يشهد كثير من الأحياء في المدن السعودية انتشارا واسعا ولافتا لمحلات بيع الورود، فيما يشبه الظاهرة التي انتشرت بشكل ملحوظ وملموس خلال السنوات الأخيرة، حتى باتت تلك المحلات تتزاحم في نطاقات صغيرة في الحي الواحد، ما دفع كثيرين إلى التساؤل عما إن كان هذا الانتشار المكثف استجابة منطقية لعوامل اقتصادية تجارية بحتة، أم دليلا على ارتفاع «رومانسية» سكان تلك الأحياء التي تنتشر فيها تلك المحلات بكثرة؟.

وفيما يربط كثيرون بين الورود كصورة نمطية ذات صلة بالمشاعر الهادئة والتعبير العاطفي، فإن المعطيات على أرض الواقع تكشف عن علاقة أعمق بين سلوك المستهلك وتطور مفهوم الورود كهدية مقبولة ومطلوبة في الحياة اليومية.

ارتفاع الطلب


يوضح عبدالحميد مصطفى، وهو بائع في محل للورود أن «ارتفاع الطلب على الورود يعد عاملا رئيسا يقف خلف هذا التوسع في محلات بيعها».

ويضيف «لم يعد الورد مقتصرًا على المناسبات العاطفية، بل أصبح هدية جاهزة ومتاحة في مختلف المناسبات الاجتماعية، بدءًا من الزيارات العائلية، مرورًا بحفلات التخرج، وحتى التهنئة بالوظائف أو نجاح الأبناء».

وأشار إلى أن «أغلب الطلبات اليومية تأتي من أفراد يبحثون عن هدية»سريعة ولطيفة«، أكثر من كونها ذات طابع عاطفي خالص».

وتابع «هناك أحياء تتميز بأن سكانها يفضلون شراء الورود، ما يعكس رومانسية هؤلاء السكان، وهو ما أسهم في أن نرى عدة محلات للورود في حي واحد».

مزيج من العوامل

يؤكد عبدالرحمن فهد، أن كثرة انتشار محلات الورود في الأحياء تعد نتيجة طبيعية لمزيج من العوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والجمالية، والتسويقية. وقال «مع تزايد الطلب، وتنوع الاستخدامات، وسهولة الوصول عبر التطبيقات، باتت الورود جزءًا أصيلًا من تفاصيل الحياة اليومية، بعيدًا عن فكرة(الرومانسية) التي ارتبطت بها طويلًا».

وأضاف «كثرة انتشار محلات بيع الورود تعد ظاهرة تجارية تعكس تغيّرًا واضحًا في الذوق الاجتماعي، وتحوّلًا في مفهوم الهدية، وتناميًا في الاهتمام بالتفاصيل التي تمنح الحياة لمسة جمالية بسيط لكنها عميقة الأثر».

وأكد «لعبت ثقافة التصوير ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في زيادة الإقبال على محلات الورود. فالتنسيقات الجميلة والانسيابية للزهور باتت عنصرًا جماليًا أساسيًا في توثيق المناسبات، وأصبح كثير من الناس يعدون الورود قطعة من ديكور اللحظة، وليست مجرد هدية. وهذا التغيّر في النظرة إلى الورود رفع الطلب على أفكار مبتكرة في التغليف والتنسيق، وشجّع المستثمرين على الدخول في هذا المجال».

سهولة الاستثمار

من جانبهم، يؤكد اقتصاديون أن سهولة الاستثمار في قطاع الورود جعلت منه خيارًا مفضلًا لروّاد الأعمال، لا سيما الشباب، إذ لا يتطلب رأس مال ضخم، ولا معدات معقدة. وهذا العامل شجّع على فتح مزيد من المحلات داخل الأحياء، خصوصًا مع وجود طلب مستمر على الورود من المطاعم والكافيهات التي تعتمد عليه كعنصر ديكوري ثابت يعكس الاهتمام بالتفاصيل.

تطبيقات التوصيل

أوضح فهد الأحمدي، وهو مستثمر في محلات بيع الورود أن تطبيقات التوصيل لعبت دورا محوريا في نمو هذا النشاط، حيث لم يعد المحل مقتصرًا على سكان الحي فحسب، بل بات قادرًا على الوصول إلى مستخدمين في نطاقات أوسع، ما زاد من حجم الطلب ورفع جدوى الاستثمار.

تطور ثقافة الإهداء

بدوره، أكد الباحث الاجتماعي جلال سالم أن«هذا الانتشار لا يعكس بالضرورة رومانسيّة سكان الحي، بل يدل على تطوّر في ثقافة الإهداء والذوق العام. فشراء الورود أصبح جزءًا من سلوك اجتماعي متزايد يقدّر الهدية الرمزية، ويرى في الورود وسيلة راقية للتعبير عن التقدير، سواء لشخص مقرّب أو لمناسبة عابرة».

ويؤكد باحثون أن انتشار محلات الورد يرتبط أكثر بارتفاع مستوى الوعي الجمالي والرغبة في التفاعل الإيجابي داخل العلاقات الاجتماعية، وليس بالمشاعر العاطفية وحدها.