نقطة التحول
كانت زيارة أمير عسير الأمير تركي بن طلال في نهاية عام 2022، نقطة التحول الكبرى، إذ التقى بأهالي القرية وشجعهم على المضي في ترميم وتأهيل القصور والمنازل القديمة ضمن مشروع إعادة تأهيل القرى التراثية والأثرية في المنطقة، مؤكدًا أهمية الحفاظ على هذا الإرث كجزء أصيل من الهوية الثقافية.
ولم تكن الزيارة مجرد حالة بروتوكولية، بل جسدت القيم الأربع التي تتبناها مبادرة «أجاويد 3» وهي: الصدق، التسامح، الانضباط، والانتماء، لتصبح منارة تهدي الأهالي في مسيرتهم نحو إحياء ذاكرتهم المادية والمعنوية، وملتقى سنويًا لجميع أهالي القرية.
50 عاما من الغياب
بعد نصف قرن من الغياب، عاد أبناء القرية إلى ساحتها التاريخية التي كانت مركزًا للتشاور وحزم الرأي، ومسرحًا لاحتفالات الأعراس والأعياد والختان والمناسبات، حيث كانت تمتلئ بالمودة وصلة الرحم، وتعكس ترابطًا اجتماعيًا متينًا توارثته الأجيال.
وبعثت العودة الحياة في الروابط والعادات والتقاليد التي جمعت أبناء القرية منذ عقود.
وفي مشهد مؤثر، أقام الأهالي احتفالًا كبيرًا في قلب القرية، تخللته ألوان شعبية أصيلة مثل المراحب، الزوامل، الخطوة، والرازف، إضافة إلى الأناشيد والقصائد التي روت تاريخ المكان، وأظهرت مشاعر الصدق في الانتماء، وروح التسامح بين الأجيال، وانضباطًا لافتًا في تنظيم الفعاليات، مما أضفى على الحدث قيمة ثقافية واجتماعية استثنائية.
ولم تقتصر العودة على الفنون والاحتفالات، بل شملت قصصًا وحكايات لكبار السن من ذاكرة المكان، وأنشطة رياضية وتراثية، حيث أسس عشاق الفروسية من أبناء القرية إسطبلًا للخيول على أطرافها، وأقاموا سباقات شبه أسبوعية في مضمار في وادي العرين، إحياءً لعادة الأجداد في ركوب الخيل، التي كانت رمزًا للشرف والكرامة.
طراز معماري فريد
معماريًا، قدم المهندس المعماري عبدالله عوض آل المؤنس شرحًا وافيًا عن الطراز العمراني الفريد للقرية، الذي يجسد قدرة إنسان القرية على التكيف مع طبيعة الجبال. وأوضح أن البناء يعتمد على الحجارة الصلبة للأساسات، والطين المخلوط بالتبن والحشر للأدوار العليا، بعد معالجته بدوس الأقدام وتخميره لزيادة التماسك.
وأشار إلى أن عملية البناء تبدأ بالتفاوض مع الحرفيين وتأمين المواد، ثم التنفيذ بدقة، وأن اختلاف ارتفاعات القصور مرتبط بالقدرة المادية لأصحابها.
قصور شاهقة
في جولة داخل أحد القصور، الذي يزيد ارتفاعه على 7 أدوار، كشف المهندس آل مؤنس عن جدران سميكة تصل سماكتها إلى متر واحد، وأسقف من أغصان الطلح والسدر وجريد النخيل، وشرفات مزخرفة تمنح المباني رونقًا خاصًا، وأبوابًا ونوافذ خشبية «اللهوج» محفورة بنقوش فنية دقيقة.
وأوضح أن كل دور له وظيفة محددة، من التخزين في الأرضي، إلى استقبال الضيوف في الثاني والثالث، وإقامة النساء والأطفال في الأدوار الوسطى، بينما يختص الرجال بالأدوار العليا التي تنتهي بـ«النوبة» المطلة على أرجاء القرية.
أهمية سياحية
تكتسب قرية آل المؤنس أهمية سياحية بارزة في منطقة عسير، إذ تُعد من القرى القليلة التي ما زالت تحتفظ بقصور طينية شاهقة تصل إلى 6 و7 طوابق، وتحيط بها حصون تاريخية ومزارع غنية بالحبوب والفواكه.
كما تضم القرية مسجدًا قديمًا أسسه الصحابي معاذ بن جبل، وتجاورها مواقع أثرية ونقوش في جبل عزان تدل على تعاقب الحضارات.
ومع جهود الترميم المدعومة رسميًا، تتحول قرية آل المؤنس إلى وجهة سياحية وثقافية، تجذب الزوار من داخل المملكة وخارجها، وتقدم لهم مزيجًا فريدًا من الجمال الطبيعي، والتاريخ العريق، والفنون الشعبية الأصيلة، لتبقى شاهدة على أصالة التراث وعمق الجذور.
قرية آل المؤنس
- عمرها يزيد على 7 قرون
- من أشهر معالمها مسجد الصحابي معاذ بن جبل
ـ ومن معالمها نقوش جبل عزان
- عدد قصورها وبيوتها 100 بيت تقريبًا
- مكونة من قريتين عليا «حيدان» وسفلى «دار العرق»
- بيوتها مشيدة من خامات البيئة من طين وأخشاب ودرس الحشر والأحجار
- قصورها الطينية تعد الأعلى في منطقة عسير
- تطل على مزارع وبساتين يزيد عددها عن 200 مزرعة وبستان.