في ظل الهيمنة المعلوماتية الكبيرة التي تمارسها وسائل التواصل الاجتماعي في العصر الحديث على هيكلة المعاني، وتشكيل الوعي، وتغيير الممارسات الاجتماعية لدى الجمهور، يقع الناس تحت وطأة التنميط الاجتماعي السلبي، وهو درجة من درجات الإقناع العالية للسير في طريق واحد، وممارسة العديد من التصرفات بلا وعي، وفق النمط العام لما يعمله الناس في مختلف المناسبات، حتى وإن كان الفرد يثق في كثير من الأحيان أنها خاطئة.

وبلغة أكثر بساطة يمارس الفرد كثيراً من الممارسات التي يساير فيها الموضة، وتقليد أوضاع الناس في معيشتهم ومناسباتهم، لكي يتماشى مع ما هو موجود من نماذج اجتماعية، حتى وإن لم تتوافق مع ظروفه المالية أو الاجتماعية، لكي يخرج من دائرة اللوم الاجتماعي، أو التنمر في كثير من الأحيان إذا انفرد بقناعاته، وترك المسايرة، وطبق بشكل صحيح ما يمليه عقله، الذي يقوده إلى تصرفات قد تكون شاذة في نظر كثير من المحيطين به.

والدافع الأول لمن يقع في فخ التنميط الاجتماعي هو فوبيا الوحدة، أو بمعنى آخر الخوف من النبذ الاجتماعي بسبب عدم مسايرة الناس فيما يعملونه بمناسباتهم، أو عدم مشاركتهم فيها، وبالتالي يصبح الفرد أسيراً للنمط الاجتماعي العام، ولا يستطيع الخلاص منه، وإذا امتنع عن المشاركة، فسيقع لا محالة في النبذ الاجتماعي، والشعور بالغربة عن المجتمع المحيط به.

ولنأخذ على سبيل المثال ما يحدث في مناسبات الزواج من ممارسات للتبذير وصرف الأموال الطائلة للظهور أمام المدعوين بالتميز، والخروج في كثير من الأحيان عن المألوف، وتصوير هذه الممارسات ونشرها في وسائل التواصل بهدف الشهرة، وإرضاء رغبات الذات في التفوق، ومن ثم يقلدهم الآخرون، وهكذا حتى تصبح تلك التصرفات نمطاً اجتماعياً يصعب الخروج منه، وإلا نُعت المخالف بالرجعية أو البخل، أو غيرها من الأوصاف التي لا يريد أي أحد أن يوصف بها، ويتجرع ألم التنمر بسبب عدم قيامه بما تمليه عليه الأعراف الاجتماعية السلبية التي إذا بحثنا في منشأها وجدنا أن مُنشئها شخص كان هدفه الشهرة والخروج عن المألوف.

ولكي يمكن أن نخفف من وطأة التنميط الاجتماعي السلبي ينبغي لمن يملكون نماذج إيجابية أن ينشروا تلك النماذج في مناسباتهم أو أنماط معيشتهم المتوازنة على وسائل التواصل الاجتماعي، وألا يترك المجال بها فقط للممارسات السلبية، وأن يسهم الجميع في إعادة نشر تلك الممارسات الإيجابية والثناء عليها، وهذه مهمة المؤثرين في تلك المواقع، وخصوصاً من يملكون حسابات تبث مواد إعلامية هادفة، وهو أيضاً مهمة وسائل الإعلام الجماهيري، وكتاب الرأي، وغيرهم من المؤثرين إعلامياً، لكي نصل في النهاية إلى توازن يقنع الجمهور أن الممارسات السلبية تقابلها أيضاً ممارسات إيجابية تقف في وجه الجهلاء، وطلاب الشهرة.

كما أنه لا بد أن تمارس المؤسسات التربوية التعليمية دوراً في إكساب الطلاب مهارات القناعة الذاتية، والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، ومهارات الاتصال، من خلال الدورات التدريبية، أو الأنشطة اللاصفية الموجهة للمهارات الحياتية، لكي يتمكنوا من مجابهة التنميط الاجتماعي السلبي في المستقبل، وليشكلوا حاجزاً أمام فوبيا الوحدة، لينعم المجتمع بالممارسات التي تتوافق مع قيمه الدينية الرفيعة، وأعرافه الاجتماعية المتوازنة.