عُرفت الأحساء بجمال نخيلها وصفاء سمائها ما يملأ قلب الإنسان بالفن الإبداعي في شتى مجالات الحياة، والفنان مطلق دخيل، الذي عرف هادئا صامتا قليل الكلام، لا يتحدث إلا مع أوتار عوده الذي تعلم العزف عليه مبكرا، ولد ونشأ فيها. كان والده يشد من أزره ويشجعه، لامتلاكه صوتا دافئا وإحساسا معبراً، كانت ريشته وطريقة عزفه على آلة العود تعبر عن إحساسه الخفي وعبقه الصافي.

ثمن العود

والده كان فلاحاً بسيطاً، ما دفعه للذهاب إلى عدة أماكن بحثا عن عمل، بينما كان في طفولته يسمع ويُطرب لأغاني الفلاحين والبنائين والرعاة وفرق السامري والعرضة وفنون البحر، يرددها ويغنيها. خليل الرشيد كان من الفنانين المهمين في ساحة الغناء بالمنطقة الشرقية في ذلك الوقت، والده قدمه له قائلا: هذ ابني مطلق مولع بالغناء، ويحب أن يتعلم منك شيئا، فطلب الرشيد من مطلق أن يغني، فغنى لأم كلثوم وبعضاً من الأغاني التي حفظها من المذياع. أعجب الرشيد بصوت مطلق وساعده على عزف العود، وطلب شراء العود منه، لكنه لم يستطع دفع ثمنه، فرهن ساعته حتى يأتي بالمبلغ.

فرقة هجر

أول انطلاقة لمطلق دخيل وهو عنقود فني من عناقيد الليل الطويل، كانت بمنتصف الخمسينيات الميلادية حينما شارك في حفلات منطقة الأحساء بزيارة الملك سعود، رحمه الله، وغنى (يا سعدي أنا الليلة)، وأغنية (لك سلامي أيها الملك العظيم) من كلمات الشاعر حمدان بن ناصر. ساهم بعدها بتكوين أول فرقة موسيقية بالمنطقة الشرقية، في الستينيات الميلادية، وهي (فرقة هجر الغنائية) التي بدأت شاركت في احتفالات الأهالي واحتفالات الأندية الرياضية، ما أسهم انتشار اسم مطلق دخيل على نطاق المنطقة الشرقية.

احتكار العبندي

(شارع المدير) هو أحد الشوارع الرئيسة بوسط مدينة الهفوف، وكان مشهوراً بمحلات بيع الآلات الموسيقية والأسطوانات الغنائية على جانبيه، وأشتهر أيضا بأستوديوهات التصوير الضوئي، وكان أبرز تلك المحلات محلات (العبندي) و(المحسن) و(الحبيصي) وهم أول من افتتح محلات لبيع الأسطوانات الغنائية. وبدأ العبندي يسجل للفنانين المحليين في أسطوانات، ومن هؤلاء الفنانين (عبداللطيف الحمدان)، رحمه الله، و(عبدالله بوخوه)، و(أحمد الباروه)، و(طاهر الأحسائي)، و(عيسى الأحسائي) ومعظم فناني الأحساء في تلك الحقبة.

ووقع مطلق دخيل عقد احتكار لمدة أربع سنوات للعبندي، سجل فيها من أغنياته الكثير على (أشرطة النحاس) التي كانت ترسل إلى اليونان لنسخها على (أسطوانات) وبعدها أتت (أسطوانات بلاستيكية)، ثم ظهور الشريط المعروف بالكاسيت.

الذيوع

سجل (العبندي) عددا لا يستهان به من الأغاني لمطلق،أبرزها (أسهر مع التفكير)، سافر بعدها مطلق للبحرين، وهناك سجل لإذاعة البحرين بعض الأغاني على أسطوانات القارئ السوداء، ومنها أغنية (البارحة يا حبيبي) من كلمات عبدالله العرفج، وعندما افتتحت (مؤسسة سهيل فون) بالدمام سجل عن طريقها عددا من الأغاني، أشهرها على الإطلاق أغنية (القطار) التي اشتهرت في كل مكان بالمملكة، فشاع اسمه وذاع خارج الأحساء والمنطقه الشرقية.

