جدة: نجلاء الحربي

تتزايد شكاوى قاطني العمائر السكنية من رسوم الخدمات الإلزامية التي تفرض عليهم، والتي تستوي منهم عادة إما بشكل شهري أو سنوي، تحت ذريعة الصيانة والنظافة وتحسين المرافق.

ويتذمر هؤلاء أكثر من أن سدادهم تلك الرسوم يقابلها غياب شبه تام لأي أعمال صيانة حقيقية، مما يثير تساؤلات واسعة حول آليات الرقابة على جمع تلك الرسوم، والجهات المسؤولة، وحقوق السكان وواجباتهم في مثل هذه الحالات.

معاناة السكان

يوضح عبدالمجيد العتيبي، وهو أحد سكان العمائر في حي الصفا بجدة أن هناك رسوماً تفرض عليهم شهريا تتراوح بين 150 و400 ريال شهريًا، وقال «لا نمانع بدفع هذه الرسوم إذا كانت تقابلها خدمات ملموسة، لكن المشكلة، كما يصفها السكان أن الصيانة غائبة والنظافة ضعيفة، والإنارة معطلة، والمصاعد كثيرًا ما تتوقف، فيما تتحول الساحات الخلفية والممرات إلى أماكن مهملة بلا متابعة».

ويشير أحد السكان إلى أنه اضطر لاستدعاء فني وعلى نفقته الخاصة لإصلاح عطل في المصعد بعد تجاهل المسؤول عن العمارة مطالبات السكان المتكررة.

ويضيف عبدالله القحطاني، وهو ساكن في حي المروة أن السكان يدفعون رسومًا ثابتة تحت مسمى خدمات، لكنه علق «لكننا لا نجد خدمة واحدة فعلية. كل ما يحدث هو جمع الأموال فقط». متسائلاً: أين تذهب هذه الرسوم، وهل هناك نظام يلزم ملاك العمائر أو من يتولون إدارتها بتقديم خدمات حقيقية مقابل هذه المبالغ؟

توثيق الخدمات

من جانبه، يوضح الخبير العقاري فهد الزهراني أن «الأصل في رسوم الخدمات السكنية هو أنها تُفرض وفق اتفاق مكتوب بين المالك والمستأجر، أو بين اتحاد الملاك إن وُجد، بحيث يتم تحديد نوع الخدمات المقدمة وقيمتها الدورية». ويشير إلى أن «المشكلة تظهر في العمائر التي يديرها أشخاص بشكل فردي ودون توثيق أو تنظيم، حيث يتم فرض الرسوم دون أي التزام أو رقابة».

ويضيف، «هناك مبالغ يجب أن تنعكس مباشرة على نظافة المبنى وصيانة المرافق الأساسية مثل المصاعد، الخزانات، الممرات، والإنارة. وإذا لم تكن هناك خدمات ملموسة، فمن حق السكان الاعتراض رسميًا ورفع شكوى عبر الجهات المختصة مثل منصة (بلدي) أو (إيجار)، خصوصاً إذا كانت الرسوم مفروضة دون عقد واضح يحدد الالتزامات».

لجنة من السكان

في المقابل، يحمل مستثمرون عقاريون جزءًا من المشكلة لقلة وعي السكان بحقوقهم، إذ يقبل البعض الدفع دون مطالبة بإثبات، أو متابعة، أو حتى محضر خدمات يوضح أين صُرفت المبالغ. ويؤكد أحدهم أن وجود لجنة من السكان أو اتحاد ملاك يمكن أن يحل جزءًا كبيرًا من الإشكالات، لأن إدارة المبنى تصبح جماعية وشفافة، ويتم تحديد الاحتياجات وفق الأولويات، وتوثيق جميع المصروفات.

تفعيل الرقابة

على الصعيد الاجتماعي، تؤكد الأخصائية الاجتماعية مها الأحمدي أن «مفهوم الخدمات المشتركة لم يُفهم بشكل صحيح في كثير من المباني، مما يخلق توترًا بين السكان والمسؤولين عن العمائر».

وتضيف، «عندما يشعر السكان بأنهم يُستغلون ماليًا، تتراجع الثقة ويصبح المجتمع السكني هشًا، ويكثر النزاع حول أبسط الأمور».

وتؤكد أن «وجود صيانة حقيقية ونظافة مستمرة ليست رفاهية، بل ضرورات تؤثر على الصحة النفسية والجسدية للسكان، خصوصًا الأسر التي تضم أطفالًا وكبار سن».

