بعد سلسلة الإخفاقات المستمرة التي وقع فيها فريق الخبراء المعنيين بالأزمة في اليمن خلال السنوات الأربع الماضية، وانحيازه لجانب الميليشيات الانقلابية على حساب الشرعية، وعجزه عن عكس الحقيقة للعالم، وتزييفه المتواصل للحقائق والوقائع، كان طبيعيا أن يرفض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التجديد له، في سابقة تاريخية في مسيرة مجلس حقوق الإنسان بعد وقفة مشرفة وجاده للمملكة العربية السعودية التي رفضت استخدام حقوق الإنسان وتوظيفها كأداة سياسية وورقة ضغط وابتزاز لممارسة المزايدات والمساومات التي هي أبعد ما تكون عن القضية الأساسية التي من أجلها تم تكوين الفريق.

فعندما أدركت المملكة حجم التآمر الذي يقوم به الفريق وأدركت أبعاده، شمرت دبلوماسيتها عن سواعد الجد، بعد أن وضعت أمام أعضاء المجلس جميع الحقائق بالأدلة والإثباتات، واستطاعت بأقل مجهود أن تضع حدًّا لتلك المهزلة، لأنها لا يمكن أن تسمح للآخرين باستهدافها ولا تستطيع أن تتفرج عليهم وهم يحيكون المؤامرات والدسائس وينسجون خيوط الأكاذيب والأوهام، فأثبتت من جديد علو كعبها وقوة تأثيرها.

الجانب الإيجابي الأكثر أهمية يتمثل في أن إنهاء عمل ذلك الفريق يمثل بشرى سارة للشعب اليمني بإمكانية التوصل إلى حلول عادلة للأزمة، فقد وجد الانقلابيون أنفسهم في مرمى الحسم الدولي بعد زوال الغشاوة المصطنعة التي وضعها أولئك الخبراء المزعومين أمام أعين المجتمع الدولي، وتزييفهم المستمر للحقائق، وتغاضيهم عن الانتهاكات المتكررة التي أنهكت اليمن وأبناءه، وجعلت بلادهم ساحة لتصفية الحسابات السياسية الدولية.

كان واضحًا خلال الفترة الماضية أن فريق الخبراء اللاممي يفتقر إلى الكثير من العناصر الأساسية الواجب توفرها في أعضائه، وصاحب مهمتهم طابع الأجندات والأهواء السياسية وابتعدوا كل البعد عن العمل الحقوقي أو القانوني، ولا أدل على ذلك من السقطات الكثيرة التي وقعوا فيها والتي جعلتهم مثار تندر، وأفقدتهم هيبة الاحترام التي تمكنهم من القيام بأدوارهم.

بدءًا فإن أولى مظاهر ضعف الفريق تمثّلت في أن أعضاءه ليست لهم أي فكرة عن تصنيف الأمم المتحدة والهيئات التابعة لهم لأطراف النزاع، ففي حين تؤكد المنظمة الدولية شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، وتتعامل مع جماعة الحوثيين كميليشيا انقلابية، وفق ما ورد في القرار رقم (2216) الصادر عن مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه، والذي فرض عقوبات على زعيمها، إلا أن الفريق كان يصف الانقلابيين في تقاريره بـ (سلطة الأمر الواقع) ويرمز إلى عبد الملك الحوثي بـ (قائد الثورة)، في الوقت الذي يتعامل فيه مع الجيش الوطني على أنه (ميليشيا تابعة لهادي).

ومع أن منظمات الأمم المتحدة أشارت في تقارير أخرى كثيرة إلى خطورة ما يقوم به المتمردون من تجنيد لعشرات الآلاف من الأطفال الذين دفعوا بهم إلى الصفوف الأمامية في محرقة القتال، وأدانت اتخاذهم المدنيين دروعًا بشرية باستخدام المنازل والمستشفيات ثكنات عسكرية، إلا أن الفريق تغاضى عن كل ذلك ولم يتطرق إليه في أي من تقاريره. بل إنه تجاوز توثيق الاعتداءات الحوثية المتواصلة على الأعيان المدنية في المناطق السعودية الحدودية وهي تجاوزات ما زالت مستمرة حتى اليوم.

