لم أكن في يوم من الأيام، والتي عرفت بها أعذب صوت وإلقاء يشوبه الشجن والنقاء وأقصد به (عبدالله مناع)، والذي عشق الكتابة، تلك التي تصل إلى القلوب دون استئذان، فهو لا يقول إلا الصدق الواضح دون مواربة، ولا يختفي وراء رمز، لم أكن إلا محبا مقدرا لهذا العملاق في تاريخنا الصحافي . كان عبدالله مناع من كتاب الطراز الأول، واضحاً ومباشراً دون مواربة أو زيف، لم أكن أحس بمتعة زيارة (جدة) دون أن أجلس إليه وأتابع طريقته الأخاذة في السرد والحوار الذي يقطر جاذبية ورغبة من المستمع لحديثه في الإصغاء والمتابعة، بقدرته الفائقة على الحوار المثري، وأسئلته والتي تحمل إجاباتها، لكن طريقته تلك دليل على ذهنية تقرأ وتلاحظ، بل تشرك الآخر في المعرفة والاستيعاب.

كان يقدم برنامجا في رمضان عن جدة التي أحبها وأحبته، شديد الملاحظة، وهو من استحدث في مجلة (أقرا)،التي أسسها ورأس تحريرها ردحاً من الزمن،باباً لحكايات الناس والأصدقاء، ليشعرك بأن هذه المجلة تنبع من أفراحهم وأتراحهم.

كان يعشق مصر، والتي نحبها كثيرا وننهل من ثقافة الأدباء والفن والمسرح فيها، حتى إن لهجته تشبه أحيانا تلك اللهجة المصرية العذبة.

ربما عبدالله مناع وصل إلى قناعة أن الكتابة الصادقة هي الخطوة القادمة للتغيير دون شعارات، بل بالوصول لعقلية الجمهور ورفع درجة الوعي، بل لكونه حقا مشروعا لكل مواطن. كان يناضل من أجل ذلك بكل الوسائل المتاحة في الصحافة والإذاعة والمحاضرات واللقاءات التليفزيونية، وحين وصلت إلى (جدة) غزاني حزن خانق، وكأن غيابه -رحمه الله- أخذ مساحة ضخمة، وصمتاً لا يقطعه إلا صوت أمواج البحر، والذي كان واحداً من عشاقه.