وأنا أتابع ما يدور في مفاوضات فيينا، التي يبدو أنها لا تتماهى مع أغنية أسمهان «ليالي الأنس في فيينا.. نسيمها من هوا الجنة»، فالحقيقة أن نسيمها لا ينبىء بخير، فقد أوضحت الجولات السابقة تودد أمريكا لإيران، وتوسلاتها بأن تقبل إيران بالاتفاق، ويا دار ما دخلك شر، وسترفع العقوبات عنها، ومن ثم «تدللي يا حلوة يا زينة يا وردة من جوا جنينة»، ولكن إيران «الوحشة» تقابل ذلك بصلف وكبرياء وغرور، ونست أن الغرور مقبرة الأغبياء.

إيران الشر تجاهلت أو جهلت أنها في الأخير طعم لا يتجاذبه طرفان، الأوروبي والأمريكي فقط، بل هناك الصين بالذات، والروس، دون ذات، هم أيضا أعينهم على الفريسة، وما هي إلا لعفة لاتخاذ مواقف لضرب بعضهم ببعض، وأنها حطب لوقود. وإيران ستدفع ثمن الرفض أو الانصياع، لأنها، كما قلت، مجرد ترس في دولاب الصراعات الدولية، فهي كائن شاذ لن يأسف أحد على اقتلاعه من جذوره، وستحرق نفسها بالنيران التي تشعلها بواسطة وكلائها الذين أقل وصف ينطبق عليهم أنهم ذنب قذر لآفةٍ أسوأ، سيقطع من «لغاليغو»، وهذا مصير الدول والوكلاء العمي الذين لا يعون أن القوى الكبرى ليست في واردها الحب من أول نظرة ولا آخرها.

هم أداة يتجادلون عليها لمن ستكون الغلبة، كما هو الجدل في كل أمر، وهل الغلبة للصين «التنين»، أو لأمريكا «المزيكا»، أو الروس وسياسة «النخر بالسوس»، أو الاتحاد الأوروبي الذي ثبت أن كلا من رؤساء دوله يحمل الغل للآخر؟، ولكن ما يود أحد أن يكون تحت وطأة «البادئ أظلم». وأمريكا وما تحمل من استعلاء على الدول الأوروبية، وإن لم تبد ذلك بالعلن، فهي تتخذ مواقفها ضاربة بعرض الحائط بالصداقة التي تتباكي عليها عند الحاجة.

وكمثال، فحدث ولا حرج عما سيدور بين رئيس لأمريكا ورئيس دولة صديقة لها، فحكايتهما ستكون لها العجب، فبأمر دبر بليل لم تصحٍ الدولة الصديقة إلا على وقع أخبار غير سارة.. لقد لهطت أمريكا صفقة كادت تكون من حظها، وأدارت ظهرها لها، وصفقتها على قفاها، وجعلته من حرارة الألم والندم ممكن «يأمر عيش»، وبفتيك أيضا، وما شاكل ذلك، فلا أمان للدول الكبرى، وعلى رأسها أمريكا.

ومن باب تلطيف الأجواء وتوطيدها، طلب رئيس أمريكا، ولنسمه A، أن يهاتف رئيس الدولة الصديقة، ولنسمه z، وبعد ممانعة وشوية دلع، وافق z، فاتصل به A، وقال له: هلو مستر z «ياتيب»، فرد عليه: لا هلو ولا غيرها نعم شو بدك، فقال A: ليه يا اكسبنسف (يا غالي).. شايل علينا بقوة، فرد z: لو انا اكسبنسف زي ما بـ«تأوول» ما بعتني برخيص.. أهون عليك يا دارلي، ثم غنى «أنت كذابي يا أعز أحبابي واللي أكذب منك حضرة جنابي»، فقال A: ما فهمت شو عم بتأوول، فرد Z: قصدي You are a liar oh my dearest. and the one who liar than you is me.

حاول A أن يراضي z بكل السبل، وبكلام معسول وناعم، فقال z بكل غضب: أنا مش حرد عليك، إنما سأستعير أبياتا للشاعر العربي صالح عبد القدوس العباسي، يبدو أنه نظمها بالذات لرؤساء أمريكان، حيث يقول:

إن العدو وإن تقادم عهده *** فالحقد باق في الصدور مغيب

لا خير في ود امرئ متملقٍ *** حلو اللسان وقلبه يتلهب

يلقاك يحلف أنه بك واثق *** وإذا تواري عنك فهو العقرب

يعطيك من طرف اللسان حلاوة *** ويروغ منك كما يروغ الثعلب

أظنك قد فهمت المعنى، وأنا زعلان منك ومن أمريكا go away، وأرفع قبعتي للرئيس المصري أنور السادات عندما قال «اللي يتغطي بأمريكا يبات عريان»، ومن أجل ذلك يبدو أن كثيرا من البلدان بدأت تأخذ احتياطها بـ«كام بطانية» عند التعامل معها.

والبطانية هنا هي فتح قنوات أخرى، فالاحتياط واجب، وذلك حتى لا تبقى تحت رحمة ثلج المواقف الأمريكية، الباردة غالبا.

نحن كمتفرجين في ملعب، لا يكل عناصره من اللعب على الحبال واللهو بعواطف ومصالح الآخرين، نفغر أفواهنا عجبا، وعشرات أدوات الاستفهام تعلو وجوهنا، فنصعد منصة المحللين، الذين في كل واد يهيمون، لنفهم، فنجدهم وجوها متكررة تحمل الأفكار والمواقف نفسها، وقبل ما يبدأ أي منهم ينظر علينا، أصبحنا نعرف ماذا سيقول.

العالم يتغير، والحوادث الخطيرة تدق بعنف، والسلام بعيد المنال، ولكن هؤلاء المحللين باقون على طمام الوالد، ويبدو أنهم يسيرون بعمد وإصرار على المثل القائل «كل فتاة بأبيها معجبة».