الدكتور جون جوديناف عالم فيزياء أمريكي فاز بجائزة نوبل للكيمياء عام 2019، وهو في سن 97، ما جعل منه أكبر حائز على هذه الجائزة المرموقة في تاريخها، وذلك نظير جهوده الحثيثة والمميزة في تطوير بطاريات الليثيوم التي تنتشر في أغلب الأجهزة الإلكترونية حول العالم، وفي السيارات الكهربائية والهجينة.

هذا الرجل فاز بجائزة نوبل وهو في هذه السن التي لا يمكن أن نتصور أن يصل إليها إنسان وهو ينتج ويتميز ويبدع، وقد كسا رأسه الشيب وأصبح قطعة من الجليد البيضاء تعلو رأسه الفذ.

الرجل لم يقابله أحدهم من ربعنا ويقول له.. يا شيخ راحت عليك، الحين ودك تشتغل بعد هذه السن، هذا العالم ترك جامعة أكسفورد في بريطانيا وهو في سن 65، لأن تلك الجامعة تجبر أساتذتها على التقاعد في هذه السن لإتاحة الفرصة للعلماء الشباب بأخذ فرصتهم في الإبداع، فبحث عن جامعة لا تعترف بالسن وتمنح الفرصة للمبدعين بالعمل من دون أي قيود للسن، واتجه إليها في الولايات المتحدة الأمريكية، وواصل أبحاثه بها طيلة 33 عاماً حتى حقق الإنجاز، وما زال يعمل لآخر قطرة عرق تخرج من جبينه العبقري، وتنساب من بين شعرات رأسه البيضاء.

كثير من المحيطين بنا عندما يرون الشعر الأبيض يتسلل لرؤوس بعضنا، ينظرون إلينا بنظرة حانية، ويلطفون الحديث معه لأنه شايب وبحاجة للكلمة الطيبة والعطف، وإذا أراد أحد الشيبان الدراسة مثلاً قالوا له ياشيخ بعد ما «شاب راح الكُتَّاب». كلمات مؤلمة محطِّمة محبطة، تدمر الطموح وكل رغبة في الإنجاز بسبب شعرات ذات لون أبيض ظهرت في مفرق الرأس.

بل ونجد في بعض الأحيان من يقف في وجه المشاريع التي تنضج لدى تلك الفئة من البشر ذوي الشعر الأبيض، ويقول لهم، الآن مشروع، وين المشروع من زمان، يوم كنت شباب، أنت فيك حيل تشتغل، وغيرها من الكلمات التي تنخر في فؤاده، وقد تحطم ما بقي لديه من أمل في الحياة، وجني ثمار خبرته وعمله طيلة السنوات التي قضاها، واكتسب فيها الخبرة والقدرة على تذليل الصعاب، ومقاومة العقبات.

كثيرون ينظرون للإنجاز والتميز بأنه حكر على فئة معينة، وفي سن معينة، وعندما يتجاوز الشخص تلك السن يُحكم عليك بالرجعية والتخلف، والنظرة القديمة لمجرد رقم يُنسب إليه، ويصبح عيرة تلازمه، في كل مكان، وبكل وقت يريد فيه أن يجدد آماله في الحياة، ويحقق المزيد من الإنجازات سواءً على الصعيد الشخصي أو العملي.

لنعد للدكتور جون جوديناف الذي يبلغ من العمر الآن 100 عام، حيث سئل في لقاء عن سبب احتفاظه بهذه الروح الشابة، وتحقيقه هذا الإنجاز بعد 97 عاما، أجاب بكلمة واحدة هي.. «الشغف».

نعم إنه الشغف بالحياة، الشغف بالإنجاز، الشغف بالعمل، الشغف بحب الناس ودعواتهم، الشغف بأن تكون إنسانا مميزا طيلة عمرك، وإن غزاك الشيب وضعفت قواك، إلا أن عقلك لا يزال يتّقد بالحكمة، والموهبة، والخبرة.

وأخيراً، فليكن الدكتور جوديناف وغيره ممن كساهم الشعر الأبيض، قدوة لكل من أراد أن يعيش كل لحظة من حياته من دون توقف، وأن الإبداع ليس حكراً لذوي الشعر الملون فقط، بل لذوي الشعر الأبيض لهم قصص نجاح أيضاً.