في المقابلة التي أجريت مع وزير الدولة للشؤون الإفريقية أحمد قطان. وفي حديثه عن الأمير سعود الفيصل وطريقة تعامله معه، وخصوصا الموقف الذي وقع بعد حادثة الاعتداء على السفارة في مصر ومن ثم حضور الوفد المصري للاعتذار. وكذلك ما حدث بعد ترؤس قطان للوفد السعودي في قمة سورية، وصلني إحساس الموظف الذي يشعر بتعامل رئيسه كند لا تابع. مدهش جدا هذا الشعور وهذا الإحساس، وجميل جدا هذا الفخر والاعتزاز.

الحقيقة أن أكثر ما شدني ويشدني في شخصية سعود الفيصل، هي طريقته في اختياره للعاملين معه، ومن ثم محاولته لصناعة الرجال في وزارته الضخمة. عمليتان عظيمتان لا يقدر عليهما إلا الرجال العظماء.

اكتشاف الرجال يحتاج الصبر والتأني وبعد نظر. وبناؤهم وتدريبهم والتجاوز عن حدتهم وغضبهم وتصرفاتهم، عملية أصعب من الأولى بكثير.

أسماء كثيرة لامعة في سماء السياسة السعودية نعرفهم، وأسماء أكثر نجهلهم جاؤوا كنتائج طبيعية لصناعة القيادات في الصف الأول، والتي قاد زمامها سعود رحمه الله.

متحسر جدا على عدم كتابته لمذكراته، وأتمنى فعليا من ورثته لو كانت هناك مذكرات شخصية محتفظ بها بين أوراقه، أن يتم التشاور مع أصحاب الشأن في نشرها والإفراج عنها. أو لعل المعهد المسجل باسمه في الوزارة يضطلع بهذه المهمة، بل ويتوسع في تدوين تجربته السياسية والدبلوماسية والإدارية والقيادية. لأن هذه التجربة كما يراها الجميع؛ منحصرة لدينا فقط كمتابعين داخل إطار المشهد السياسي. أما أنا شخصيا فأرى أن تجربته الإدارية والقيادية في وزارة الخارجية تعتبر ثروة عظيمة تستحق البحث والاطلاع من قبل الباحثين الإداريين.

وبما أننا نتحدث عن صناعة القيادات، أتذكر ما جاء في كتاب النفط، الطفرة، الثروة؛ خمسون عاما في الإدارة التنفيذية، والذي هو عبارة عن سيرة إدارية للدكتور إبراهيم المنيف. يقول: (إعداد القادة بالنسبة لي كان منطلقه أنه من الضرورة القصوى أن أنمي وأطور الصلاحيات الممنوحة للقيادات، وأن أرفع من منحنى ثقتهم بشخصياتهم، حتى يتمكنوا من التأثير على أتباعهم). ويتحدث في سيرته الجميلة جدا عن كيفية اقتناعه بأن وظيفته أصبحت في النهاية مطورا ومدربا وصانعا للقيادات الوظيفية. حيث يقول: اعتمدت على ثلاثة أبعاد في صناعة القيادات من خلفي: الأول: الثقة بالمرؤوسين. والثاني: المبادرة بتمكينهم. والثالث: عدم التردد في إعطائهم التفويض اللازم للتحرك والاندفاع.

في ظني أن سعود الفيصل ولأنه قيادي بالفطرة، ومولود في بيئة قيادية، طبق ودون أن يشعر كثيرا مما تحدث عنه المنيف في تجربته العلمية والعملية في صناعة القيادات الحكومية وقيادات القطاع الخاص.