ومن كلماتها:

ترى أول عذابي يوم قالو حبيبك راح... ركب في القطار ولا تصرف يوادعني

وصلت المحطة واحسب أنه كلام مزاح... وزاد العنا بي يوم شفته يطالعني

لقاء طارق

ذات يوم كان الفنان طارق عبدالحكيم بالمنطقة الشرقية ماراً بأصدقائه الفنانين هناك، وكان في ضيافة المنتج (محمد سهيل) فاستمع إلى مطلق دخيل عن طريق آلة التسجيل فأعجب طارق بما سمعه من عزف جميل على آلة العود، فسأل «من هذا الفنان؟»، فقال له سهيل، إنه مطلق دخيل، فطلب طارق رؤيته، تم ترتيب جلسة فنية حضرها مطلق، وتعرف عليه عن قرب، واستمع إليه طارق، وأشاد بعزفه كثيرا، وأثنى عليه جدا.

تاه الود

في منتصف الستينيات الميلادية سافر الكثير من الفنانين السعوديين إلى لبنان، منهم طارق عبدالحكيم وطلال مداح وجميل محمود وعبدالله محمد وغيرهم من الفنانين، للاشتراك في حفلات هناك، فراودت مطلق دخيل فكرة السفر إلى لبنان لتسجيل شريط. تم له ذلك وسافر إلى بيروت، وسجل عدداً من الأغاني، أشهرها (تاه الود). وعند عودته من بيروت تلقى دعوة مدير البرامج في محطة تلفزيون الدمام محمد عبدالله الملا، طالبا منه تسجيل أعماله الغنائية لتلفزيون الدمام الذي لم يمض على افتتاحه حينها إلا أشهر معدودة، فسجل (تاه الود) وكانت أغنية الموسم، بل كانت أول أغنية محلية تذاع من تلفزيون الدمام. وكرر المحاولة وسافر إلى القاهرة وسجل أغنيتين فقط على حسابه الخاص، هما (أسهر مع التفكير)، والأخرى من كلمات إبراهيم الغدير، يقول مطلعها (البعد بعد القلوب ما هي مسافات الدروب).

حفلات

شارك مطلق دخيل في كثير من الاحتفالات الغنائية، وحفلات (نادي الضباط) مع جميل محمود، والحفلات التي نظمها فرع جمعية الثقافة والفنون بالأحساء، وحفلات مسرح التلفزيون الذي ينتجه تلفزيون الدمام، كما شارك في حفلات الأعياد وهي موثقة بالتلفزيون السعودي. وشارك في (مهرجان الجنادرية) في فقرات الفنون الشعبية، وفي مناسبة افتتاح (مشروع الري والصرف) حيث غنى (إذا قصدك تتسلى لا يفوتك مشروع الري) من كلمات محمد الجنوبي.

أصالة اللحن

كرم مطلق دخيل الذي لُقب بـ(بلبل الجزيرة) من قبل فرع جمعية الثقافة والفنون بالأحساء، وتكريم (الرواد العرب) من (جامعة الدول العربية) بالقاهرة، كما تعاون مع الكثير من كُتاب الأغاني مثل (حمدان بن ناصر) و(محمد الجنوبي) و(أحمد العرفج) و(إبراهيم الغدير) و(عبدالوهاب المتيعب). وسجل خمس عشرة أسطوانة، وعددا من الألبومات والأغاني المنفردة، كما لحن للعديد من الفنانين كرابح صقر وحسين قريش وعادل خميّس.

حيث تتميز ألحانه بسلاسة وانسجام مع بساطة الكلمة، لمتذوقي الفن الغنائي الأحسائي، كما ربطت ومزجت بين أصالة الماضي وروح الحاضر.

- مطلق دخيل مطلق العويس

- ولد في الأحساء بحي السياسب 1937

- لُقب بـ"بلبل الجزيرة"