تمر على الإنسان بعض الأوقات يشعر أنه يتأرجح على خيط رفيع موصول بين ضفتي نقيض؛ يأس أو أمل، يقين أو ظنون، جدوى ولا جدوى، رفض أو قبول. في قرارة نفسه ينوي أن يجتاز من ضفة لأخرى – ولا يملك إلا أن يجتاز- لأن البقاء في المنتصف يعني التحديق في الهاوية التي لا تكون دائمًا آمنة ومرضية إن أصبح جزءًا منها! هذا الشعور كان اختبارًا أجزم أنني لست الوحيدة التي تعيشه مؤخرًا، وأعني تحديدًا رغم عاطفية الموضوع وشخصانيته، هو رؤية أبنائك في منتصف الطريق بين القبول والرفض وهم ينتقلون بحمل كبير ومثير من الأحلام والأمنيات من التعليم العام إلى واقع قاس ومحبط وأقل من توقعاتهم في التعليم الجامعي، وما يصاحبهم هم من مشاعر مختلفة يبدون منها ما يبدون ويخفون بعضها ويخفقون في التعامل معها لقلة الخبرة والتجربة. وقد يكون الشعور لدي مضاعفا وأنا أرقب التوأم طفلي الأمس يسيران مسرعين نحو الشباب يطرقان أبواب الأمل بتعجل وحماس؛ وقد يفتح لهما الباب أو يصد في وجه تطلعاتهما فيُكسر خاطر من يرقبهم أكثر منهما.

أن يكون هذا التوأم ولدا وبنتا فهذا يكثف التجربة لي كأم وأنا أرصد الاختلاف بين الحلم والواقع لكل منهما؛ والمتاح والمنطقي والمعقول المتوفر لهما بعد انتهائهما من الثانوية العامة، ومدى التفاوت بين القبول في الجامعات السعودية بين الطلاب والطالبات، مع قلة الفرص المتاحة للطلبة بشكل عام خاصة مع التغييرات الأخيرة التي حصلت في التعليم الجامعي وتحويل كثير من الكليات إلى كليات تطبيقية تقدم درجة الدبلوم.

ولمحاولة منطقة الموضوع والنظر له بحياد الباحث عن إجابات للتساؤلات التي تؤرق الأهل قبل الأبناء يجب أن نفهم من جهات القبول ما المعايير التي يخضع لها الطلبة حتى يتم قبولهم أو رفضهم في تخصصات حلمهم أو وضعهم قسرًا في تخصصات أخرى قد لا تتناسب حتى مع مسار دراستهم في الثانوية العامة. ونتفق في البدء أن المعرفة والتعلم هما أساس يجب أن يتوفر للنشء من بدء دراستهم ولا يتحقق معظمه إلا في المرحلة الجامعية حيث تصبح دراستهم أكثر تخصصًا، وأكثر تركيزًا على البحث بعد سنوات من التلقين والتلقي في سنين دراستهم العامة، مع ما تحمله مرحلة الشباب من ثورة الانفتاح على الآخر والتجارب الشخصية والاجتماعية في بيئات تعليمية مهيئة لهذا الأمر. وهذا يعني أن حرمان الشباب من تجربة الدراسة الجامعية إن كان يرغب بها تعد نوعًا من حرمانه في تجربة تصقل شخصيته، وتبني معرفته، وتوسع مداركه.

كنا كثيرًا ننادي أن تلغى التخصصات الجامعية التي لا تخدم الواقع في سوق العمل، وأن يكون مقابل لها تخصصات مستحدثة لا توقع الطلبة بعد تخرجهم في فخ البطالة، تمامًا كما ننادي بالتوسع في القبول في التخصصات المطلوبة والتي يعمل فيها آلاف العمالة الوافدة كالتخصصات الصحية. ولكن للجامعات حسبة أخرى غير محسوبة للطلبة الذي يجتاز أغلبهم الثانوية العامة بنسب عالية جدا ثم يصدمون أمام اختبارات مركز قياس (القدرات والتحصيلي) فتأخذ معايير القبول مناحي أخرى غير محسوبة مهما كان تفوق وتميز الطالب مسبقًا.

الغريب في الأمر ما يوجد من تمايز في هذه المعايير للقبول بين الطلاب والطالبات، الذين لا يطلب من الطلاب في التخصصات النظرية في الثانوية اختبار قياس للتحصيلي بينما يطلب من الطالبات، فضلًا عن أن ارتفاع عدد الطالبات الخريجات من الثانوية مقارنة بالطلاب مع ارتفاع درجاتهم المؤهلة أو الموزونة في أنظمة الجامعات يخلق تباينا كبيرًا في النسب المطلوبة للقبول في ذات التخصص، خاصة مع اتجاه الطالبات للدراسة لقلة الفرص الوظيفية أو الدراسية بعد الثانوية العامة للبنات.

حالة الإحباط التي تملأ أنفس كثير من خريجي الثانوية مؤخرًا أمر يجب أن تلتفت له وزارة التعليم بشكل جاد، فلا جدوى من دراسة جادة خلال الثانوية العامة مع حرمان من فرص ممكنة للدراسة الجامعية مع وجود وفرة جامعات في كل المناطق، وعدم مقدرة كثير من الأسر للاتجاه لتعليم أبنائهم على حسابهم الخاص، وألا يعتمد القبول على عدد المقاعد فقط التي سيكون السباق عليها محدود جدًا. والأهم أن يكون البديل المستحدث لمن سيحرم من فرصة الدراسة على درجة البكالوريوس من دبلومات أن تكون مؤهلة للطلبة بشكل جيد ولها امتداد لدرجات أعلى لمن لديه شغف ورغبة الدراسة والتوسع في المعرفة. ولأبنائي الطلبة الذين مازالوا على ناصية الأمل أو من بالفعل أغلقت أمامهم أبواب القبول أقول أن الشعور بكم أقوى من كل المنطق والمعقول الذي نحاول نحن الكبار أن نقنعكم به وأن تحديقكم في الهاوية شجاعة لا نملكها ونحن نقف في المنتصف حائرين.