(من لا يملك طعامه لا يملك حريته وإرادته) قالها رئيس إحدى الدول، ومقولته صحيحة فالغذاء والدواء والسلاح ثالوث تسعى أي دولة متحوطة أن تملك زمام أمرها فيها. وقد ركزت رؤية المملكة 2030 على أن يكون للسعودية اكتفاء ذاتي بطريقة أو أخرى أو على الأقل في تأمين مصادر هذه الأضلع الثلاثة.

فمثلًا يستهلك الغذاء يوميًا أكثر من 8 مليارات إنسان لمرتين أو ثلاث مرات. وعندما حدثت أزمة الغذاء العالمية عام 2008 وارتفعت أسعار الغذاء بشكل كبير؛ فارتفع سعر الأرز 217% والقمح 136% والذرة 125% ومما زاد الطين بلة منع بعض الدول تصدير منتجاتها لحماية الأسعار داخليًا مثل الهند التي منعت تصدير الأرز والذرة من بعض دول جنوب شرق آسيا، ودول أخرى للقمح وكانت من مسبباتها ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة وانخفاض المخزون الغذائي العالمي والأزمة المالية العالمية علاوة على دعم الغرب لإنتاج الوقود الحيوي (الوقود المستخرج من المواد الغذائية كالذرة وغيرها مما أثر على أسعار الغذاء عالميًا).

وقد أنشأت السعودية في عام 2008 مبادرة الملك عبدالله للأمن الغذائي، حيث تم عقد اتفاقيات مع دول منتجة لسلع غذائية أساسية (8 سلع منها القمح والزيوت واللحوم والأرز) ووصل عدد الدول إلى ما يقارب 35 دولة، لكن لم يتم تفعيلها بشكل عملي وقوي لأسباب مختلفة.

وقد تكررت تلك الأزمة الغذائية على عام 2022 بنفس الأسباب السابقة، إضافة إلى آثار الحرب الروسية الأوكرانية والتضخم العالمي ورفع أسعار الفائدة وغيرها. وما حدث في 2008 و 2022 قد يتكرر -لا قدر الله- ومن أجل ذلك أنشأت الحكومة السعودية مؤخرًا الهيئة العامة للأمن الغذائي لمواجهة تقلبات الأسعار وشح الإمدادات.

وكما نعلم أن السعودية بلد فقير بالمياه ومليء بالصحاري وتتكلف الدولة مبالغ ضخمة كفاتورة الغذاء (تتجاوز 100 مليار ريال استيراد مواد غذائية سنويًا وهي ما يقارب 30 مليون طن سنويًا) وهذا يقارب 90% من احتياجات السعودية من الغذاء، حيث إننا نستورد ما يقارب 90% من احتياجات القمح و100% من الأرز و70% من اللحوم وما يقاربها من الزيوت، وهذه أرقام مروعة ومخيفة إذا لم يتم إيجاد حلول فعالة لمعالجتها وأخذ الحيطة منها وتأمينها.

لذا نقول إن على عاتق الهيئة الكثير لتعمله، ومن الحلول المقترحة إعادة تفعيل الاتفاقيات الغذائية مع تلك الدول وغيرها (إعادة هيكلة العلاقة مع الدول بشكل عملي نافع، كما أنه من الأفضل أن يتم توقيع اتفاقيات ثنائية مع كل دولة ومنتج على حدة، وتوفير الدعم المادي والمعنوي والقانوني للمستثمر السعودي، وتوفير الدعم المالي – الحقيقي – وأركز هنا على الحقيقي المسهل السريع ودعمه في مواجهة اللوبيات والأنظمة في تلك الدول.

وقد يتم من خلال الاستحواذ على الأراضي الزراعية أو على المصانع الغذائية وسلاسل الإمداد والصوامع وشركات التصدير ومضارب الأرز وغيرها، علاوة على زراعة ما يمكن زراعته في المملكة العربية السعودية «الزراعة الذكية» بشكل لا يؤثر في المياه الجوفية وبما يحقق الاكتفاء الذاتي بشكل ذكي وعملي ونافع ويضمن الديمومة، كذلك وضع خطة طوارئ للأمن الغذائي ونظام الإنذار المبكر وإدارة الأزمات، معالجة الهدر الغذائي، استدامة واستقرار مصادر الغذاء الخارجية، جودة الغذاء، عمل برنامج للمخزون الغذائي الوطني، عقد اتفاقيات تبادل منافع مع تلك الدول.

الحروب القادمة سيكون الغذاء والدواء والماء أسلحتها الفعالة الموجعة، فماذا نحن فاعلون إزاء هذا الوضع؟!