محمد حسن الساعدي

مثلّت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية نقلة نوعية في خارطة الشرق الأوسط الجديد، وهي علامة أخرى على أن الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه سابقاً، حيث اجتمعت عوامل مهمة في تغيير الخارطة السياسية، وساهمت في أن يكون العديد من مكونات الشرق الأوسط أضعف مما كان عليه عام 2011، وبقراءة تحليلية من المرجح أن تزداد ضعفاً، فهناك عوامل متعددة ستتطلب تركيزاً متجدداً منها.

ملف المياه وتغير المناخ يعدان العلامة المتزايدة، فهما مشكلة متنامية في العديد من دول الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلى الزيادة في استخدام المياه للزراعة، وجزئياً لدعم عدد أكبر من السكان، وكذلك جزئياً في الاستخدام السيئ والهادر للماء، ومن ناحية المناخ فإن ارتفاع درجات الحرارة يجعل الكثير من المدن غير صالحة للعيش بشكل متزايد في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى انتشار العواصف الترابية، والذي يدفع المزارعين إلى الانتقال من الريف إلى المدينة، فكل هذه الأمور من شأنها التأثير في سبل العيش، وبالمقابل لا تلوح في الأفق أي حلول أو معالجات.

العامل المالي هو الأقل ملاءمة، إذ دفعت جائحة كورونا العديد من حكومات الشرق الأوسط إلى إنفاق المزيد من الأموال لدعم سكانها خلال ذروة الوباء وزيادة مديونيتها، وأصبحت الأسواق المالية العالمية والشرق أوسطية أكثر تشكيكاً في مديونية الأسواق الناشئة، وارتفعت تكاليف الاقتراض بشكل حاد، كما أن صندوق النقد الدولي يواجه مخاطر ومحاذير أكثر من قبل في منطقة الشرق الأوسط.

العامل الآخر هو تحول الطاقة الذي بدأ يلوح في الأفق، حيث ساعدت الدول المصدرة للنفط في تعزيز اقتصاد منطقة الشرق الأوسط بأكملها جزئياً من خلال الدعم الحكومي، أو جزئيات من خلال استيراد العمالة العربية، والذي أثر بشكل كبير على الواقع في الشرق الأوسط، وجعله متغيراً إلى حد كبير، خصوصاً وأن التوجه العالمي بات يتجه نحو هذه المنطقة الملأى ببحر من النفط، لذلك يراد لهذه المنطقة أن تشكل نقطة لقاء مع المصالح وليس العكس.

ينبغي على الجميع أن يدرك هذه الحقيقة ويتصرفوا وفق هذه المعطيات، وليس فقط بمعايير الشعوب والدول في الشرق الأوسط، بل لإقامة نظام دولي جديد يحترم كل طرف الطرف الآخر، وعلى أساس المصالح المشتركة بين جميع الأطراف، والذي سيوصل إلى تحقيق أعلى المكاسب والمصالح الاقتصادية والمالية، وبالتالي الاجتماعية والثقافية، وأما فيما يتعلق بالربيع العربي، فمن يرغب أن يشكل شرقا أوسطيا جديدا، فعليه أن يفكر ألف مرة بالعواقب والضحايا التي ستكون لقاء هذا المخطط، فعسى أن يتخلص كل هؤلاء من هذا الفكر، ويكفي ما كسبوه من دروس في إقامة هذا النظام، بل ينبغي أن يسعى إلى ويرفع شعار «من شرق أوسط كبير إلى شرق أوسط جديد» وعلى يد أبنائه.