لكل إنسان حقوق وواجبات، فإن عرف حقه وقام بواجبه، تحقق قانون الحياة والعدالة، فلا ضرر ولا ضرار.

وإن لم تُحدد ما هي الواجبات والحقوق، ولم يعرف كل فرد ما له وما عليه، أصبحت الدنيا فوضى.

ومن أعظم الحقوق وأجلها هي حق المريض على طبيبه وواجب الطبيب تجاه مريضه.

كل طبيب تعلم ليحافظ على أرواح الناس، ويخفف من آلامهم، ليعيش الإنسان بشكل أفضل، ويستمر في العلم من المهد إلى اللحد، ليقدم الخدمة الأفضل لمرضاه، وليتعلم أكثر وينفع مجتمعه، فالطب في تقدم مستمر، فما تعلمناه بالأمس ربما يصبح غير قابل للتطبيق الآن، لأن النظريات والشواهد المستجدة أثبتت أن هناك طرقا أفضل وعلاجات أنجع.

من حق المريض على الطبيب أن يعالجه حسب المعايير الطبية المتعارف عليها، وحسب متطلبات حاجته وتشخيصه، فلكل مرض علاج مختلف، ولكل مرض تخصص أيضاً مختلف، فمن غير الأخلاقي مثلاً أن يعالج طبيب عام مريضا بالقلب، فلربما أودى بحياته، أو تأخر في تشخيص مضاعفاته، فتسوء حالته.

فمن المتعارف عليه أخذ الاستشارات في الحالات التي تحتاج إلى تخصصات دقيقة، أو تخصصات مختلفة، وكل ذلك ليس لإتعاب المريض وضياع وقته، أو لاستنزاف جيبه إذا كان يُعالج في منشأة خاصة، بل لأن الحالة تتطلب ذلك.

كل يوم نقرأ عن الأخطاء الطبية وضحاياها، وهذه تقع أحياناً ضمن المفهوم الخاطئ، أو يتم تحليلها بشكل غير صحيح، لو أننا أدركنا العوامل المؤثرة في المريض، أوعرفنا ماهية المرض، سوف تقل الشكاوى المرفوعة باسم خطأ طبي، أو إهمال طبي.

ما هو الخطأ الطبي؟ يُعرف على أنه كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأصول الطبية، التي يقضي بها العلم، يترتب عليه ضرر للمريض من جراء ذلك المسلك، فإذا عرفنا أن الشريعة الإسلامية جاءت للحفاظ على الضرورات الخمس:

حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العقل، فإذا نظرنا وجدنا مهمة الطبيب تتحقق بها الضرورات الأخرى، فكلها لا تقوم إلا بالصحة والجسم السليم.

كل خطأ طبي كان بسبب تشخيص خاطئ، أو معالجة بغير مختص، أو بسبب تجريب علاج على مريض، لم يتم تطبيقه وليس من المعايير المتعارف عليها، أو عدم متابعة الحالة وإهمالها، فهذه من الأخطاء المنصوص بعقوباتها، المتعارف عليها حسب القانون الصحي.

ولكن يجب علينا أن نفرق بين المضاعفات، التي يتعرض لها المريض كجزء معروف من المرض، أو الإجراء الذي خضع له، وبين الخطأ الطبي أو الإهمال، وهنا يأتي دور تثقيف المريض، وأخذ الإقرار بذلك قبل التنويم أو الإجراء الطبي.

فإذا درسنا عدد القضايا المرفوعة باسم الأخطاء الطبية، نجد كثيرا منها بعد دراستها تقع ضمن المضاعفات، وليس الأخطاء، حتى في أمريكا، والتي يراها ربما كثير من الناس، النموذج الأفضل للرعاية الصحية، فإن فيها كثيرا من قضايا الأخطاء الطبية، فهناك دارسة أمريكية ذكرت أن قرابة ربع المليون إنسان في أمريكا تقتله الأخطاء الطبية، ولكن ظهرت دراسات أخرى وذكرت أن هذه الأرقام غير دقيقة ومبالغ فيها، آخذة في الحسبان عمر المريض وحالته الصحية، وطبيعة المضاعفات المتوقعة للحالة المرضية.

ولتقييم العدد الفعلي لقضايا الأخطاء الطبية وضحاياها لدينا، يتوجب علينا دراسة فعلية لملفات القضايا الطبية بوجود مختصين بالقانون الصحي، وتوفير محامين طبيين، ولجنة طبية من استشاريين مختصين.

العدالة هي أن تعرف ما لك وما عليك وأن تعطي كل ذي حق حقه.