فكرة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو كانت هي المحرّك الرئيسي للتدخل الروسي في أوكرانيا، وهي النقطة التي عملت عليها إدارة بايدن منذ وصولها للإدارة بداية العام 2020م. بالنسبة لروسيا، تمثل الأسلحة النوعية تهديدًا رئيسيًا لموسكو التي تبعد أقل من 300 ميل عن الحدود الأوكرانية. ولكن ما شأن هذا بالطاقة المتجددة؟

دعونا نفهم أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد خفض اعتمادها على النفط تدريجيًا لأسباب أهمها قصر عمر المخزونات الطبيعية. ولذلك تتوجه للتحوّل التدريجي لاستخدام الطاقة النووية والغاز الطبيعي وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.

بالنسبة للولايات المتحدة وهي من أكبر منتجي النفط في العالم الآن بمستويات تصل إلى 12 مليون برميل يوميًا فإن معاهدة التحول المناخي خارطة ممتازة للتحوّل على المدى الطويل. ففي نظرة الأمريكيين، لن تستمر أمريكا بوضع بيضها في سلة النفط ومنتجيه، وهي في الوقت ذاته تريد تصدير تقنياتها الرقمية والسيارات الكهربائية التي تقودها شراكاتها إلى العالم والتحول إلى اقتصاد تقنيات الطاقة البديلة.

وعلى الجانب الآخر ترى أنه من مصلحتها أن تصبح المورّد الرئيسي والمعتمد لأوروبا بشأن الغاز المسال ولديها خطة للتحول لتصبح أكبر دولة مصدّرة للغاز الطبيعي على مستوى العالم بحلول 2025م.

بعكس الصين التي تحتاجها، تسعى أمريكا لتقليم أظافر الدب الروسي التي أصبحت مع وفرة البدائل الطبيعية أقسى وأقوى.

روسيا تدرك تمام الإدراك أن النفط والغاز سيمثل أزمة كبيرة لأوروبا وسيجعلها تعيش في ظلام دامس. وهو ما حصل نهاية شتاء هذا العام وسيتكرر في مشهد مؤسف يغيّر النظرة التقليدية عن أوروبا قارة الرفاهية والسعادة.

هذا الأسبوع قرر القادة الأوروبيون بشكل مبدئي وضع قيود على واردات النفط عن طريق البحر، وهي تقدّر بحوالي مليوني ونصف البرميل من النفط الروسي يوميًا، على أن يدخل حيّز التنفيذ خلال ستة أشهر.

كما أنها تراجع قطع المغذيات الزراعية والمنتجات البتروكيماوية خلال 8 أشهر. في حين تستثني هنغاريا وسلوفاكيا والتشيك وحتى ألمانيا إلى منتصف 2024م. كما أعلنت المفوضية الأوروبية أنها تخطط لتقديم مقترح للاتحاد الأوروبي بشأن النفط القادم من خط أنابيب دروجبا.

يمثل النفط التي تزمع أوروبا وضع قيود على استيراده بحرًا ما نسبته 60% من النفط الروسي المباع لأوروبا. وهو ما يعني ضربة قوية لروسيا. لكنه في الوقت نفسه يعطي خيارًا لروسيا للبحث عن مشترين آخرين.

يظهر للجميع أن أوروبا غير جادة في حسم أمرها بشأن العقوبات على نفط روسيا، لكنها ستجعل الروس يبحثون عن حصة أكبر من خلال عضويتهم في مجموعة أوبك بلص أملًا منهم أن هذا قد يسبب خلافًا بين أوبك وروسيا.

لكن الحقيقة أن روسيا يدها أعلى على الرغم من ذلك بشأن إيجاد البديل المشتري على المدى المتوسط. في الوقت الذي تفتقد فيه أوروبا للبدائل بشأن النفط والغاز الروسيين، على الأقل حتى نهاية 2024م.

أوروبا تعلم أنها لا تملك البنية التحتية ولا البديل الأرخص ثمنًا من النفط والغاز الروسي، وحتى الغاز القطري المشروط بعقود طويلة لن يكون أكثر استدامة من الغاز الروسي المتوفر ببنيته التحتية.

لدى أوروبا حلّان متاحان؛ وهما تعزيز الشراكة مع شمال إفريقيا وإحلال الأمن فيهما واستكمال مشروع الغاز بين الجزائر وإسبانيا ليصل إلى بقية أوروبا. أو التوجه إلى أمريكا لشراء الغاز المسال وبناء مخازن ضخمة تتسع للاستهلاك الدائم خصوصًا في فترة الشتاء.

الأمريكيون يرون في أزمة الطاقة التي تواجه أوروبا مكاسب كبيرة من خلال الضغط على اقتصادات أوروبا لتسريع التحول للطاقة النظيفة، وضرب اقتصادات الدول المعتمدة على النفط، وأيضًا فرصة لسوق كبيرة للغاز الأمريكي المسال.

كما أن أمريكا لا ترى في الصين أي مهدد رئيسي للأمن القومي الأمريكي، بل ترى في الصين حليفًا استراتيجيًا خفيًّا تحتاجه لبناء وحدات الطاقة المتجددة وبطاريات الليثيوم وألواح الطاقة الشمسية.

لذلك نجد أن العقود لا تزال سارية بين إدارة بايدن وإدارة شي جين بينغ بشأن تصدير الفحم الحجري للصين.

فما نظنّه أزمة عالمية حاليًا، يحتوي على وجوه كثيرة للربحية، فهناك خاسرون مؤقتون هم الروس، وخاسرون دائمون هم الأوروبيون، ورابحون مؤقتون هم الخليجيون والصينيون، ورابحون دائمون هم الأمريكيون، هذا إذا استمرت الحال على ما هي عليه بالحيثيات الحالية نفسها. وبالتالي تكون أوروبا اختارت أن تغيّر اقتصادات الطاقة فيها بيدها لا بيد الرئيس الأمريكي بايدن الذي أعاد أمريكا إلى اتفاقية باريس العام الماضي.

هناك فرص كثيرة تبرز بالنسبة لنا في السعودية، وهي تسريع التحوّل للطاقة المتجددة، وتسريع تحويل النفط إلى منتجات بديلة غير النفط كالبتروكيميائيات، وأيضًا بناء اقتصاد تقنيات الطاقة المتجددة، والربط الكهربائي مع أوروبا وتوسيع خطوط التجارة مع شرق وشمال أوروبا.

نحن في واقع الحال، نشاهد معظم هذه الأهداف موجودة في رؤية السعودية 2030، لكن من المهم أن نستعجلها أكثر وأكثر.