ربط القيمة الاقتصادية بالدعوى الجزائية، ينظم أعمال النيابة العامة المحاسبية والمالية بشكل عام، لأن جل عمل النيابة العامة هو تمثيل المجتمع للدفاع عنه، ضد المتهمين الذين تملك النيابة العامة ضدهم أدلة قوية بعد التحقيق، مما يتسبب لاحقا بإدانتهم أمام المحكمة الجزائية، وبالتالي فإن ربط التكاليف المالية بالدعوى الجزائية العامة قد يؤدي لضبط السلطة التقديرية للنيابة بحيث لا ترفع القضايا البسيطة وغيرها مما لا يستدعي ذلك، وبالتالي يتم التوسع في حفظ القضايا بدل التوجه للإدانة، وهو الأصل في الشريعة الإسلامية التي لا تتشوف للتجريم والإدانة.

وعندما ننظر للتجارب الدولية خصوصًا في فرنسا، نرى كيف كان التوسع في الإدانة أحد أسباب أن مجلس الدولة الفرنسي أصدر قرارًا تاريخيًا وله تبعات كثيرة، وهو اعتبار النيابة العامة جهة تنفيذية، لا قضائية كالمعتاد، والسبب هو التوسع في الإدانات والفساد عبر استخدام صفة السلطة القضائية في أعمالها مما أدى لذلك القرار.

ومن المعروف أن الدولة وفي إطار جهودها للحوكمة المحاسبية وكفاءة الإنفاق، انتقلت إلى فكرة الاستحقاق المحاسبي، وهي فكرة قائمة على تسجيل الإيرادات والمصروفات المتوقعة، في حين كانت -سابقًا - معظم الجهات الحكومية تعتمد الاستحقاق النقدي، وهو تسجيل الإيرادات والمصروفات فورًا حال ورودها، وهذا مفيد في ضبط مبادرات الجهات الحكومية وبرامجها، ويسهل الرقابة عليها من الجهات المعنية.

لهذا فإن ربط القيمة الاقتصادية للدعوى الجزائية العامة، وأعني تكاليف الدعوى بطريقة الاستحقاق المحاسبي، تعد طريقة جيدة لضبط أي توسع ممكن بالتجريم في الأوصاف الجرمية التي ليس لها نظام ضابط محدد، أو في الأوصاف الجنائية التي فيها بعض من العمومية، التي تعطي سلطة واسعة في التقدير من قبل النيابة العامة. وفي النهاية الاقتصاد يضبط كل شيء حتى الواقع النيابي.