لكل صنعة في العالم أسرارها وقواعدها وخبراتها، وما كل من ركب السفينة صار قبطانا!

بعد الرؤية المباركة التي غيرت تاريخ المملكة وجهها في كل المجالات، وتطورت البلد وساد التحديث في كل بقعة وركن من أركانها!

ومما لا شك فيه كانت الصناعة العسكرية أحد الأهداف الطموحة للرؤية، فالبرغم من أن المملكة كانت من أكبر خمس ميزانيات في الدفاع على مستوى العالم فإن الصناعة العسكرية المحلية كانت تغطي أقل من 3% من الاحتياج، وكان الباقي أغلبه استيراداً من الخارج، ومع الوقت تكونت لوبيات معينة لصفقات السلاح، وأيضا مع الوقت زادت الأسعار بسب الفساد الذي كان موجودا والأسوأ من ذلك حدث ابتزاز غربي كريه لصفقات الأسلحة وقت الاحتياج، وتحججوا وماطلوا واستخدموا عدة ملفات مجحفة، لكن لما أتت الرؤية وقائدها قطعوا دابر الفساد والابتزاز، ووضعت الرؤية هدفا رائعا للصناعة الدفاعية وهو توطين 50% من الصناعة العسكرية محليا ونقل التقنية بحلول عام 2030.

طبعا الشركات الغربية لم يعجبها الوضع وماطلت وتلكأت وحاولوا يدعون مسايرة الأمور إلى أن يخف الضغط ويذهب الحماس على بالهم، لكن اكتشفوا أن الموضوع هذه المرة مختلف، وأن الموضوع جدي، ومن دون نقل تقنية لن تحدث صفقات!

وفي هذه الفترة دخل عديد من رجال الأعمال المحليين إلى مجال الصناعة العسكرية والتوطين، واعتقد بعضهم أن الموضوع يشبه موضوع الوكالات وشوية تصنيع وصيانة، خصوصا أن ميزانية الدفاع ضخمة والعقود كبيرة، واعتقدوا للأسف أن جلب مجموعة من الضباط المتقاعدين سواء أجانب أو محليين سيحل مشكلة الخبرة والتصنيع! ولم يعلموا أن الموضوع أعمق وأدق وأعم من ذلك بكثير!

مع كامل الاحترام لبعض التجار، فإن تجارة العقار لدينا لا تقارن أبدا بالصناعة العسكرية؟! أنك تاخذ أرضا خاما وتنام عليها كم سنة وعلى رأيهم لا تأكل ولا تشرب وما تحتاج موظفين مجرد صندقة وقهوجي وكيل (معقب) وبعدها تبيع بأضعاف مضاعفة للأسعار ولا يفكر التاجر أو يستخدم عقله كثيرا في أي تطوير! فإن هذه العقلية ما تفيد أبدا في الصناعة العسكرية!

الصناعة العسكرية من أدق وأعقد الصناعات في العالم، ليست مستحيلة لكن تحتاج إلى فكر ورؤية وأدوات، الموضوع ليس فقط فلوس! وليس فقط تجميع ضباط متقاعدين وإلا كان كل العالم عنده صناعة عسكرية! وليس مستشارين وبيوت خبرة وكم برزنتيشن في البوربوينت! لا أبداً

هناك أكثر من 10 عناصر أساسية مطلوبة لخلق صناعة عسكرية ناجحة! وللأسف من نقاش عددين ممن دخلوا الصناعة العسكرية مؤخرا وجدنا أن كثيرا منهم لا يعرفها أو لا يدركها!

اتركوا عنكم وعود الشركات الغربية بنقل التقنية والتوطين! أغلبه كلام فارغ! نعرف الشركات الغربية من عشرات السنين في المعارض العسكرية حول العالم ومن الموتمرات، أغلب كلامهم خراط ويشبهون جدا شريطية السيارات في المعارض بس ناقصهم سبحة!

نذكر في إحدى المرات، إحدى الشركات السعودية أعلنت عن مذكرات تفاهم لتوطين عدة صناعات مع بعض الشركات الغربية، وبعدها بفترة كنت أحضر أحد المعارض الدولية وأعرف ممثلي الشركة من سنوات فسألته عن ماذا صار على مذكرات التفاهم، فضحك وقال لي: جعلناهم يصرحون بما يريدون ويسرهم لكن الواقع مختلف!

وفعلا ولا صار أي شيء علي الموضوع!

