زار وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد -رحمه الله- إحدى المدارس ولم يجد قائدها، فكتب في سجل الزيارات: أخي مدير المدرسة حضرت إلى مدرستكم ولم أجدكم، ولكني وجدت أثركم، كريح العود، نشمُّه ولا نراه.

وعلى النقيض من أداء هذا القائد المميز، يغيب الكثير من القادة لأسباب متنوعة، وبمجرد خروجه، يصبح الوضع (حيص بيص)، أي ينقلب وضع المنظمة ويتغير الأداء، بل ينعدم في بعض الأحيان، حيث يشعر الأغلب بالراحة، وتسود الفوضى، ويمارس الموظفون ما لذ وطاب من الممارسات التي لا يمكن أن يمارسوها لو كان القائد في مكتبه، يتابع الأداء ويقيمه، ويعاقب المتقاعسين، وهكذا إلى أن ينتهي وقت الدوام الرسمي، ويغادر الجميع بكل هدوء، ويغلق القائد الباب وينصرف إلى بيته.

وهنا لا بد أن نتساءل أين يقع الخطأ، هل هو في سلوك القائد، واعتماده على التفتيش، وارتباط أداء المهام بوجوده، أم أن غياب القيم لدى الموظفين يجعلهم لا يعملون إلا في وجود سوط القائد، ومتابعته للصغيرة والكبيرة، ووجود سلطة العقاب، التي لا يسير العمل إلا بها.

والإجابة الصحيحة هنا هي أن المشكلة تكمن في الجانبين، ضعف التأثير القيادي في كل المستويات التنظيمية في المنظمة أدت إلى حصول نواتج التسيب بمجرد غياب القائد، وفي الجانب الآخر غياب الانضباط الذاتي لدى الموظفين، وضعف القيم الأخلاقية التي تحتم عليهم القيام بمهامهم بوجود القائد أو عدمه.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ما يميز المنظمة التي تسير بكل جدية بوجود القائد أو بغيابه هو الانتماء أو الولاء التنظيمي الذي يُشعر الموظف بأن المنظمة التي يعمل بها هي جزء منه، وأن أهدافها هي أهدافه، وهو قوة ارتباطية داعمة للانغماس في العمل، والاندماج التام مع أهدافه التي إذا تحققت شعر الموظف بكيانه، وأن المنظمة هي حياته، إذا انتهت فنهايته مرتبطة بها، ومن هنا فوجود القائد جسديًا أثناء وقت العمل أو غيابه لا يشكل فرقًا لدى الموظفين المنتمين للمنظمة.

والسؤال هنا: كيف يمكن أن يحقق القائد ولاء موظفيه؟ والإجابة يمكن تلخيصها في عنصرين رئيسيين، أولها سعي القائد إلى تلبية رغبات الموظفين العاطفية والجسدية والعملية، بحيث يتم تمكينهم من ممارسة العمل وفق أهداف شاركوا في وضعها، وتم تحفيزهم عند إثبات الجدارة والتميز، وإعطائهم الفرصة للتأثير في القرارات التي تخص عملهم بما لا يتعارض مع أهداف المنظمة، وعند تحقق هذا العنصر يسير العمل بكل انسيابية، فالكل منهمك في تحقيق أهدافه، ولا يتم الالتفات لوجود القائد أو غيابه.

وثاني هذه العناصر إذابة الحواجز التنظيمية داخل المنظمة، بما يمكن القادة الأصغر من التأثير القيادي على الوحدات التنظيمية الأصغر داخل المنظمة، والمعنى ألا يكون القائد هو المتحكم في الصغيرة والكبيرة، وعند غيابه تضيع سلطة اتخاذ القرار، فيشيع التسيب، بمجرد غياب القائد.

وأولًا وأخيرًا يظل الخوف من الله، وابتغاء الأجر منه عند إتقان العمل، هو المحفز الأول لتأدية الموظفين أعمالهم بما يرضي الله، ودون رقيب.