نحن المختصين السعوديين لسنا في غفلة عما يردده الإعلام الغربي حول قضية أزمة المناخ التي سيّسها القادة الغربيون في تصريحاتهم أكثر من مرة كان أطرفها على الإطلاق تصريح مبعوث الرئيس الأمريكي للمناخ جون كيري حين قال «يجب أن نزيل كل ذرة من ذرات ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي» جاهلًا في تصريحه أو متجاهلًا أن ثاني أكسيد الكربون مهم لدورة حياة النباتات، وهو ما يطلقه هو إلى الهواء أثناء زفيره.

عندما أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مبادرة السعودية الخضراء وأعلن التزام المملكة بالوصول إلى الحياد الصفري للكربون في عام 2060، وأعلن بعد ذلك رئيس شركة أرامكو أمين الناصر، التزام شركته بالوصول إلى الحياد الصفري في عام 2050، كان من الواضح للمتابعين والمتخصصين أن هذه المبادرات هي جزء من حزم كثيرة قادتها السعودية على مستوى العالم كان أوضحها مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون التي أعلن عنها الملك سلمان أثناء ترؤس السعودية لقمة العشرين G20 العام الماضي في الرياض لحماية الكوكب من تزايد انبعاثات الكربون عالميًا.

دعونا نأخذ عينة من تقارير الإعلام الغربي حيث كتبت بولمبيرج الأسبوع الماضي مقالًا عبّرت فيه بلغة منحازة عن أن السعودية هي أكبر دول مجموعة العشرين بعثًا لغاز ثاني أكسيد الكربون لكل فرد. وهذا صحيح عندما تقسم كمية الانبعاثات على عدد المواطنين الذين لا يتجاوز عددهم 30 مليون مواطن نظراً لكون السعودية هي أكبر مصدّر للبترول في العالم وتمتلك ثاني أكبر شركات الكيميائيات عالمياً. لكن دعونا نأخذ كم هي نسبة السعودية إجمالًا في انبعاثات الكربون؟ إنها %1.1 بحسب العام الماضي 2020 أي بمقدار 450 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. بينما تمثل الولايات المتحدة أكثر من %23 بكمية 11000 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون والصين %30 من نسبة الانبعاثات والهند %27 من نسبة الانبعاثات الكربونية.

تقف المملكة الآن وبعد خمس سنوات من إطلاق رؤية السعودية 2030 وهي في موقف متميز من ناحية تقليل الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة، وأصبحت حتى تاريخ كتابة هذا المقال تحتل المركز الخامس في إنتاج الهيدروجين على أن تصبح الأولى في عام 2030 بعد اكتمال مشروعاتها في نيوم لإنتاج الهيدروجين الأخضر.

لدى المملكة وعي كامل بأن الكربون ليس مشكلة في حدّ ذاته بل إنه مصدر من مصادر الاقتصاد بحيث أنها ستسعى لالتقاط الكربون وإعادة استخدامه في عملياتها الإنتاجية لإنتاج مواد يمكنها بيعها وهو بلا شك أفضل من التقاطه بواسطة الأشجار التي سوف تتغذى عليه من خلال التمثيل الضوئي. لذلك فنحن نعي أن كربونا في اليد خيرُ من 10 كربونات تمتصها الشجرة.

في الأسبوع الماضي دشّن ولي العهد السعودي منتدى السعودية الخضراء وقمة منتدى الشرق الأوسط الأخضر والتي تحمل أكثر من 100 مبادرة في مجموعها تستهدف السعودية من خلالها إلى خفض انبعاثاتها بنسبة %60 بحجم 278 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2030 على أن تصل إلى التقاط ووقف انبعاث حوالي 450 مليون من ثاني أكسيد الكربون في العام 2060 وهذا يشمل جميع التقنيات والوسائل التي تضطلع بها السعودية الآن أهمها تعظيم استخدام الطاقة الشمسية التي تمثل السعودية نسبة إشراق هي الأولى عالميًا لكل مساحتها على مدار العام، كما أن الموقع الجغرافي للمملكة يعزز من استدامة تقنيات طاقة الرياح، وهما المصدران بالإضافة إلى الهيدروجين اللذان سيمثلان %50 من مصادر الطاقة في السعودية بنحو 60 قيقا واط في 2030.

علاوة على ذلك تتواءم خطة الأمير محمد بن سلمان مع التوجه العالمي، وتتكامل مع مشروعات السعودية القادمة في مجال الاقتصاد الوطني الذي يستهدف أيضًا رفع حجم الاقتصاد إلى أكثر من 1200 مليار دولار بحلول 2030 لتحتل السعودية مكانة متقدمة ضمن أهم 15 اقتصادًا عالميًا.

إنني كمتخصص فخور بهذا الفكر المتعقّل وغير المنحاز لا إلى اليمين ولا إلى اليسار في معالجة مشكلة التغير المناخي الكونية الذي تتبناه وزارة الطاقة السعودية في اقتصاد الكربوني الدائري وتقنيات التقاط الكربون. فالعالم لا يمكنه أن يوقف استثماراته في مجال النفط والغاز بهذه السرعة لوقف الكربون نهائياً وهو ما سيهوي بحجم المعروض من مصادر الطاقة، آخذين في الاعتبار الزيادة المتنامية في أعداد سكان كوكب الأرض حيث سيصل مجموعهم إلى 9.2 مليارات بحلول 2045 معظمهم من الهند والصين وكل هؤلاء هم بحاجة إلى مواد مصنوعة من النفط والبتروكيماويات من أجل العيش الكريم والرفاه الاقتصادي.

لقد أدى الانحياز الغربي وعودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية المناخ إلى الترويج لفكرة وقف الاستثمارات في الغاز الطبيعي والنفط وهو ما أسهم في أزمة الطاقة التي بدأت شهر سبتمبر الماضي ويتوقع أن تستمر آثارها إلى منتصف العام المقبل. كل هذا يجعلنا نثق في أهمية أن يتعاون قادة الدول عندما يلتقون في جلاسكو بعد أيام لصناعة خطة تحوّل نحو الحياد الكربوني أسوة بالسعودية ودول الشرق الأوسط التي انضمّت إلى مبادرة الشرق الأوسط الأخضر. ولا ينبغي للأصدقاء في أوروبا وأمريكا أن يكابروا في حقيقة أهمية خليط الطاقة واعتماديته في رخاء اقتصاداتهم، وعدم التضحية بجيوب مواطنيهم الذين يعانون الآن من مشاكل ارتفاع أسعار المواصلات والجازولين لأرقام لم تشهدها أمريكا من قبل.