و«ستربح قضيتك من الجلسة الأولى»..
شعارات وترويج بات يغزو وسائل التواصل الاجتماعي ويرّوج له بعض المحامين، ممن يعتقد مختصون أنهم يبيعون الوهم ويعدون بحلول سهلة وسريعة، ويعرضون استشارات وخدمات قانونية لقاء أتعاب، لكنهم لا يقدمون معها أي ضمانات حقيقية.
وتحول الأمر في الآونة الأخيرة إلى ما يشبه الظاهرة، حيث نشط ظهور بعض المحامين الذين يخاطبون أولئك الباحثين عن الحقوق أو من يواجهون تحديات قانونية شتى، عبر ظهور أولئك المحامين في «بثوث» ومقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي، طالبين أتعابا لقاء استشاراتهم وخدماتهم غير المرتبطة بأي ضمانات، وهي ظاهرة تعارف البعض على تسميتها «تجارة القضايا».
ومع التأكيد على أن التسويق والترويج للمكاتب القانونية أو المحامين حق مشروع طالما كان يؤدى بأمانة وموثوقية، إلا أن كثيرا من المخاوف برزت أخيرا من أن يقود الأمر إلى عدم التأكد من الجهات التي تروج دون تقديمها أي ضمانات لأولئك الذين يستشيرونها، ما يجعل المستفيد أو العميل عرضة للخداع والاحتيال القانوني، ويهدر عليه المال ويضيع حقه.
بين الوهم والواقع
أصبح من الشائع ظهور بعض المحامين على «تيك توك» أو غيره من المنصات، يعرضون وعودًا غير واقعية مثل «سوف تربح قضيتك من أول جلسة» أو «حلول سحرية لقضاياك»، مع استغلال حاجتك الملحة للعدالة. وغالبًا، يكون هؤلاء المحامون يبيعون استشارات غير موثوقة، ويطلبون مبالغ عالية للتواصل والاستشارة، وفي النهاية قد يفشلون في تحقيق أي نتيجة حقيقية.
كما أن بعض العقود الموقعة معهم تركز على حماية مصالحهم المادية أكثر من مسؤوليتهم عن نجاح القضية، مما يضع العملاء في موقف محرج وخسائر مالية ومعنوية.
عن ذلك قال الاستشاري القانوني ثامر آل محيسن «في ظل الطفرة الرقمية التي خلقت نافذة تواصل واسعة بين المتخصصين والجمهور برزت ظاهرة تجار القضايا كمشكلة أخلاقية وقانونية تهدد مهنة المحاماة، وتسيء إلى صورتها أمام المجتمع، إذ باتت بعض الحسابات القانونية على مواقع التواصل الاجتماعي تدار بعقلية تجارية صرفة لا تراعي أبسط ضوابط المهنة ولا تحترم المتلقي الباحث عن عدالة وإنصاف».
إعلام قانوني سطحي
يوضح آل محيسن «تبدأ القصة بمقاطع دعائية علما أن الإعلان التجاري ليس من أخلاقيات مهنة المحاماة، أو بثوث مباشرة يظهر فيها محام يتحدث بلهجة الواثق ويُبسط الأمور القانونية المعقدة بشكل يبعث الطمأنينة في نفس المتلقي، موحيا له بأن النتيجة المحتملة مضمونة، وهنا من المهم التوضيح أن التزام المحامي هو التزام ببذل العناية وليس بتحقيق النتيجة، لذلك لا يجوز للمحامي أن يمنح موكله وعودا أو نتائج قطعية بل عليه تقديم استشارة قانونية تعتمد على دراسة ملف القضية، وإيضاح الاحتمالات الواردة بناء على الأنظمة والوقائع المتاحة، حتى في القضايا الظاهرة مثل قضايا التنفيذ تظل من أخلاقيات المهنة ألا يُقدم المحامي وعودا قاطعة، وإنما يُبدي رأيا قانونيا، مع عرض الإجراءات والنتائج المحتملة بشفافية».
