من الإشكالات المعاصرة للمصطلحات الحديثة مصطلح (التنوير)، فقد حدث تداخل بينه وبين الليبرالية والتحديث والعلمانية وغيرها من المصطلحات التي تعبر عن حالة تصحيحية لوضع تقليدي تحكمه الرتابة بأنواعها كافة، من أيدولوجيا أو موروثات أو عادات أو غيرها. فإذا وجد شيء من محاولة التغيير في هذه الرتابة فإنه يعطى وصفًا من تلك الأوصاف الحديثة دون مراعاة للفروق. لن أعرض للفروق بينها ولكن سأتعرض لمصطلح التنوير فهو ما يعنيني بحكم تخصصي الشرعي لأنه يتناول الحالة الدينية أكثر من الحالة الاجتماعية التي يتعلق بها مصطلح التحديث، أو الحالة السياسية التي يتعلق بها مصطلح العلمانية، أو الحالة الفكرية التي يتعلق بها مصطلح الليبرالية. وهذه الحالات ليست حصرًا على متعلقاتها ولكنها الاستخدام الأغلب له. وبما أن التنوير متعلق بالحالة الدينية وأغلب مجتمعاتنا العربية والإسلامية ذات مكون ديني عميق، وتحتاج لغربلة المصطلح أكثر من غيره، كحاجتها إلى تجديد الخطاب أو الفكر الديني أكثر من غيره، فإنه لا بد من توضيحه وبيان مراتبه وتوجهات المجددين إزاءه.

فالتنوير الإسلامي هو إعادة فهم النص الشرعي - غير الغيبي وغير القطعي في معناه - الموجه لحياة الناس بما يتوافق مع القيم والمبادئ الإنسانية لتكون بارزة بها بقوة، وإزالة الأحكام الغريبة التي لا دليل عليها أو بدليل ضعيف، سواء كان الضعف في المعنى أو الثبوت، أو بها مشقة مع ضعف مأخذ الدليل، فهذه العملية وإن كانت تُعرف بالاجتهاد إلا أننا سنعبّر عنها بالتنوير، لأن البعد الإنساني سيكون حاضرًا بها بقوة أكثر من قواعد اللغة العربية أو المنطق الأرسطي، إذ أنهما المكونان الرئيسيان للاجتهاد المعتاد في فهم النص الشرعي واستخراج الأحكام منه. فبدلا من الأخذ بالعموم اللغوي ودلالات الإشارة والعبارة والعلة تخريج المناط وتنقيحه وغيرها، نتجه مباشرة إلى النص ونطبقه مع حضور المعاني الإنسانية مباشرة. فهذا التوجه هو التوجه المعتدل الذي أراه في التعامل مع النص الشرعي، فليس المطلوب إلغاء مضمون النص بالكلية كما هي صيحات (موت المؤلف)، وليس أيضًا استثناءات إنسانية باهتة لا تظهر الا مع وجود الضرر البالغ، انطلاقا من قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، وإنما ما ذكر سابقًا.