تُعد العطلات أو الإجازات من أهم مكونات نظم حقوق العاملين في المنظمات، وهي من أهم نتائج أفكار مدرسة العلاقات الإنسانية في الإدارة، ومن خلالها تشبع حاجة الفرد لالتقاط أنفاسه، وحقه في أن يحصل على وقت مستقطع خلال العام مدفوع الأجر ليرتاح فيه من العمل، ويعود من جديد بروح متجددة للعمل والإنتاج.

وعند الطلاب والآباء للعطلات مذاق خاص، ونكهة سنوية أو نصف سنوية مميزة، فلا يمكن تخيل عام دراسي دون عطلة أو عطلتين، والكل ينتظرها بفارغ الصبر، ويرسم لها الخطط المتنوعة لقضائها بالطول والعرض كما يقال.

والسؤال الشائع الذي يُطرح قبل بداية أي عطلة هو: وين نسافر؟

وهذا بسبب الارتباط الفكري بين العطلة والسفر، وهو ناتج من التنميط الاجتماعي السلبي لمفهوم العطلة، وهنا تقع المشكلة التي يعاني منها الآباء والأمهات، حيث تتنوع الإجابات، ويبذل الآباء جهوداً مضنية للوصول إلى حلول وسطية للتوفيق بين آراء الأبناء وتحقيق رغبات الجميع، وبالضرورة أنه لن يكون هناك حل واحد أو وجهة واحدة ترضي الجميع. وقد يقع الآباء أيضاً في حرج كبير في تحقيق رغبة أبنائهم في السفر، فليس للجميع القدرة على السفر في كل عطلة، وإقناع الأبناء بذلك يشكل مشكلة أخرى لدى كثير من الآباء.

وعند النظر لكل هذه النقاشات الهادئة وغير الهادئة أحياناً ينبغي لنا أن نتأمل هذا السؤال ونعدل صياغته، ونعيد طرحه بطريقة صحيحة وهي: كيف سنقضي العطلة وليس أين سنقضيها؟ وهو السؤال الأهم الذي ينبغي أن تدور عليه نقاشاتنا الأسرية حول العطلة، فليس المكان وحده هو المهم، بل الأهم كيف سينمو الجميع من خلال العطلة، وكيف يمكن لنا أن نستمتع بالعطلة ونستفيد منها في آنٍ واحد.

والمشكلة الأكبر حول هذا الموضوع تكمن في غياب القدوة لدى الأبناء في الاستفادة من العطلة، فكثير من الآباء أنفسهم يمارس سلوكيات خطأ تتمثل في قلب مواعيد النوم، وطغيان الترفيه على معظم أوقات العطلة، وضياع الأوقات بطريقة مؤسفة بحجة أننا في عطلة، فكيف يمكن أن يستفيد الأبناء من العطلة ومن يوجههم يمارس نفس الأخطاء التي ينهاهم عنها، وقديماً قالوا: إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.

لذا فإنه ينبغي لنا كآباء وأمهات أن نوطن أنفسنا على أن نتمثل القدوة في كل ممارساتنا، وأن يوافق القول الفعل قدر المستطاع في ممارسة سلوكيات تربوية سليمة خلال العطلة وبعدها، كما أن التخطيط الجيد للعطلة ليس فقط لمكان السفر واختيار مكان الإقامة ووجهات الترفيه، وإنما ينبغي أن تدمج في الخطط أسئلة تتعلق بالاستفادة من الوقت بالعطلة، وتحفيز الأبناء على تحقيق أهداف تتعلق بتنميتهم خلال استمتاعهم بالعطلة، وألا يكون التركيز فقط على الترفيه المجرد، وإنما لا بد من الاستفادة من معطيات زمان ومكان العطلة، لتكون عطلة مميزة ومريحة ومفيدة، وإلا ستبدأ العطلة وتنتهي، ونقول في النهاية: ما أقصر هذه العطلة بدأت وانتهت وما حسينا فيها.