استشارات غير مدروسة
يكمل آل محيسن «للأسف ما يحدث حاليا هو عكس ذلك إذ يُسارع بعض المحامين إلى بث رسائل مباشرة أو غير مباشرة، مفادها أن القضية رابحة ومضمونة، وما أن ينتهي المقطع حتى يُطلب من المتابع التواصل الخاص للحصول على استشارة مدفوعة لا تقل عن 300 ريال».
ونوه إلى أن «الخدمة القانونية أمر متعارف عليه في مكاتب وشركات المحاماة، وتتراوح رسوم الاستشارة عادة بين 300 إلى ألف ريال، إلا أن بعض المكاتب تُقدم استشارات مجانية أو رمزية في الحالات الإنسانية خاصة في قضايا الأحوال الشخصية مثل الحضانة والنفقة والزيارة تقديرا لظروف المحتاجين».
ولفت أن «هناك من يستغل هذه الخدمة، ويُقدم استشارات سطحية مبنية على معلومات عامة دون دراسة فعلية للملف، أو فهم شامل للوقائع، ما يؤدي غالبا إلى إقناع المتابع بتوكيل المكتب، والتوقيع على عقد لا يحتوي سوى بنود تحفظ الحقوق المالية للمحامي دون التزام قانوني واضح تجاه الموكل».
العقود وفخ الجهل
شدد آل محيسن على أنه «من الضروري تنبيه الموكلين إلى ضرورة قراءة بنود العقد بدقة قبل التوقيع، والتأكد من وجود التزامات متبادلة تضمن حقوق الطرفين، كما يُفضل الامتناع عن توقيع عقود تحوي شرط التحكيم في النزاعات بين المحامي والعميل، والاكتفاء بأن تكون المحكمة هي المرجع المحايد خاصة إذا تم اللجوء إلى هيئة الخبراء لتقدير الضرر أو المطالبة بإعادة أتعاب المحاماة».
ونوه إلى أنه «في كثير من الحالات يتفاجأ الموكل بأن القضية التي روج لها على أنها محسومة تنتهي بالفشل، أو تُرفض، أو تُسحب بسبب نقص الإثباتات أو عدم كفاية المرافعة، وعند محاولة الموكل الرجوع إلى المحامي يجد نفسه قد وقع عقدا لا يمنحه أي حق سوى دفع الرسوم، والأسوأ أن بعض المحامين يُبرر ذلك بعبارات مثل النتيجة ليست مضمونة أو القضاء مستقل، متجاهلين أنهم هم من قدموا الوعود المضللة مسبقا».
وبين أنه من الجدير بالذكر أن «المحامي الذي يقول إن القضية غير مضمونة دون أن يوضح تفاصيلها قد يُفهم منه أنه لا يثق بعمله أو أن الإثباتات ضعيفة، وهو ما يتطلب شفافية أكبر».
قواعد صارمة
يوضح آل محيسن، أن «نظام المحاماة يجرم هذا السلوك، وقد وضع النظام السعودي قواعد واضحة لصيانة كرامة مهنة المحاماة، وجاء في المادة الحادية عشرة من الباب الثاني من نظام المحاماة ما يلي:
على المحامي مزاولة مهنته وفقا للأصول الشرعية والأنظمة المرعية والامتناع عن أي عمل يخل بكرامتها واحترام القواعد والتعليمات الصادرة في هذا الشأن.
وعليه فإن الترويج غير المنضبط والادعاء بضمان النتيجة والمبالغة في التبسيط والممارسات المالية غير الأخلاقية، كلها تعد مخالفة صريحة للمادة، وتستوجب تدخلا صارما من الجهات الرقابية وعلى رأسها وزارة العدل وهيئة المحامين السعودية».
لا تخدعك العبارات الرنانة
وجه آل محيسن رسالة إلى الجميع تحت عنوان «لا تنخدع بالمقاطع الترويجية»، وقال «نوصي كل من يرغب في استشارة قانونية أو توكيل محام أن يطلب لقاء حضوريا أو مرئيا رسميا لمناقشة الملف بدقة، وأن يطرح أسئلة تفصيلية، ويطلب رؤية السوابق القانونية المشابهة، ويتحرى عن سلوك المحامي ومصداقيته من محيطه أو من سبق له التعامل معه».