وتطالب بضرورة تفعيل الرقابة بشكل أقوى على المباني السكنية، ووضع آلية واضحة لفرض الرسوم، وإلزام مديري العمائر بتقديم تقرير دوري يوضح ما تم إنجازه من أعمال صيانة ومصروفات. وترى أن الشفافية هي العامل الحاسم لإنهاء هذه الإشكالات، مضيفة أن المشكلة لم تعد مالية فقط، بل أصبحت قضية تتعلق بجودة الحياة داخل المباني السكنية، وهو ما ينعكس مباشرة على الصحة النفسية والعلاقات بين الجيران.

وتوضح، «حين يعيش السكان في بيئة سكنية مهملة، تكثر الخلافات ويزداد التوتر. الحل التنظيمي ليس مجرد ضبط للرسوم، بل تحسين منظومة السكن بالكامل. وجود جهة رقابية تتابع شكاوى السكان وتُقيم مستوى الخدمة سيخفف كثيرًا من الاحتقان ويزيد من جودة الحياة المجتمعية».

إدارة واضحة

الخبير العقاري، المهندس فهد العبدالله يؤكد أن «السوق العقاري شهد توسعًا كبيرًا، لكن التشريعات الخاصة بإدارة المباني السكنية لم تواكب هذا النمو بالشكل الكافي، مما فتح المجال لاجتهادات فردية قد تُستغل في بعض الأحيان»، مشيراً إلى أن رسوم الخدمات يجب ألا تُفرض بطريقة عشوائية.

وقال، «المطلوب هو إلزام كل عمارة بوجود إدارة واضحة، سواء عبر اتحاد ملاك أو مشرف مُسجل لدى الجهات الرسمية، مع تقديم تقارير دورية توضح المصروفات والخدمات المنجزة. هذا وحده يضمن وجود شفافية ويمنع التلاعب».

توثيق عقد إلزامي للخدمات

يوضح المستشار القانوني خالد ياسر أن «العقود الحالية بين المالك والمستأجر غالبًا لا تتضمن تفاصيل دقيقة حول رسوم الخدمات أو طبيعة الالتزامات، مما يجعل الخلافات متكررة وصعبة الفصل».

ويقترح أن يتم تضمين بند إلزامي في جميع عقود الإيجار يحدد بالتفصيل قيمة الرسوم ونوع الخدمات المقدمة ومواعيد الصيانة الدورية وطريقة تقديم الشكاوى في حال الإخلال بالالتزامات.

ويضيف، «طالما لا توجد بنود واضحة، سيبقى السكان يدفعون مقابل خدمات غير موجودة، وستظل الشكاوى معلقة دون نتيجة».

توثيق إلكتروني

يذهب الخبير في إدارة الممتلكات عبدالله الحربي إلى طرح حل إضافي، وهو تفعيل نظام «التوثيق الإلكتروني للمصروفات بحيث تُسجل جميع نفقات صيانة المبنى في منصة رسمية يمكن للسكان الاطلاع عليها».

ويقول، «إذا عرف كل ساكن أين ذهب كل ريال دفعه، ستنتهي المشكلة. الشفافية الكاملة كفيلة بإعادة الثقة ومنع أي استغلال، أما الحل الأكثر تكرارًا بين الخبراء فهو إنشاء لجان سكان أو اتحادات ملاك إلزامية في العمائر التي تضم عددًا معينًا من الوحدات. ويرى المختصون أن هذه اللجان ستنظم عملية جمع الرسوم، وتوثق المصروفات، وتحدد الأولويات، وتمنع الفجوة الكبيرة بين ما يُدفع وما يُنفَّذ من أعمال».

قابلية الحل

يتفق الجميع على أن المشكلة قابلة للحل بسهولة إذا توفرت آليات رقابية واضحة، وتوثيق مالي دقيق، وعقود مُلزمة تُراعي حقوق السكان، بحيث لا تُفرض عليهم رسوم بلا خدمة، ولا يتولى إدارة المبنى أشخاص غير مؤهلين أو غير خاضعين لأي رقابة.

وتبقى الخطوة المنتظرة هي تبني الجهات المختصة هذه الحلول التنظيمية، لضمان بيئة سكنية عادلة وشفافة توفر للسكان خدمات حقيقية توازي ما يدفعونه من مبالغ.