويؤثر على الجودة الائتمانية للأفراد، مما يقلل من فرصهم في الحصول على تمويلات مهمة، مثل تمويل التعليم والسكن، ويؤثر سلبًا على الدورة الاقتصادية بشكل عام».
منهيا بالتأكيد على أن «دور المختصين من الاقتصاديين والإعلاميين ضروري لتسليط الضوء على هذه المشكلة، بهدف توعية المجتمع وتقليل المخاطر المرتبطة بالتوسع في عمليات الشراء بالتقسيط، التي قد تؤدي إلى كوارث مالية تهدد استقرار الأفراد والأسر».
نتيجة لذلك، يواجه كثير من المواطنين صعوبة في تلبية متطلباتِهم الشهرية الأساسية، مثل المياه والكهرباء، ويجدون أنفسهم أمام مشكلة توقف خدماتهم، ويضطرون أحيانًا إلى فتح حسابات مصرفية خاصة للمشتريات، مما يُدخلهم في دائرة مفرغة من الاستدانة، حيث اضطرت عائلة للاقتراض من زميل لها، وتحويل المبالغ إلى حساب جارها، بسبب توقف خدمات المنزل نتيجة عجزهم عن السداد.
هذه الحالة تعكس أن الاستدانة اللامحدودة أصبحت ظاهرة تسيطر على حياة عدد من الأسر، مما يُهدد استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، ويُظهر الحاجة الماسة لوضع سياسات تنظيمية أكثر صرامة، وتوعية مجتمعية بأهمية إدارة الاستهلاك والديون بشكل مسؤول.
تجربة إيجابية
يذكر المواطن عبدالله العيد أنه استطاع، من خلال هذه المنصات والقروض الميسرة، تجهيز شقته الصغيرة أثناء استعداده للزواج؛ وذلك من خلال شراء الأجهزة الكهربائية وأجهزة التكييف على دفعات سهلت عليه هذه المهمة، منوّهًا إلى أنه كان يخشى تأخير موعد إقامة مراسم الزواج بسبب تعثُّر تجهيز عش الزوجية بالاحتياجات الأساسية من الأجهزة. ولكن وجود مثل هذه المنصات كان داعمًا بشكل فعال وأسهم في استقراره نفسيًا وماديًا.
ولفت «من المهم النظر إلى هذه المنصات على أنها للاستفادة وتسهيل الحياة المادية، وليس العكس.»
توازن ووعي
طرحت «الوطن» سؤالاً لمختصين في الاقتصاد حول مدى إمكانية الموازنة بين تسهيل عمليات الشراء وتحقيق الرفاهية، وبين حماية الأسر من مخاطر الديون والضغط المالي المتزايد؟
ورداً على ذلك، يوضح دكتور الاقتصاد ماهر آل سيف أنه «برزت في المملكة منصات الدفع بالتقسيط، أو ما يُعرف بـ»اشترِ الآن وادفع لاحقًا«(BNPL). هذه المنصات المرخصة سهَّلت على المستهلكين اقتناء ما يحتاجونه بضغطة زر، وأصبحت بديلاً شعبيًا للبطاقات الائتمانية، بخاصة في التجارة الإلكترونية».
وأبان: «بحسب التقديرات، بلغ حجم سوق BNPL في السعودية نحو 1.39 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.54 مليار دولار في 2025، مع نمو يتجاوز 10% سنويًا. كما كشفت منصة 'Tabby' أن 77% من السعوديين يستخدمون هذه الخدمة لشراء الأساسيات، وليس فقط الكماليات.»
