بعبارات قوية وكلمات واضحة وجّه المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة، السفير عبدالله بن يحيى المعلمي، انتقاداته إلى مجلس الأمن على السلبية التي يتعامل بها مع اعتداءات المتمردين الحوثيين على المدن والقرى الحدودية والأعيان المدنية السعودية، واكتفائه بالوقوف موقف المتفرج وعدم قدرته على اتخاذ أي موقف حقيقي يدين بها تلك التصرفات التي تتنافى مع القانون الدولي، معربًا عن أسف بلاده وغضبها وتساؤلها عن مدى فاعلية المجلس، وقدرته على أداء دوره.

تلك الكلمات القوية التي أخرجت الهواء الساخن من صدر المندوب السعودي كان لها مفعول كبير على مندوبي الدول الأعضاء، فلم تنته الجلسة إلا بعد إصدار بيان واضح أدان فيه المجلس هجمات ميليشيا الحوثي تجاه أراضي المملكة، مستنكرًا تزايد محاولات استهداف مطار أبها الدولي عبر الطائرات المسيَّرة والصواريخ، مؤكدًا دعمه لاتفاق الرياض، ومطالبًا جميع الأطراف بالتنفيذ البناء لكل بنوده بدون شروط مسبقة، ودعم ومساعي المبعوث الأممي لإنهاء الحرب، ومشددًا على التزامه الكامل بوحدة وسيادة واستقلال اليمن.

لم يكتف البيان بذلك، بل أكد بصورة لا تقبل الشك أن الميليشيات تهدد الملاحة في البحر الأحمر، مستنكرا الهجمات على السفن التجارية قبالة سواحل اليمن. ودعا إلى وقف فوري للنار على مستوى كل البلاد، معربا عن قلقه من تعثر مساعي السلام. كما ندد أيضًا بتجنيد الحوثيين للأطفال في الصراع القائم، مطالباً إياهم بخفض التصعيد في مأرب، ورفع الحصار فورًا عن العبدية، كما حذرهم من استخدام ميناء الحديدة لأغراض عسكرية، وضرورة احترام قرار حظر السلاح. وأدان أيضًا محاولة اغتيال محافظ عدن ووزير الزراعة.

لو كان هذا البيان القوي قد صدر منذ فترة طويلة لكانت الكثير من المعطيات على الأرض قد تغيرت، ولما وجد الانقلابيون فرصة للتمادي في غيهم، بعد أن فهموا سكوت العالم وغضه الطرف عن تجاوزاتهم على أنه تأييد لهم، وظنوا أن بإمكانهم مواصلة اعتداءاتهم على المدنيين، لكن التجاهل الذي ظل المجلس يتعامل به مع الأزمة في اليمن والذي حذرنا منه في مرات عديدة هو الذي أوصل الأوضاع في اليمن إلى هذه الدرجة من التدهور.

والمتأمل لتفاصيل البيان واللغة التي صيغ بها يلحظ بوضوح أنه يشكل نقطة تحول في تعاطي المجتمع الدولي مع الأزمة اليمنية التي تصنفها الأمم المتحدة على أنها أكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم في الوقت الحالي، فقد استخدم لغة حازمة في إدانة استهداف مطار أبها، كما تخلت بعض الدول عن مواقف متحفظة بشأن اليمن. وهو ما دفع الانقلابيين إلى المسارعة برفضه والاحتجاج عليه ورددوا كثيرًا من الذرائع والأكاذيب التي لم يعد العالم يعيرها اهتمامًا.

لذلك أقول إن هذا البيان يشكل ورقة ضغط عالية التأثير يمكن أن يستخدمها المبعوث الأممي لليمن، هانس جروندبيرج، لإرغام الانقلابيين على التجاوب مع المساعي التي يبذلها لإيجاد تسوية سلمية للأزمة، شريطة أن يستمر على التعامل معهم بنفس اللغة الحازمة التي استخدمها البيان، فقد أثبتت التجارب على مدار السنوات الماضية أن الميليشيات التي يفتقر قادتها لأي نوع من الأفق السياسي لا تتجاوب إلا مع الضغوط، ولا يجدي معها أسلوب اللين والتفاهم.

ولنا في تجارب المبعوثين الثلاثة السابقين، جمال بنعمر، وإسماعيل ولد الشيخ، ومارتن جريفيث أبلغ العبر، حيث يعود السبب الرئيسي في فشلهم إلى محاولاتهم إمساك العصا من المنتصف، واسترضاء الانقلابيين لدفعهم إلى التجاوب مع الجهود التي يبذلونها، رغم أنهم لم يكونوا في حاجة لذلك، فمهمتهم تنحصر في التوسط بين الأطراف، وإحاطة مجلس الأمن بتفاصيل مساعيهم وتحديد الجهة التي تمارس التعنت.

لم يطالبهم أحد بمعاقبة المتمردين أو وقف اعتداءاتهم على المدنيين، فهذا بالطبع يفوق صلاحياتهم ولا يدخل ضمن دائرة مهامهم، لكن كان بإمكانهم مخاطبة منظمات المجتمع الدولي التي منحتهم صلاحياتهم، ووضعها في الصورة بكل شفافية. أما السعي إلى تنفيذ أجندة خاصة بعيدة عن المصلحة العامة، واستخدام لغة فضفاضة لتغييب الحقائق عند تقديم التقارير الدورية لمجلس الأمن، ومحاولة افتعال الأعذار للميليشيات، فهذا هو ما أوصل الأمور إلى هذه الحالة المتأخرة.

الآن بإمكان مجلس الأمن الدولي أن يعيد كتابة التاريخ، وأن ينفض عن نفسه غبار الكسل وينزع رداء التواكل، بالاستمرار في هذا النهج الواعي الذي يجسد الأهداف الحقيقية التي أنشئ من أجلها، وفي مقدمتها ضمان الأمن والسلم الدوليين، وأن يغير الصورة التي انطبعت في أذهان الكثيرين بأنه أصبح مكانًا لممارسة التوازنات السياسية والمزايدات وتحقيق المصالح الخاصة.

وعلى الدول دائمة العضوية إدراك أن المملكة تقوم نيابة عن العالم أجمع بمهمة في غاية الأهمية سوف يذكرها لها التاريخ بالتصدي لتلك الميليشيات التي تحاول تأجيج الأوضاع في العالم كله عبر تهديد الملاحة في الممرات المائية الدولية، وهو ما يمكن أن يشكل هزة اقتصادية يدفع العالم أجمع ثمنها لو توقفت حركة السفن التي تمد الاقتصاد العالمي بالنفط.

بقي القول أخيرا إن المملكة ورغم ترحيبها ببيان مجلس الأمن الذي يمثل انتصارًا كبيرًا لدبلوماسيتها الناجحة التي تثبت كل يوم قدرتها على الدفاع عن مصالح بلادها وقوة تأثيرها، إلا أنها سوف تستمر في أداء الدور الذي اضطلعت به وتقوم به وفق طلب رسمي من الحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي، بالتصدي لميليشيات إيران، والدفاع عن حدودها الجنوبية، ولن تنتظر من الآخرين أن يقوموا بهذا الدور بدلا عنها لأنها قادرة بحول الله على صيانة مكتسباتها وحفظ حقوقها وضمان سلامة مواطنيها والمقيمين على أرضها.