كذلك فإن الأعضاء لم يفهموا طبيعة المهمة الملقاة على عواتقهم، ولم يدركوا النقطة التي تنتهي عندها صلاحياتهم، فنصبوا أنفسهم قضاة يصدرون الأحكام القطعية ويحددون الأطراف التي تنتهك قواعد حقوق الإنسان ومبادئها، في حين أن مهمتهم تنحصر فقط في توثيق الانتهاكات وتحديد أماكن وقوعها وتاريخها، فقط لا غير. إلا أن أولئك «الناشطين السياسيين» توهموا أن الفرصة قد جاءتهم لتنفيذ أجندات خاصة تتوافق مع ميولهم وأهوائهم.

الجانب الأكثر أهمية لمثل هذه الفرق واللجان تكون في مصادر المعلومات التي يبنون عليها أحكامهم وتصوراتهم، فطبيعة العمل تفرض عليهم البحث عن المعلومة المجردة من مصادر محايدة بعيدًا عن الأطراف المعنية بالصراع، لكن أعضاء فريق الخبراء ظلوا يستقون معلوماتهم من جهات قريبة من الحوثيين، ومن وسائل إعلام موالية لهم، ومواقع إنترنت مشبوهة ولا تتمتع بالموثوقية، لذلك كان طبيعيًا أن تجيء تقاريرهم بعيدة عن الواقع.

حتى اللغة المستخدمة في التقارير كانت لغة ركيكة ومفككة وبعيدة كل البعد عن تلك التي يجب استخدامها، فمن المعلوم في علم القانون والقضاء أن كل كلمة تحمل معاني ذات دلالات محددة ومقصودة بذاتها، لكن التقارير حملت لغة فضفاضة قابلة للتفسير بمعاني متعددة، وكثيرًا ما وردت فيها عبارات من شاكلة (نظن) و(نتوقع) و(يحتمل)، لذلك فشلت في تحديد تواريخ الانتهاكات وأماكن وقوعها والجهة التي ارتكبتها.

رغم كل ما سبق حاولت قيادة التحالف العربي في مرات عديدة أن تكشف الحقيقة لأعضاء ذلك الفريق المتهالك، وعقدت الكثير من المؤتمرات الصحفية التي تحدثت فيها بلغة الأرقام والأدلة والوقائع، وعرضت لقطات مصورة لانتهاكات الحوثيين، أملا في أن يعود فريق الخبراء إلى جادة الطريق، ويعيد تقييم عمله وتقويم أسلوبه في التعاطي مع الأزمة، لكن لم يحدث للأسف لأنهم كانوا قد أصموا آذانهم وتمسكوا بتنفيذ أجندة معينة.

بهذا القرار التاريخي يؤكد مجلس حقوق الإنسان مجددًا دعمه المطلق للجنة الوطنية اليمنية المستقلة المعنية بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والتي يجب عليها أن تكثف جهودها وتستعين بخبراء إقليميين بالتعاون مع المنظمات الإقليمية للقيام بدورها في هذه المرحلة المهمة من عمر الأزمة اليمنية، وكشف انتهاكات حقوق الإنسان من أرض الميدان والتي كان تتستر عليها الحركة الانقلابية الحوثية.

النجاح الدبلوماسي السعودي لم يتوقف عند هذا الحد بل حققت إنجازًا جديدًا بفوز مرشحتها الدكتورة نورة العمرو عضوًا في اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان بالمجلس بعد انتهاء ولاية المرشح السعودي السابق الدكتور إبراهيم الشدي للفترة الماضية. وهذا انجغاز جديد تسجله المملكة خلال الدورة الحاليّة لمجلس حقوق الإنسان.