الوجه الآخر
أضاف آل سيف «من زاوية إيجابية، أسهمت هذه المنصات في تمكين الأسر من الحصول على السلع الضرورية، مثل الأجهزة المنزلية أو التعليمية، وحتى بعض المنتجات الصحية، دون الحاجة إلى اقتراض بنكي. كما دعمت قطاع التجزئة والمتاجر الصغيرة، وعزّزت التحول الرقمي ضمن رؤية 2030. لكن، الوجه الآخر، لا يخلو من مخاطر، فسهولة التقسيط تشجع على الاستهلاك غير الضروري، وتفتح الباب لشراء سلع لم تكن ضمن الأولويات. إن تراكم عدة أقساط من منصات مختلفة قد يضع الأسرة أمام ضغط مالي خانق، بخاصة إذا تأخرت في السداد، وما يترتب على ذلك من رسوم إضافية أو تأثير سلبي على السجل الائتماني.»
عوائق مستقبلية
يكمل آل سيف «الدراسات المحلية، ومنها ما أُجري على طلاب الجامعات، تشير إلى أن الاستخدام المتكرر لهذه الخدمات يقلل من معدلات الادخار، ويؤجل الاستثمار الشخصي، مما يعني أن الراحة اللحظية قد تتحول إلى عائق مستقبلي.»
ولتفادي ذلك، ذكر عدة توصيات:
1. شفافية أكبر: إلزام المنصات بعرض جميع الرسوم والغرامات بوضوح قبل إتمام أي عملية.
2. توعية مالية: إطلاق حملات توعوية لتعزيز ثقافة التخطيط والادخار لدى المستهلكين.
3. حدود تنظيمية: وضع سقف لعدد الأقساط أو لحجم الالتزامات المسموح بها لكل فرد، لتفادي الإفراط في الدين.
4. تشجيع الادخار: ربط بعض المنصات بخيارات ادخارية أو مكافآت لمن يلتزم بالسداد المبكر.
5. رصد الأثر الاجتماعي: إجراء دراسات دورية لقياس انعكاسات هذه الخدمات على الأسر والصحة المالية للمجتمع.
وأردف «المنصات المالية الجديدة أداة قوية تسهّل حياة الناس وتزيد من رفاهيتهم، لكنها تحمل في طياتها مخاطر جدية إذا غاب التنظيم والوعي. إذ إن الموازنة بين الراحة اللحظية والاستقرار المالي هي التحدي الأكبر للأسر السعودية في السنوات المقبلة.»
فائدة، ولكن
بدوره، قال المستشار الاقتصادي د. علي بوخمسين الرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية «علينا أن نعي أولاً: فائدة منصات التقسيط هل هي مفيدة أم لا؟».
ويجيب «نعم، هي مفيدة جدًا، وسهَّلت على الأفراد اقتناء ما يحتاجونه من سلع وتجهيزات ضرورية أو كمالية، أو حتى رفاهية كالترفيه والسياحة، بتكلفة موزعة على دفعات ميسرة، مما خفَّف العبء المالي الفوري ورفع من مستوى الرفاهية الاستهلاكية مؤقتًا. من حيث المبدأ، فهي توفر التمويل بشكل مناسب لنا كأفراد لامتلاك هذه السلع أو الخدمات، خاصة في حال كانت هناك صعوبة في تأمين المال الكافي في وقت واحد، مما يُسهّل علينا الحياة ويجنبنا فقدان احتياجات أساسية قد لا نستطيع شراءها بسبب قلة التمويل المتاح.»
تجاوز المنطق
يكمل بوخمسين «مقابل ذلك، توجد أضرار لهذه المنصات، فهي، بتسهيلها قرار الشراء وامتلاك السلعة فورًا، تدغدغ العاطفة وتتجاوز التفكير العقلاني والمنطقي في دراسة القرار بشكل متعمق. هناك أمران في غاية الأهمية والخطورة: مدى الحاجة الحقيقية للسلعة، وهل هي ضرورة ملحة أو عاطفية، وهل يمكن تأجيلها. ثم، بعد ذلك، يدير الإنسان قدرته المالية، وهل تسمح له بشراء السلعة، وكيفية سداد التزاماتِه المالية، وما إذا كانت تتعارض مع التزامات أخرى، وهل ستؤدي قرارات الشراء غير المدروسة إلى تعثرات مالية مستقبلية. هذا التفكير المنطقي من شأنه حماية المستهلك من الوقوع في مخاطر هذه المنصات التي تتساهل في منح التمويل، حيث تهدف إلى توسيع أرباحها، وتتصعب في تحصيل الأموال لاحقًا، مما قد يُوقعه على القوائم السوداء، ويدخله في خانة المطالبات القضائية، وصولًا إلى تنفيذ الأحكام، وما يترتب عليها من عواقب وخيمة».
