(عنف) لم تكن هذه المفردة من المفردات المتداولة في المجتمع، لم يكن الناس يتناقلون حكايات معنفين ومعنفات! هل لأن العنف كان يتم بين الجدران والجدران ليس لها دائماً آذان، أم بسبب انفتاح العالم على بعضه ووجود منصات متاحة للفضفضة أصبحت الحكايات أكثر انتشاراً، إذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نترحم على من قضى نتيجة العنف الأسري، وأن نؤمن أنه ما زالت هناك قصص مخفية لا يفضحها إلا الموت.

حسب دراسة سابقة قرأتها عن العنف الأسري في مجتمعنا، العنف الجسدي هو أكثر أشكال العنف الأسري، وأن الضرب باليد يشكل قرابة 50% من حوادث العنف، وبينت الدراسة أن أعلى نسبة بين ضحايا العنف كانت الأخت، وفي دراسة أخرى تضم ألفي سيدة، كانت نسبة النساء المعنفات واحدة من بين كل عشر نساء، وكان الزوج هو الأكثر تعنيفاً أي أن الزوجة هي أكثر ضحايا العنف. العنف أصبح ظاهرة مقروءة ومرئية ومسموعة، العنف ليس ضرباً فقط بل عنف نفسي، لا نستطيع أن نقول إن معدل العنف في المجتمع قد ارتفع لأنه لم تكن هناك دراسات وإحصائيات قديمة لمقارنتها بما نقرأ اليوم ونرى.

اليوم أجد أن الأطفال هم الضحايا الأعظم للعنف، يُعنفون أطفالاً فإما يموتون أو يتمردون، العنف ليس حصراً على طبقة معينة من المجتمع، في عام واحد تم تسجيل قرابة 340 حالة عنف ضد الأطفال في مستشفى واحد، ومعظمها حدثت لأطفال أعمارهم أقل من خمس سنوات، الاعتداء يكون عادة بالضرب أو الحرق أو كسر العظام وخلع مفصل، أكثر أنواع العنف ضد الأطفال في المجتمع هو الإهمال سواء في التعليم أو الصحة والعنف النفسي، وبعدها يأتي العنف الجسدي. ما هي مخرجات الطفل المعنف والمهمل والذي تم إيذاؤه نفسياً؟

سيعاني الأطفال المعنفون من تدني احترام الذات والكآبة، ويجدون صعوبة في تكوين علاقات تتسم بالاستقرار والأمان، وتُظهر الأبحاث أن الأطفال الذين عانوا من سوء المعاملة أو العنف، هم أكثر عرضة لتحصيل علمي أقل، ويكونون عرضة للانحرافات الأخلاقية، وبينت إحدى الدراسات البريطانية، أن الأفراد الذين يرتكبون جرائم خطيرة عانوا من سوء المعاملة خلال طفولتهم. وبالرغم من أن حكومتنا - حفظها الله- وضعت القوانين الصارمة، والتشريعات التي تضمن حماية الطفل، إلا أن العنف ما زال يُمارس على بعض الأطفال، بكل أشكاله بين الجدران وبعيداً عن الأنظار، ومن أقرب الناس إليهم في كثير من الأحيان، إذا كان أحد الوالدين يعاني من خلل نفسي، أو يدمن المخدرات، أو بين أبوين منفصلين، والأطفال يعانون من قسوة زوجة أب أو زوج أم أو أسرة تعاني من ظروف اقتصادية قاسية. نحتاج أن نمنع العنف قبل وقوعه، لأنه من الصعب التعافي من ندبات العنف النفسية.

ليس من السهل أن ينسى الطفل وإن نسي الكبار، فالألم الجسدي ربما يكون قصير الأمد، ولكن الألم النفسي يبقى ما بقي الإنسان.

أعتقد من المهم إضافة فحوصات تحليل الإدمان على المخدرات والفحوصات النفسية والعقلية لفحوصات ما قبل الزواج، حتى تنشأ أسر مستقرة وأطفال أسوياء ومجتمع سليم.

@seniordoctor