على الرغم من علو الحس الرقابي لدى المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي وتشدده في كل ما يضمن نزاهة التبرعات وجودة العمل، فإن ساحة هذا القطاع الذي يطلق عليه اصطلاحاً (القطاع الثالث) تشهد رقماً ملحوظاً في عدد المخالفات، وكذلك في قرارات عزل مجالس إدارات عدد من الجمعيات، وحل مؤسسات أخرى، مما يفتح باب التساؤلات حول ما إن كان الإغلاق والعزل يمثلان رادعاً كافياً لأي تحركات مشبوهة، ورادعا يوقف أي مؤشرات إلى التسيب أو الإهمال في عمل القطاع الخيري، بما يحقق مستهدفات المركز والجهات الإشرافية المختصة لتحقيق الأمانة في تقديم الخدمات المجتمعية بمختلف تصنيفاتها، تنموية كانت أم رعوية؟

إحصاءات رقابية

قبل أشهر بسيطة، أعلن المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، عن إصدار 19 إنذارًا بحق جمعيات أهلية، وقرارين بعزل مجالس إدارات جمعيات أهلية، وحل جمعية أهلية اختيارياً، وإصدار إنذار بحق مؤسسة أهلية، والتعامل مع 44 بلاغاً لمخالفات التبرعات، والعمل على 10 جلسات تحقيق، وإحالة 41 كياناً للجهات المختصة.


وفي التقرير السنوي للعام الماضي، أعلن المركز أن عدد البلاغات والمخالفات والشكاوى والاعتراضات خلال عام فقط بلغت 1032 مخالفة وشكوى، وبلغت مخالفات التبرعات 81 مخالفة.

في المقابل قام المركز بفحص 5393 منظمة من المنظمات غير الربحية ضمن عمليات الفحص والمراجعة والتقييم، وركزت على عمليات الفحص المكتبي للتبرعات التي بلغت 8474 عملية فحص.

وعلى الرغم من أنها أصدرت 6021 ترخيصاً لجمع الحملات التبرعية، فإنها مع ذلك واجهت انتهاكات مختلفة فيما يخص التبرعات ما بين حملات غير مرخصة، أو شبهات مالية، أو استلام تبرعات خارج إطار الحملة وصرفها بغير الوجه المرخص به.

علامات تعجب

اختصاصيون ومهتمون وحتى داعمون للقطاع غير الربحي أبدوا استنكارهم لمثل هذه الممارسات، واستغربوا استمراريتها مع كل هذا التشدد والرقابة التي توليها الجهات المختصة لتلك المؤسسات.

يذكر نجيب عبدالله، وهو أحد الرعاة المواظبين على دعم الخدمات المجتمعية تحت مظلات أهلية في المنطقة الشرقية أن «المخالفات في التبرعات تحت مظلة المؤسسات غير الربحية يمكن أن تؤدي إلى عدة أضرار أبرزها:

- فقدان الثقة:

المخالفات المالية أو الإدارية يمكن أن تؤدي إلى فقدان الثقة بين المتبرعين والمؤسسة، مما يؤثر على قدرة المؤسسة على جمع التبرعات في المستقبل.

- استغلال التبرعات:

إذ يمكن أن تُستغل التبرعات لأغراض غير مشروعة أو غير معلنة، مما يضر بالمستفيدين المستهدفين.

- الضرر بالمستفيدين:

المخالفات يمكن أن تؤدي إلى عدم وصول التبرعات إلى المستفيدين المستهدفين، أو إلى سوء استخدام هذه التبرعات.

- تشويه سمعة القطاع غير الربحي:

إذ إن كثرة المخالفات يمكن أن تؤثر على سمعة القطاع غير الربحي ككل، مما يؤدي إلى فقدان الثقة العامة في هذه المؤسسات».

دور المنظمات غير الربحية

لفت نجيب عبدالله إلى أنه لإعادة كسب ثقة الناس في الجمعيات والمؤسسات الأهلية فإنه لا بد لتلك المنظمات من أن تعمل على عدة محاور، وهي:

- تعزيز الشفافية:

من خلال تقديم تقارير مالية دورية ومفصلة عن كيفية استخدام التبرعات.

- تعزيز الرقابة:

تعزيز الرقابة الداخلية والخارجية على المؤسسة لضمان الالتزام بالقوانين واللوائح.

- محاسبة المسؤولين:

محاسبة المسؤولين عن أي مخالفات أو تجاوزات في إدارة التبرعات.

- توعية المتبرعين:

توعية المتبرعين بحقوقهم وواجباتهم، وكيفية التأكد من وصول تبرعاتهم إلى المستفيدين المستهدفين.

- التعاون مع الجهات الرقابية:

التعاون مع الجهات الرقابية لضمان الالتزام بالقوانين واللوائح.

الضوابط أمام المخالفات

من جانب آخر، أجاب هاشم الصاخن، وهو عضو إداري سابق، عما يتعلق بظاهرة إغلاق الجمعيات المخالفة، موضحاً أن «فقدان أي جمعية خيرية يشبه بتر إصبع من أصابع اليد، أو فقدان عزيز على القلب؛ لما لهذه الجمعيات من مكانة خاصة في مجتمعنا ووطننا الغالي».

وأضاف «لقد أولت الدولة- حفظها الله- أهمية كبرى لتأسيس الجمعيات الخيرية، فلم تتأخر يومًا عن سن القوانين وتيسير الإجراءات الداعمة لإنشائها، إدراكًا منها أن المجتمعات تُبنى على التعاون والتكافل بين أفرادها».

