يشهد العالم مستويات عالية من استهلاك الدواء، مع قصور التصنيع المحلي في كثير من دول العالم - ومنها السعودية - عن سد الاحتياج، ما يمثل تحديًا يزداد صعوبة مع استحضار أزمات مثل أزمة كورونا التي سببت خللًا في نظام سلاسل الإمداد العالمي، إضافة إلى نقص اللقاحات، والصراع العالمي للحصول على الأدوية الحيوية، ما أدى لحرمان كثير من دول العالم الثالث من اللقاحات خاصة بعد حظر تصديرها من قبل عدة بلدان منتجة.

لذا يعد توطين صناعة الدواء ركنًا أساسيًا في الأمن القومي والصحي لأي دولة، فمع أن المملكة العربية السعودية تمثل أكثر من نصف الاقتصاد الخليجي، وربع الاقتصاد العربي، وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، لكن موقعها هذا لا يتناسب مع حجم وقوة صناعة الدواء التي لا تزال أقل من المأمول، وأضعف مما يجب أن تكون عليه لعوامل عديدة ومتشابكة، منها ما هو داخلي يمكن إدارته، ومنها ما هو خارجي لا سلطة لنا عليه.

صناعة الدواء مربحة، ولها سوق رائجة ودائمة، فلن يتوقف البشر عن حاجتهم للدواء فهو ضروري وليس من الكماليات، أو مما يمكن الاستغناء عنه أو تأجيله أو تجاهله. وتتجاوز مبالغ استثمارات صناعة الدواء 66 تريليون دولار، وتزداد سنويًا بأكثر من 5%، تنتج عنها سوق تقدر بـ 1500 مليار دولار سنويًا، ونصيب التصدير العالمي فيها يتجاوز 410 مليارات دولار، ونصيب السعودية من التصدير ما يقارب 400 مليون دولار أي أقل من 1 بالألف من حجم سوق التصدير العالمي للدواء، علمًا بأننا الاقتصاد السادس عشر عالميًا.

وبسبب أن سوق الدواء عالميًا، واعدة رابحة ومغرية، فإن ضعاف النفوس في بعض الدول ضعيفة الرقابة امتهنوا صناعة الدواء المغشوش الذي يعد حجمه 200 مليار دولار سنويًا، وهذا رقم مخيف ويحتاج إلى وقفة انتباه، لأن ضرره متعد، فهو ليس كتقليد الإكسسوارات، إنما هو تدمير للأجساد والصحة.

المقال القادم -إن شاء الله- سأخصصه للحديث عن صناعة الدواء في السعودية وسبل تطويرها.