يُعد السكون صفة معاكسة للحركة والانطلاق، ويتعلق السكون بالحدود التي تجعل الحركة صعبة، وفي كثير من الأحيان مستحيلة. هذا الحديث على المستوى المادي يدعونا للتفكير في الأطر والحدود التي تحكم تفكيرنا وحياتنا وعملنا وعلاقاتنا الاجتماعية وتجعلنا نعيش وكأننا في صندوق.

وتُعد المعاناة التي يعيشها كثيرون، والمشاعر السلبية، والملل من العمل، والرغبة في الانعزال، والبعد عن الناس، وقلة المشاركة في الفعاليات الاجتماعية أو الثقافية أو الترفيهية، مظهرا من مظاهر يكون السبب الرئيس لها هو العيش داخل صندوق صنعناه بحجة السلامة، وأن المنهج السليم هو الابتعاد عن التغيير، وتكريس الجهل بقلة البحث والتفكير في الجديد، لأن الجديد صعب ولا يمكن تعلمه كما يقال في المثل أن كل جديد شديد، وقد يوقع الإنسان في المشاكل، لذا فالحل الأسلم في نظر البعض هو العيش داخل الصندوق والحركة داخله فقط.

قد يفكر البعض في كثير من الأحيان في تكبير الصندوق الذي يعيش فيه، ليتحرك فيه بحرية أكبر، لكنه ما يلبث أن يشعر بالضيق من جديد، والعودة للتوسعة مرة أخرى، إلى أن يصل في النهاية للاعتراف بأنه لا مناص له من الخروج من الصندوق والتحرر.


التحرر من الأشخاص الذين يسببون الألم ويجلبون الحزن والكآبة لمن حولهم، لا بد لنا من التحرر من سلطة القرب منهم، بل وتركهم في بعض الأحيان يُعد ضرورة للخروج من الصندوق الذي يفرض البقاء معهم ويسبب لنا المزيد من المعاناة، لذا فلنستخرج لهم تأشيرة للخروج النهائي بلا عودة.

الخروج من التفكير التقليدي الذي يسير في خط واحد، ويجعل أفكارنا محدودة بأطر تجعل تدفق الأفكار مستحيلاً، أو قد يجعلها نمطية قديمة ومكررة، يحتم علينا التفكير خارج الصندوق، وتطبيق استراتيجيات التفكير الناقد الذي يعتمد على الاستقراء والاستنباط والتقويم للخروج بأفكار جديدة وإبداعية للمشكلات التي تواجهنا.

يعاني كثيرون من الروتين الممل لرتم الحياة، والتكرار لعادات يومية، ومقابلة الأشخاص نفسهم، والحديث في الموضوعات نفسها، والاحتكاك بمن توقفت عجلة التفكير لديهم، واختفت لديهم الأحلام، ولم يعد التفكير في المستقبل ظاهراً في قاموس حياتهم، ولا يمكن التخلص من هذه المثبطات إلا بالخروج من صندوق الروتين عبر البحث عن النجاح في مكان آخر، ومع أشخاص لديهم الأمل والطموح في التغيير نحو الأفضل، وكسر الروتين من خلال تغيير بيئة العمل، وطلب النقل لمكان جديد، أو البحث عن فرصة للعمل في مكان جديد، واكتساب مهارات جديدة، تمكن الشخص من الخروج من الصندوق والانطلاق نحو آفاق التغيير والإبداع، والنظرة نحو المستقبل.

أول خطوة للخروج من الصندوق هي إدراكك أنك تعيش داخله، وأن استمرارك في هذا العيش سيدمرك تدريجياً، ومن ثم التفكير والتخطيط لرسم نقطة التحول، وكيف يمكن الوصول إلى الأهداف التي تمكنك من البدء مجددا، بروح مختلفة ومن دون حواجز تعيدك للصندوق الذي كنت سجيناً خلف أسواره البائسة.

ويُعد حضور البرامج التدريبية، لاكتساب مهارات حديثة، أو الحصول على مؤهل أعلى، أو تعلم لغة جديدة، أو المشاركة في منظمات النفع العام، والاحتكاك بذوي الهمم العالية، وتبادل الرؤى معهم، والحرص على مواكبة المستجدات، والسفر لأماكن جديدة، بل وتذوق أطباق جديدة، من أهم الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في الخروج من الصندوق، ورسم خطوط حديثة للحياة، وتحقيق المزيد من الإنجازات، ومن هنا يتحطم الصندوق، وتتكسر حواجزه، ونخرج من تحت الركام، ونعود متجددين لجمال هذه الحياة، وتذوق طعم الإنجازات، وإنارة المستقبل، والاعتراف بأن «الإنسان - بسبب خوفه - عدو ما يجهل».