الشركات الغربية استراتيجيتهم مع الخليجيين معروفة منذ عقود! يوعودن أحسن الوعود من أجل العقود! وبعد العقد يماطلون ويجدون ألف سبب وعذر من التلكؤ بعدم نقل التقنية، وأن الموضوع صعب ويحتاج إلى وقت طويل إلى حد ما يمل المسؤول من التأخير ويتم صناعة السلاح في البلد الغربي، هذا غير الضغوط السياسية والعراقيل وحركات تبادل الأدوار والأمثلة كثيرة ولا نريد ذكرها علشان ما نتكلم في الماضي!

لست أقول إن الصناعة العسكرية مستحيلة التوطين بل هناك مثالان ممتازان لنقل التقنية والآن أصبحا مصدرين للسلاح وهما كوريا الجنوبية وتركيا في المعسكر الغربي! والصين في المعسكر الشرقي من روسيا!

وهناك دروس كثيرة من تجربة هذه الدول مفيدة للتوطين! لكن مع تعديلات معينة حتى لا يتم اختراع العجلة من البدء!

مختصر الموضوع كل رجل أعمال دخل مجال الصناعة العسكرية حديثا نتمنى يفكر جيدا وجديا ويبني استراتيجية محكمة وواقعية وقابلة للتنفيذ ولها أهداف محددة!

«غامي» الهيئة العامة للصناعات العسكرية قد تساعدك وتساندك وتعطيك التراخيص اللازمة لكن يجب الاعتماد على نفسك في نهاية المطاف لأن الموضوع ليس (تغذية بالملعقة) كما يقول المثل الأجنبي!

لا تفرح وتغتر بوعود الشركات الغربية كثيرا فهم أبخل الناس في التوطين ونقل التقنية خصوصا للداخلين حديثا في هذا المجال، وربما النجاح شبه الوحيد الكبير الملحوظ هو مشروع «سامي» مع «نافنتيا» في المجال البحري، وله أسبابه التي لا يتسع المقال لذكرها الآن أما غير هذا فالصعوبات والعقبات أكثر من التساهيل!

ربما البدايات ومن باب العموم وليس التخصيص تكون من آسيا والشرق الأوسط وبعدين يمكن تتوسع! أيضا لا تستمتع كثيرا إلى الأحلام الوردية وما يقوله عديد من الضباط المتقاعدين ومن يدعون أنهم خبراء أو مستشارون وشركات استشارية فقد يكون ضابطاً جيداً لكن ليس صناعيا جيدا أو إدارياً محنكاً! غالبا الواقع لا يكون ورديا كما الكلام والأوراق والعروض التقديمية!

إذا تعاملت مع الشركات الغربية مظطراً، ومن باب المثال وليس التعميم، الفرنسيون سوالفهم جيدة في البداية وبعد العقد الكثيرون يشكون منهم، الألمان هؤلاء تجنبهم فهم يكرهون كل ما هو خليجي ويحاولون لصقها بحكومتهم وأنها هي المسؤولة عن العرقلة!

أما البريطانيون فهم ساسة الدهاء في العالم، الشيطان جالس في الزاوية ومع دفتر يتعلم منهم!

الأمريكيون وما أدراك ما هم!

آسيا لديها صناعة عسكرية جيدة، قد لا تكون تكنولوجيا مثل الغرب، لكن حاليا يتطورون ومع الوقت الجودة ارتفعت عما سبق،

وفي النهاية نصيحة مبسطة اختر فريقك جيدا جيدا جيدا! واعرف احتياجات السوق واعرف ما هو مطلوب وضع أهداف قابلة للتحقيق وليس كل شيء تجريبيا (بروتو- تايب) سيصبح سلاحا في المستقبل، ليس لدي شك أن المملكة ستصل إلى هدفها في توطين 50%؜ من الصناعة العسكرية، لكن -بعد الله- السبب سيكون حرص واستراتيجية وحزم قائد الرؤية ولي العهد، لأنه إذا وضع هدفا نصب عينيه سيصله، بإذن الله، لأنه لا يمل ولا يكل ولديه الإصرار والشغف لتحقيق الأهداف.

أما من ناحية بعض رجال الأعمال الذين دخلوا الصناعة العسكرية مؤخرا فأكون صريحا بأن وضعهم غير مستقر، ولا أرى من نقاشهم بوادر إيجابية مرتكزة على خطط علمية واقعية قابلة للتطبيق.

بطبعي متفائل وأشجع التاجر السعودي وأدعو له بالتوفيق في كل المجالات وأي نجاح له أعتبره كأنه لي وللوطن، لكن ربما نحتاج إلى مصارحات وإعادة تعديل المسار لبعض القادمين لهذا المجال، ونكتب ذلك متمنين لكم المساندة والتوفيق ولكن الصراحة مطلوبة حتى لا تنصدموا بالعقبات والنتاىج.