قبل ما يقارب الأسبوعين، كتبت مقالا بعنوان «وزارة الخارجية.. لم يتغير شيء»، بمناسبة مرور سنة على الهجمة الشرسة على المملكة.

ولكن، للأسف لم يتغير شيء كثير في السياسة الإعلامية للخارجية، وكيفية تعاطيها مع الهجمات على المملكة، ولم نر تحرّكا ملموسا وواضحا من سفاراتنا في الخارج، وضربت أربعة أمثلة على هذا الضعف وكان هناك عشرة. وقد قام الزملاء الأعزاء في «الوطن» بتعديل وتلطيف العنوان إلى «حاجة السعودية لإعلام خارجي صلب»، وهي مدارس متنوعة في الصحافة، كلها تؤدي الغرض نفسه، ما دامت فكرة ونص المقال موجودة.

لا أبالغ إن قلت إن هناك إجماعا على ضعف إعلامنا الخارجي، وردود سفاراتنا، ونشر صورتنا الصحيحة، وهناك شبه إجماع على أنه لم يتغير كثيرا رغم مرور سنة، فما زالت الردود متأخرة، ولا توجد إستراتيجية محترفة للرد أو المبادرة، وأداء كثير من السفارات في الأزمة السابقة كان ضعيفا، ومرت سنة ولم يتغير كثير.

وكما هي عادة القيادة العليا، تراقب أجهزة الدولة وأدائها، ولاحظت ما لاحظه الغالبية من عدم تحسن الأداء.

لذلك، أرادت بث روح النشاط والحيوية والشباب، وكسر الجمود والبيروقراطية في الوزارة وفي السفارات بالخارج، خلال تعيين الأمير فيصل بن فرحان وزيرا.

سأتكلم في هذا المقال بمنتهى الصراحة ودون مجاملات، لأنه أصبح واضحا للجميع أن القيادة العليا تراقب عن كثب أجهزة الدولة، وتتخذ إجراءات حازمة من تغيير وإعفاء، ولا تنظر إلى المجاملات، بل تقيس الأداء.

كتبت في يناير الماضي مقالا بعنوان «هل يفعلها العساف..»، وسبّب ردود فعل هائلة، وللأسف تلقينا سيلا من الشتائم من بعض الغاضبين، وما زلت أؤكد ما كتبته، والأيام أظهرت صحة ما ذكرناه، أن الوضع السابق غير منطقي، وأن التغيير أصبح شيئا ضروريا لوزارة الخارجية وسفاراتها وأدائها، وتعيين الأمير فيصل بن فرحان إشارة واضحة إلى أن القيادة العليا تريد التغيير والتطوير الجذري، الذي -وللأسف- خلال السنة السابقة لم يحدث كما أريد له.

الأمير فيصل رجل ذكي ولمّاح وعملي ومتواضع للغاية، ومرت فترة طويلة منذ عرفته، ولم أكن أعرف أنه من الأسرة الحاكمة إلا بالصدفة من صديق مشترك، وفعلا كان متواضعا بِرُقيّ، وأعرف حرصه وكلامه وحماسه، ونقاشه عن صورة البلد في الخارج.

الأمير فيصل -بكل واقعية- أريد أن أقول لك، إن وضع الخارجية والسفارات لا يسر!. إن الوزارة والسفارات كلها تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة، وليس مجرد تحسينات.

خلال الوقت الماضي، السفارات وصلت إلى مرحلة تحتاج فيها تدخلا جراحيا حادا، وليس مجرد علاجات أو مسكنات.

للأسف، الواسطات والبيروقراطية أنتجت عددا من الدبلوماسيين غير الفعّالين وغير المنتجين، بل تستغرب كثيرا أن تجد دبلوماسيين لا يعرفون أساسيات العمل الدبلوماسي والسياسي، غالب خبرتهم «صادر ووارد، واستقبل وودع».

