لكن قبل أن نحكم، دعونا نضع الاحتمالين في أذهاننا:
الاحتمال الأول: أن الشخص الذي رفض تسليفك لديه أعذار حقيقية؛ التزامات أسرية، ديون قائمة، خطط طارئة، أو حتى تجربة سابقة جعلته أكثر حذرًا.
الاحتمال الثاني: أن المشكلة قد تكون فيك أنت. ربما سبق أن استلفت ولم ترد الدين، أو تأخرت في سداده، أو تعاملت مع شخص آخر بالطريقة نفسها، فكوّنت عنك سمعة سلبية تنتقل بين الناس: «ترى فلان ما يسدد.. انتبهوا منه». لا تتصور أنك أذكى من الجميع، فالناس أذكى منك، وتجاربهم لا تُمحى بسهولة.
ولعلنا نتأمل أن الله عز وجل قال في محكم التنزيل: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا»، وقدم المال على البنين، وليس هذا عبثًا؛ فالمال عند صاحبه غالٍ وفتنة، وأكثر جمالًا ونفعًا، وهو ضمان واستقرار، وبه تُقضى الحاجات وتُحمى الأسر. وقد يختار الإنسان الحفاظ عليه قبل أن يقدمه حتى لأقرب الناس إليه، لا من باب القسوة، بل من باب المسؤولية وحسن التدبير.
فإذا طلب منك أخ، أو زوجة، أو ابن، أو صديق مقرّب، مبلغًا مثل مئة أو خمسمئة ريال، وأنت لست ذا قدرة مالية واسعة، فإنك ستضع في الحسبان التزاماتك الحالية، والظروف الطارئة التي قد تطرأ في أي لحظة، وقد تقول في نفسك: «ممكن يأتيني ظرف مفاجئ فأحتاج هذا المال، والله يغفر الذنب».
وربما تراودك فكرة أخرى: أنك تشك في عودة هذا المبلغ إن خرج من يدك، فتفضّل الاعتذار على أن تتحمل الخسارة لاحقًا.
ومن جهة أخرى، هناك من يملك مبدأ واضحًا؛ لا يسلف إلا في الضرورات الحقيقية، لا في الكماليات أو المظاهر. هذا الموقف ليس جمودًا، بل ترتيب أولويات وفق قناعة راسخة.
لهذا من الجميل والعظيم أن يقف شخص معك ماديًا حين تحتاج، لكن إذا لم يفعل، فليس بالضرورة أنه بلا خير أو لا يستحق صداقتك. فالظروف والمبادئ والخصوصيات تختلف من شخص لآخر، ونحن لا نعرف ما في القلوب ولا ما في الجيوب.
المال غالٍ عند أصحابه، والوفاء بالدين يحفظ العلاقات، أما التسرع في الحكم فيفتح أبواب الشقاق.
فلنضع في بالنا دائمًا أن وراء كل «لا أستطيع» قصة، وأن حسن الظن قد يبقي ألف علاقة، بينما سوء الظن قد يقطعها في لحظة.