زيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح إلى بيروت تفتح كوّة ضوء في الجدار الأسود السميك للوضع اللبناني الراهن.. وتعيد بعض الأمل إلى احتمال تلقف أصحاب الشأن عندنا لذلك المسعى، خدمة للبنان أولا ثم للجهود المبذولة من خارجه لإنقاذه وأهله. الوزير الكويتي أعاد التأكيد على المبادئ العامة التي يمكن أن توصل البلد إلى بداية إيجابية جديدة بعد أن كانت تركيبته الكامشة على عنقه قد أوصلته إلى الاختناق وإلى الطريق المفضي إلى الاندثار... ما قاله الوزير الزائر هو ذاته وحرفيًا ما سبق وأن قالته المملكة العربية السعودية ثم مجمل دول الخليج العربي لجهة النأي بلبنان عن صراعات المنطقة بالمعنى الذي يمارسه حزب إيران نيابة عن إيران، والعودة إلى تأكيد وتثبيت الالتزام بالشرعيتين العربية والدولية وكون لبنان جزءًا لا يتجزأ من محيطه العربي وليس جزءًا ملحقا بمحور الولي الفقيه الإيراني ولا جرمًا يدور في فلك مشروعه المعادي للمجموع العربي والمضاد لكل مصلحة وطنية عربية والمهدد للأمن القومي عمومًا والباحث عن نفوذ لا يستحقه بين أقوام لا تقول قوله ولا تعنيها طموحاته وتطلعاته القومية والمذهبية وليست في وارد التخلي عن قيمها وأمنها ورخائها واستقرارها ووسطيتها والتزاماتها المصيرية والحياتية والحداثية مهما كلف الأمر. ما قاله الوزير المحب للبنان هو أن مصير البلد وأهله هو في الأساس بيد أهله اللبنانيين وهم الذين دفعوا أغلى الأثمان على مدى عقود من أجل بقائه وبقائهم فيه ومن أجل إعادته نوّارا ألقى مشعّا في محيطه والعالم وعامل جذب لكل ضوء وللعلم والطبابة والسياحة وليس البقاء أسيرًا لمشروع إيراني ذاتي مغلّف بشعارات جامعة، ولا ورقة في يد أدوات طهران تستخدمها للتعدي على المحيط العربي والأمن العربي والاستقرار العربي.. وتبطش بواسطتها أينما أمكنها ذلك من سورية وضد غالبية أهلها إلى العراق وضد غالبية العراقيين على تعدد أقوامهم ومللهم إلى اليمن وضد غالبية اليمنيين ودولتهم وشرعيتهم ووحدتهم إلى لبنان حيث صودرت شرعيته بالقوة وأشكالها المتعددة الناعمة والخشنة وأُخذ الجميع بجريرة الجزء وتحول وطن الأرز إلى شيءٍ آخر غير الذي كان عليه: صار مصدرًا ومصّدرًا لكل ما هو كريه ومؤذ ومضّر لمحيطه العربي بالأمن والممنوعات والمؤامرات والإعلام والسياسة والافتراء والتجني.

ما تعنيه الزيارة الكويتية هو ما تعنيه السياسة الخليجية العامة تجاه لبنان واللبنانيين والتي أعلنت في قمة مجلس التعاون في الرياض ثم في زيارة الرئيس الفرنسي إلى جدة وما أدت إليه الاجتماعات القيادية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز... أي فتح صفحة جديدة أو نافذة في الجدار لمحاولة دفع أصحاب الشرعية الدستورية اللبنانية على الأقل، إلى التزام مصلحة بلدهم العليا والابتعاد عن الاصطفافات المحورية المدمرة والعودة إلى المسار الوطني والكف عن تغطية سياسات معادية وتبرير عدم الانصياع لمقررات الشرعيتين العربية والدولية التي تعني في زبدتها تحصينًا لوطن الأرز وإنقاذًا له أولا وأساسًا..

ولا يمكن بطبيعة الحال فصل التحرك الكويتي هذا عن الحراك العام في المنطقة وإزاء ما يعنيها.. وربما يحلو للبعض وضع ذلك التحرك في سياقات بدء تبلور منحى إيجابي الطابع والمضمون لمفاوضات فيينا بين إيران ونخبة المجتمع الدولي أو بينها وبين جيرانها وخصوصًا المملكة العربية السعودية ما ينعكس حكمًا وحتمًا على لبنان...

وذلك في جملته قد يكون صحيحًا وواقعيًا لكنه لا يعفي أصحاب الشأن الدستوري والشرعي فيه من مسؤولياتهم الكبيرة ولا من وجوب تحركهم خارج السياق المعتاد من قبلهم ! أي خارج سياق ومنطق مصالحهم الخاصة الذاتية والشخصية والجهوية على حساب البلد بأمه وأبيه ! بل وخارج سياق ومنطق تنظيراتهم المراهقة والتافهة عن المشرقية التي يُراد لها أن تكون عنوانًا تمويهيًا لحلف الأقليات وأمراضه وأعراضه القاتلة.!

وبالمناسبة، فإن للكويتيين تجربة تنموية مريرة مع مدّعي الإصلاح والتغيير في لبنان وخصوصًا الذين تحكموا ولا يزالون بقطاع الطاقة، وكثيرون في بيروت يعرفون كيف ضيّع فريق جبران باسيل قبل نحو عقد من الزمان فرصة ماسّية قدمتها دولة الكويت لإنقاذ هذا القطاع من أزماته التي أوصلت الخزينة العامة إلى ما وصلت إليه اليوم وكيف أذهل المسؤولين الكويتيين بشروطه لقبول مساعدتهم القيمة والكريمة والنبيلة ! وكيف خرّب قصدًا وعمدًا جهدًا لا مثيل له لوضع حد نهائي لكارثة الكهرباء..

ومع ذلك، كانت الكويت ولا تزال، أرحم وأرأف بلبنان وأهله من بعض أهله ! وأكثر حرصًا عليه من مدّعي إصلاحه !

وهذا بالتأكيد لم يغب عن ذهن وزير الخارجية الزائر ولا عن مقصده من دعوة المسؤولين اللبنانيين إلى التزام الإصلاحات الضرورية الحاسمة لإنقاذ البلد من أزمته المالية والاقتصادية القارصة... وكأنه يقول لهم ما يقوله المجتمع الدولي والجهات المعنية المانحة بأن ذمّتهم المالية والإصلاحية واسعة غير سوية ! والثقة بهم تكاد تكون صفرًا مكعّبًا ! وأن الدعم مشروط بالتزام شروط الداعم وليس شروط السمسرة والتجارة وتركيب طرابيش السطو المقنع على المال الموهوب والحق العام.. ولكثيرين أن يفترضوا أصداء إيجابية لكل هذا السعي المشكور الكويتي والسعودي والخليجي والدولي، لكن التجربة تقول إن هذا العهد تحديدًا وخصوصًا بالتكافل والتضامن مع حزب إيران، لا يزال في مكان آخر ! في مكانه وسياساته التي دمرت لبنان وأوصلته إلى حافة الاندثار.. وليتني أكون مخطئًا !!.

* ينشر بالتزامن مع موقع «لبنان الكبير».