تجده في الوزارة والسفارات منذ عقد وأكثر، ولكن خبرته الحقيقية ضئيلة، لأنها مكررة بأشياء مكتبية أو بروتوكولية.

أما بعض السفراء في برجه العاجي، وأداؤه أقل من عادي، لا يعرف كيف يرد على خبر خاطئ في صحيفة محلية في دولة من العالم الثالث، وغالب علاقاته بروتوكولية، لا يعرف أو لا يمارس أدواره الثلاثة المعروفة في علم السياسة.

فليس بالذي له نفوذ سياسي في الدولة المرسل إليها، ويوثر فيها لحماية المصالح السعودية، وليس بالنشط على مستوى الدبلوماسية العامة والثقافية، وتحسين الصورة والإعلام، وليس بالنشط في العناية بالرعايا والسهر على مصالحهم، بل قد تجده متقوقعا على نفسه، صعب الوصول إليه، ولا يعرفه إلا موظفو السفارة وسائقه!.

هناك بعض الدبلوماسيين أخذ موضوع التمثيل الدبلوماسي «برستيج» وسَفَرا، وكأنه تشريف وليس تكليفا، وعندما تناقشه في أمر ما لا تجد عقلية مبهرة، أو كلاما مؤثرا، يتأتى بعد جملتين!.

مبدئيا، لا أحب الشخصنة، لذلك لم ولن أذكر أحداثا أو أسماء في مقالاتي، ولكن الأحداث والمواقف كثيرة.

الوزارة تعاني من ترهل وبيروقراطية، وتحتاج إلى فلترة، ببقاء الكفاءات والمجدّين، وتحويل الزوائد إلى القطاعات الحكومية الأخرى أو التقاعد.

نريد أن نرى دبلوماسيين يحرثون الأرض ليلا ونهارا، للدفاع عن المصالح السعودية حول العالم. نريد أن نرى احترافية وخططا عملية لتغيير النمط والصورة السعودية في الخارج. نريد أن نرى سرعة واستباقية في الردود السعودية على الأحداث.

هل يُعقل، 18 سنة لا يوجد متحدث لبق يفهم العقلية الغربية، ويعرف كيفية الرد عليها إلا الجبير؟ نريد أن نرى «شبيلي ومنقور وقصيبي وجبير» جديدا.

بصراحة، لدينا مئات السفراء والقناصل حول العالم، لو تسأل المواطن العادي لا يعرفهم!، بينما سابقا الجميع يعرف السفير الشبيلي والمنقور، رغم عدم وجود ثورة اتصالات في عهدهم. الناس شهود الله على الأرض.

فعلا وبكل صدق، أتمنى نجاح الأمير فيصل في مهمته الجديدة، وأحذّر من المطبلين والمتسلقين، سواء من المسؤولين في الوزارة أو الإعلاميين، وهو يعرفهم، وكان ينتقد إعلامنا بسببهم. أعرف أنك إنسان عملي جدا، وتقيّم الناس على أدائهم، لكن الوضع الحالي للوزارة -من وجهة نظر شخصية- يحتاج حزما، مع أنها مقر الدبلوماسية!.

وما يشبه العلاج الهجومي الحاد، أو ما يشبه الجراح، يستأصل الأعضاء المصابة ويعمل على استقرار حالة المريض وتحسنها.

الوقت والعلاجات الطويلة ترف لا نملك كثيرا منه في أوضاع المنطقة الملتهبة الحالية.

افعلها على بركة الله يا سمو الوزير، وابدأ موجة تسونامي التغيير والحزم، ومكافحة الواسطة والفساد وعدم الكفاءة والبيروقراطية في الوزارة، واجعلها تمرّ على كل الرؤوس دون استثناء، حتى لو أطاحت بكثيرين، فمكانة وسمعة وصورة البلد أهم من أي مجموعة من الأشخاص، ومصالح البلد مقدمة على الأفراد.