وأكمل «على الرغم من هذا الدعم، وضعت الدولة ضوابط واضحة لتنظيم عمل الجمعيات وضمان التزامها بالمسار الصحيح. فإن بعض الجمعيات – للأسف – تخلّ بأمانتها أو تنحرف عن أهدافها، مما يستدعى صدور قرارات متكررة بتوقيفها أو عزل إدارتها».

وواصل «قبل الدخول في تفاصيل الأسباب والآثار، لا بد أن نذكّر بأن كيان الجمعيات الاجتماعية يتكوّن من:

ـ أعضاء جمعية عمومية.

ـ مجلس إدارة يدير الكيان.

ـ مستفيدين.

وبما أن موضوعنا ينحصر في أسباب الإغلاق وآثاره، فسوف نستبعد شريحة المستفيدين من التحليل المباشر».

الفساد المالي يتصدر المشهد

أما عن أبرز أسباب إغلاق بعض الجمعيات الخيرية، فيقول الصاخن «يمكن حصرها في جملة من الأسباب، ومنها:

1ـ الفساد المالي، وسوء إدارة الموارد

• وجود مخالفات مالية، أو عدم وضوح في أوجه الصرف.

• ورود شكاوى متكررة من متبرعين ومستفيدين، بل وحتى من موظفين داخل الجمعية يكشفون عن فساد مالي أو سوء استغلال الموارد.

• استغلال بعض الأموال في مصالح شخصية أو تجارية بعيدة عن رسالة الجمعية.

2- تمرير قرارات ذات طابع شخصي أو تجاري

• قيام بعض الإدارات بتمرير قرارات خلال اجتماعات الجمعية العمومية تخدم مصالح أفراد أو مجموعات بعينها.

• تحويل بعض المشاريع الخيرية إلى استثمارات ذات طابع تجاري غير مبرر.

3- المحاباة في التوظيف واستنزاف الموارد البشرية

• توظيف أقارب أو مقربين في وظائف لا حاجة حقيقية لها.

• منح رواتب عالية لا تتناسب مع طبيعة الوظائف، رغم أن موارد الجمعيات قائمة على الصدقات والتبرعات.

4- فشل المجالس المنتخبة في تحقيق وعودها

• عجز بعض المجالس عن تنفيذ الأهداف التي كانت تروّج لها أثناء فترة الانتخابات.

• تغطية هذا الفشل بتبريرات وذرائع متعددة، وإلقاء اللوم على الآخرين بدل تحمل المسؤولية.

5- تكتلات داخل الجمعية العمومية

• اتفاق مجموعات محددة من الأعضاء على تمرير قرارات أو تعطيل أخرى بما يخدم مصالحهم الخاصة.

• غياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية داخل الاجتماعات العمومية.

6- كثرة الشكاوى من المجتمع

• تصاعد بلاغات من المستفيدين وأعضاء سابقين حول غياب العدالة في توزيع الخدمات.

• عدم التعامل بجدية مع هذه الشكاوى، مما يزيد من فقدان الثقة.

7- مخالفات قانونية وإدارية

• التأخر أو الامتناع عن تقديم التقارير المالية والإدارية الدورية للجهات الرقابية.

• عقد اجتماعات صورية دون محاضر دقيقة أو حضور قانوني مكتمل من أعضاء مجلس الإدارة.

آثار العزل والإغلاق

في ما يتعلق بالآثار المترتبة على إغلاق الجمعيات، ينوه الصاخن إلى أن ثمة آثاراً جسيمة، وقال «كان من باب أولى مراعاة الأمانة في العمل لئلا نفقد هذه المؤسسات أو تفقد مصداقيتها، ومن أبرز تلك الآثار:

1- خسارة خدمات اجتماعية أساسية.

• حرمان الأسر الفقيرة من الدعم الغذائي أو الصحي أو السكني.

• انقطاع برامج الأيتام والمساعدات التعليمية.

2- زيادة الأعباء على الدولة

• تتحمل الوزارات والمؤسسات الرسمية عبء تغطية الفراغ الناتج.

• استنزاف موارد إضافية لإيجاد بدائل سريعة.

3- إضعاف ثقة المجتمع

• اهتزاز صورة العمل الخيري لدى الناس.

• تردد المتبرعين في تقديم الدعم خوفًا من سوء الاستغلال.

• فقدان الحافز لدى الأفراد للانضمام كأعضاء في الجمعيات العمومية، خشية الفساد أو التلاعب، وهو ما يضعف الجمعية ذاتها بسبب غياب الأصوات المتنوعة والآراء المختلفة.

4- تأثير نفسي واجتماعي سلبي

• شعور الفئات المستفيدة بالتهميش أو الإهمال.

• ضعف الروابط التكافلية بين أبناء المجتمع.

5- فقدان الكفاءات التطوعية

• ضياع جهود المتطوعين الذين كانوا يعملون ضمن الجمعية.

• هجرة الكفاءات للعمل في كيانات أخرى أو العزوف عن العمل التطوعي.

وأضاف أن "معالجة هذه الظواهر لا يكون فقط بالعقوبات، بل بتعزيز الرقابة والشفافية، وتشجيع العمل المؤسسي داخل الجمعيات، حفاظًا على رسالتها السامية ودورها الحيوي في خدمة المجتمع".