مؤكدا أن «المحاماة رسالة وعدالة وليست سوق استغلال، ومهنة المحاماة رسالة سامية لا يجوز اختزالها في مقطع دعائي، أو وعود زائفة، ولا تقاس نزاهة المحامي بعدد المتابعين أو فخامة المكتب بل بمصداقيته ووضوحه والتزامه بأخلاقيات المهنة، وقد آن الأوان لوضع ضوابط واضحة للتسويق القانوني وتفعيل الرقابة المهنية ومحاسبة كل من يسيء لهذه المهنة النبيلة التي كفل لها النظام مكانة مرموقة».
ترندات استشارية
من جانبه، أشار القانوني محمد خالد إلى انتشار التسويق لمكاتب المحاماة عن طريق ترندات «التيك توك» وغيرها من طرق التسويق الذكي والأنسب والأكثر فاعلية، ولكنها في ذات الوقت رغم توفر فرص الوصول السريع والسهل للاستشارات القانونية قد تعد منصة لاستغلال ضعاف النفوس ممن لا يقيمون وزنا لمهنة ذات هدف سامٍ مثل مهنة المحاماة وبهذا لا يجوز التعميم عند تناولها.
وعلق «المشكلة لا تتعلق فقط بإساءة استخدام المنصات ووسائل التواصل الاجتماعي، بل بتسليع العدالة وتحويل قضايا الناس وهمومهم إلى محتوى ترويجي، وهذه الممارسات تُسيء للمهنة وللقانونيين بشكل عام، وتُفقد المجتمع الثقة في المحامي الحقيقي الذي قضى وقته في دراسة القضايا وتدقيقها وتمحيصها ويعمل بصمت وبمهنية عالية بعيدا عن صخب الظهور الإعلامي، وهم يقومون ببيع وعود، ويقدمون حلولًا سطحية يستدرجون بها العملاء (الضحايا) بأساليب تسويقية لا تليق بمكانة المهنة».
معايير الكفاءة
ينصح خالد، ولتجنب الوقوع في فخ هؤلاء بأن «الحصول على استشارات قانونية موثوقة في السعودية أمر بالغ الأهمية لضمان حماية حقوقك ومصالحك القانونية. سواء كنت تبحث عن استشارات قانونية أسرية، أو استشارات قانونية لعقود العمل، أو تأسيس أعمال تجارية صغيرة، ومن الضروري التعامل مع محامي استشارات قانونية مؤهل وذي خبرة».
وأكمل «عند اختيار محامٍ لتلقي الاستشارات القانونية في السعودية، هناك عدة عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار، وننصح دائمًا باتباع معايير موضوعية واضحة عند اختيار محامي استشارات قانونية في السعودية، للتأكد من كفاءته ومصداقيته. ومن أبرز هذه المعايير:
أولا: التحقق من ترخيص وزارة العدل السعودية للمحامي، حيث لا يُسمح بمزاولة المهنة دون ترخيص.
ثانيا: النظر في عدد سنوات الخبرة العملية للمحامي، فكلما زادت كلما كان أكثر مصداقية.
ثالثا: مراجعة الخلفية التعليمية للمحامي والتأكد من الجامعة التي تخرج فيها، فيفضل خريجو الجامعات العالمية المرموقة.
رابعا: النظر في السمعة التي يحظى بها المحامي وتقييمات عملائه السابقين عن طريق مواقع الإنترنت أو الاستعلام الشخصي.
خامسا: مناقشة الرسوم والأتعاب المهنية للتأكد من معقوليتها مقارنة بغيره من المحامين.
وبشكلٍ عام، كلما بدا المحامي متعاونًا وقادرًا على تقديم المشورة القانونية بأسلوب واضح وبسيط، كلما كان الاختيار الأمثل».