تبعات اقتصادية
يتابع بوخمسين «للأمر تبعات الاقتصادية، فقرار الاستفادة من خدمات المنصات بالشراء بالتقسيط يؤدي إلى نشوء ديون جديدة، تمثل التزامات مالية يجب سدادها، وهو ما يترتب عليه تراكم ديون على الميزانية الشخصية. فهل قمت بدراسة هذا الالتزام، وهل دخلك يكفي لسدادِه؟ أم أن لديك ديونًا سابقة زادت من أعبائك؟ وهل زاد دخلك الحالي ليتيح لك السداد؟ ثم، هل يتعارض هذا الالتزام مع مصاريف أساسية مثل فواتير الخدمات، والطعام، والاحتياجات الأساسية للأسرة؟ والسؤال المهم: هل أنت متأكد من استمرارية دخلك طوال فترة الالتزام، لأن فقدان الوظيفة أو تقليل الراتب قد يسببان تعثرات خطيرة، خاصة مع اقتران بعض القروض مثل القروض العقارية أو السيارات، والتي قد تُسحب فيها السلع إذا تأخرت عن سداد الأقساط، مما يعرقل استقرارك المالي بشكل كبير؟
تراكم المديونيات
يواصل بو خمسين حول تمويل المشتريات بالدفعات الميسرة، والدوامة الناتجة عن التعثر المالي، ويقول»تكمن الخطورة في تراكم المديونيات، والتي قد تبدو في البداية صغيرة، لكن مع توسع عمليات الشراء بالتقسيط، تتجمع المبالغ، وتصبح عبئًا ماليًا كبيرًا يعيق الأسر عن دفع التزاماتها الأساسية، مما يضطرها إلى التوسع في الحصول على قروض أخرى، سواء كانت تجارية أو شخصية، لتغطية الديون القائمة، وهو ما يُعزز المشكلة ويحول التسهيلات إلى دائرة مفرغة من الاستدانة.«
وأضاف:»الأمر الأكثر خطورة هو أن بعض الأسر تتجه إلى فتح حسابات باسم الأبناء أو الأقارب، لتجاوز إيقاف الخدمات أو التوسع في الاستفادة من هذه المنصات. هذه الظاهرة لا تقتصر على المشكلات المالية فحسب، بل تمتد لتنعكس على العلاقات الاجتماعية والنفسية، حيث يزداد الضغط على الأسر، وتتأثر العلاقات الأسرية، وتزداد حالات الاضطراب النفسي نتيجة المطالبات المالية المتأخرة وإيقاف الخدمات، مما قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ'الاضطراب المالي الأسري'.«
مشدداً على أن هذا السلوك، من الناحية الاقتصادية، يرفع من معدلات التعثر في السداد، ويؤثر على الجودة الائتمانية للأفراد، مما يقلل من فرصهم في الحصول على تمويلات مهمة، مثل تمويل التعليم والسكن، ويؤثر سلبًا على الدورة الاقتصادية بشكل عام».
منهيا بالتأكيد على أن «دور المختصين من الاقتصاديين والإعلاميين ضروري لتسليط الضوء على هذه المشكلة، بهدف توعية المجتمع وتقليل المخاطر المرتبطة بالتوسع في عمليات الشراء بالتقسيط، التي قد تؤدي إلى كوارث مالية تهدد استقرار الأفراد والأسر».